سألني سائل سائح : عن مدينتنا العجيبة ، و عن سر هذه الخطوط الحمراء على جدران الأبنية التي تعلو مقدار ستين إلى سبعين سنتمتر عن الأرض.
قال لي سائحنا الباحث : رأيت مدن ساحلية , طلاء أبنيتها اللون الأبيض يخالطه اللون الأزرق , و رأيت مدن بنيت باللون البني الأجُرّي , و رأيت المدن الحديثة كأنها مكعبات بمرايا ، و ألوان و ألوان ..
و قد بحثت و دونت في أسباب نشوء المدن , و الطابع المميز لكل منها...لكن مدينتكم عجيبة بهذا الخطوط الحمراء ...!!
بالله عليك علمني ما جهلت ، و ارو فضولي فيما أخفيت !!
قلت له : يا صاحبي لا تحرجني فالقصة بدايتها محرجة ، و لكن نهايتها مفرحة!!
و بعد الإلحاح عليّ و الإصرار على أن أحكي له السر , قصصتُ له ...
و ها هي قصة السر الذي احتار به باحثنا الكريم ، و باختصار :
مدينتي كانت فيما مضى خاوية من المراحيض العامة ، عفواً من W.C. أو ما يسمى بيت الخلاء أو بيت الراحة!!
و يؤسفني أن أنقل لك ـ يا سائحنا الكريم ـ الصورة من الفجر حتى آخر المساء..
ـ فهذا جارنا بعد أن خرج من صلاة الفجر يبدو أنه مصاب بالسكري أو بالسلس البولي , و مزنوق , و المزنوق لا يلام , و أغلب الناس نيام ، و على الحائط المسكين يبلل طبعا ليس بالماء..!
ـ و هذا ابن جارتنا الرياضي يتصبب عرقاً مع طلوع الشمس , و كذلك هو الأخر مزنوق كأنه مصابة بإلحاحية في التبول , طبعاً كذلك على الحائط المسكين ..
ـ و العشرات العشرات , و الكل مزنوقين , و الحائط المسكين لا يكاد أن يجف حتى يصاب ببلل جديد من الأشاوس المناضلين..
ما علينا من هذا المشهد الذي اعتادت عليه مدينتنا , و لكن لا أدري و نحن في القرن الواحد و العشرين , هل يتعارض الدين مع أدنى أمر من أمور التطور آلا و هو المنديل (محرمة الكلينكس) , فيقولون :
( من أمور الطهارة الاستجمار بحجر حين لا يمكن الاستنجاء..)
فيبحث الرجل على حجر فلا يجد فنحن في مدينة معبدة الطرق ماذا يصنع و ليس من المعقول أن يخرج الرجل الحجر من جيبه بعد قضاء الحاجة و راحة الضمير!!
وهنا يستفتي قلبه فيجعل استجماره على الحائط ليصبح ذلك من السنة و السنة منها براء ...
ما علينا فهذا المشهد تتقزز منه أمك و أختك و ابنتك و ابنة عمك و ابنة خالتك ، فهذا المشهد الدراماتيكي قد أثار المفكر المُحب لهذه المدينة الفاضلة لهذا أخذ يكتب على الجدران :
( لا تبول هنا يا ابن الــ......المكان مراقب بالتصوير و الرادار!!)
لكن هذه الحركة لم تنفع من مفكرنا المُحب...
نعم ، لقد بقي أريج و أنفاس البخور ، الذي يفوح عند كل حائط في المدينة , إلى أن جاءت أيام موسم مونة الفليفلة الحمراء الحدّة (اللاذعة) , و شهرة مدينتنا بأن تجعل من هذه الفليفلة دبس أحمر (الشطـّة كما يقال ) ,و في هذه الأيام بالذات , أيام المونة , تحرك إبداع صاحبنا المفكر المُحب , فقام بإذابة كيلو من دبس الفليفلة الأحمر في عشرة ليتر ماء , و سكب هذا المزيج السحري على الحائط المقابل لداره , و المراقبة من النافذة مع منظار لتقريب الأحداث , و إبراز كل من سولت نفسه بالجرم ، و الاستجمار على الحائطالمظلوم...
فكانت البداية مع جارنا كبش الفداء , فأخذ يصيح بالمقلوب :
أدركوني بالماء , ماء يا ناس , ماء دخيلكم ,الحريق و اللهيب بين السيقان...أدركوني..
و بعد نجاح هذه الخلطة السرية ـ بلا طول سيرة ـ اقترح شرفاء المدينة طلاء جدران المدينة بهذه الخلطة الرهيبة ...
و هكذا أيها السائح الكريم الباحث السائح في بلاد الله..
هذا هو سر الخطوط الحمراء في مدينتي !!
وهذا هو سر القول الشائع هنالك خطوط حمراء يجب أن لا نقربها حتى لا نحترق!!
Jبقلم فادي شعار L