د.سناء الشعلان/ الأردن" الفلسفة اليونانية" للأستاذ الدكتور عبد الجليل كاظم الوالي
ملف مرفق 766 عن مؤسسة الوراق في عمان/الأردن للعام 2009 صدر كتاب""الفلسفة اليونانية" لمؤلفه الأستاذ الدكتور "عبد الجليل كاظم الوالي " في واقع 232.
يبدأ المؤلّف كتابه بتتبّع زمني لتاريخ الفلسفة الإنسانية،فيرى أنّها مرّت في ثلاث مراحل،الأولى قبل زمن سقراط،وتمتدّ من القرن السادس قبل الميلاد إلى منتصف القرن الخامس قبل الميلاد،حيث بدأت هذه الفترة بطاليس ومدرسته الطبيعية،وهيراقليطس الفيثاغورية،والمدرسة الإيليه،وكانت موضوعاتها تنصبّ على التأمّل الفلسفي،والطبيعة والكون والإنسان.في حين أنّ المرحلة الثانية يمثّلها سقراط وأفلاطون وأرسطو،وهؤلاء اهتمّوا ببناء الأنظمة الفلسفية.وتأتي أخيراً المرحلة الثالثة التي تنقسم إلى مرحلتين،الأولى منها تمثّلها الرواقية والأبيقورية والأفلاطونية والمشائية،أمّا الثانية فتمثّل ظهور الفيثاغورية المحدثة والأفلاطونية المحدثة،وسيطرة التصوّف والأفكار الشّرقية على مدرسة الإسكندرية.
وهذا العرض التاريخي للفلسفة يستدعي عند المؤلف الوقوف عند الكثير من الأفكار والمعتقدات عند طائفة كبيرة من الحضارات القديمة التي واكبت سيرورة الفلسفة،وأثرت فيها،وكان لها الأثر الكبير في تشكيل تياراتها الفكرية ،لاسيما الحضارة المصرية القديمة،وحضارة وادي الرافدين،والحضارة الهندية،والحضارة الصينية،والحضارة الفارسية.
وقد نُوقشت مشكلة أصول الفلسفة اليونانية في الحضارات القديمة تحت عناوين متعددة ومتباينة،منها: الفلسفة معجزة اليونان،أو أصول الفكر اليوناني،أو الحكمة الشرقية وأثرها في الفلسفة اليونانية،وغيرها من العناوين. وقد اختلف الباحثون والدارسون حول هذه المشكلة،ولكلّ منهم مبرراته،ونستطيع تقسيم هؤلاء الباحثين إلى ثلاثة أصناف،وهم:الصنف الأوّل،وهم أصحاب النّظرة المتطرفة،ويمثّلهم جومبرز،وزيلر،وألكسندر،ويعتمد هؤلاء في إسناد آرائهم على أرسطو،على الرّغم من أنّ من يقرأ أرسطو في هذا الصّدد،لايجد حزماً قاطعاً على أنّ الفلسفة بدأت من عند اليونان،على الرّغم من أنّها معجزتهم.
أمّا الصّنف الثاني،وهم المؤرخون العرب فهم منقسمون على أنفسهم في هذا الشأن؛ فابن صاعد الأندلسي مثلاً يعترف بسبق اليونان على العرب في الفلسفة،في حين أنّ الشهرستاني يعدّ الروم هم أصل الفلسفة،ومن جهة أخرى نجد ابن النديم وابن أبي أصيبعة يؤكدون أنّ العلم والفلسفة ظهرت في بابل ثم انتقلت إلى مصر وصولاً إلى اليونان فيما بعد.
ويأتي الصنف الثالث ليرى أنّ الفلسفة نشأت في الشّرق،ويمثّل هذا الاتجاه دوجين اللائرسي،وكلمنت الإسكندري؛فقد وضع ديوجين اللائرسي في القرن الثالث قبل الميلاد كتاباً ضمّنه حياة مشاهير الفلاسفة ونظرياتهم،وكان فيه فلاسفة مصريون ومشرقيون،وفيه أبدى رأيه في أنّ الفلسفة ترتدّ في نشأتها إلى الشرق.
ويتخذ المؤلف موقفاُ خاصاً في هذا الشأن؛إذ يرى أنّ هناك أثراً للحضارات الأخرى على الفلسفة اليونانية يجمله في أنّ أسس التفكير وضعت قبل اليونان،مثل تسمية الأشياء،وتميز بعضها عن بعض،ومعرفة خصائصها واستخداماتها،والفعاليات التي تطلق عليها لفظة فلسفة هي: التصورات ألماورائية،وهذه موجودة عند الشّعوب قبل اليونان،والعلوم العلمية كالحرف والفنون،وهذه أيضاً موجودة عند الشعوب قبل اليونان.
أمّا الموضوعات التي طُرحت قبل الفلسفة اليونانية،فهي الثنائية بين النفس والجسم،وخطيئة النفس،ووجود عوالم سابقة ولاحقة قبل الموت وبعده،وفكرة تحقيق العدالة في عالم آخر.
في حين أنّ فكرة الماء أصل العالم التي قال بها طاليس،فلها ما يشابهها عند البابليين والمصريين والهنود،وعند هوميروس وهزيود والنحلة الأوروفية،وهذا التشابه وجد في بحوث المستشرقين عن هذه الحضارات.
كذلك تقدّم المصريون في الرياضيات والهندسة،وتقدّم البابليون في الفلك،وزيارة طاليس وفيثاغورس وأفلاطون لمصر،وتقدّم الفن الشرقي على الفن اليوناني،أمور تدلّل على سبق الشرق لليونان.
وفي هذا الشأن هناك اتجاه يعتمد على الدراسات الأنثروبولوجية للحضارات القديمة والبدائية،وهذا يساعدنا في معرفة أصول أفكارها أو جذورها الفلسفية والعلمية،وإذ طبّق على فلسفة اليونان،فلابدّ أن تكون لها أصول.
وخلاصة القول إنّ المؤلّف يصرّح بأنّ هناك وجود أثر شرقي في هذه الحضارات لم ينقطع،ذلك لوجود حضارات بحر إيجه من جهة كواسطة زمنية ومكانية بين الحضارات الشرقية الكبرى وبين اليونان،ولاستمرار معاصرة حضارات وادي الرافدين ومنطقة شرق البحر المتوسط والحضارة المصرية.
ويتوقّف المؤلّف عند الحكماء السبعة المشهورين في القرن السادس الميلادي،وهم رجال اشتهروا بحكمتهم في الفلسفة والسياسة ،وهؤلاء الحكماء السبعة هم: طاليس من مالطية،وكليوبولس من رود دس،وبياس من بريي،وبيتاقوس من ميتلين،وسولون من أثينا،وبرياندروس طاغية كورنثه،وخليون من لاكدامون.وقد وضعت أفكارهم بشكل حكم عملية،ويركزون فيها على الفضائل المتعلّقة بالسيطرة على النّفس،والأمانة، والمثابرة والصدق،وطاعة القوانين،واحترام الوالدين.
وفي مبحث مستقلّ يدرس المؤلّف أشهر مدارس أصحاب مذاهب الكثرة،ولاسيما المدرسة الذرية،ومدرسة أتكساغوراس،ومدرسة إمباذوقليس؛فالمدرسة الأولى تحاول التوفيق بين المذهب الواحدي القائل بالثبات والوحدة،والمذهب التعددي القائل بالتغير والكثرة،أمّا المدرسة الثانية فمحورها العقل،وفكرة العقل في هذه المدرسة قائمة على التوفيق بين المدرسة الإيونية والإيلية،إذ عدّت المدرسة الأيونية أصل الأشياء هو الماء أو اللامحدود أو الهواء،في حين أقرّت المدرسة الإيلية بالوجود الواحد،لذلك تكمن محاولة هذه المدرسة في عدّ العقل جوهراً مفارقاً بدلاً من ثنائية الوجود بين المادة والروح،واستخدام لفظ العقل بدلاً من الروح.
وفي إزاء ذلك نجد مدرسة إمباذوقليس قد استطاعت أن تجمع شتات ما تحدّث به الفلاسفة السابقون،وتنظّمه بشكل دقيق،وتقدّمه بشكل مبتكر؛فقد تأثّرت هذه المدرسة بالمدرسة الأيونية،وقبلت كلّ أفكارها الخاصة بأصل الوجود،وقبلت نظرية بارمنيدس في أنّ الوجود موجود واللاموجود غير موجود،وفسّرت الطبيعة بنفس تفسير القمايون الفيثاغوري الذي رأى أنّ طبيعة الجسم تتكوّن من أزواج من الأضداد،هي الحار والبارد والجاف والرّطب.
وفيما بعد ظهرت المدرسة السفسطائية في القرن الخامس قبل الميلاد،ولم تكن معروفة من قبل،وجاء ظهورها نتيجة لعامل سياسي،وعامل اجتماعي. وقد لعبت هذه المدرسة على ميادين النقد والجدل والأدب والخطابة والفلسفة والأخلاق.ومن أبرز رموزها بروتاغوراس،وجورجياس،وبروديكس،وهييبياس.وهذه المدرسة تناولت الإنسان بدلاً من الطبيعة معتمدة على خطين فكريين سابقين لنشوئها ،هما هيراقليطس وديموقريطس.
ويفرد المؤلّف في نهاية الكتاب عناوين مستقلة يتناول فيها باختصار سير أهم رموز المدرسة السقراطية،وهم: سقراط،وأفلاطون،ووأرسطو،وأهم رموز المدرسة الأبيقورية،وهو أبيقور،وأهم رموز المدرسة الرواقية المقسمين على المراحل التالية: العصر القديم،ويمثله زينون وتلميذه كليانتس وكريزيبوس،والعصر الوسيط،ويمثله بوئثيوس من صيدون،وبوزيدونيوس من أباميا،والعصر الروماني،ويمثّله سنيكا الوزير،وأبكتيتوس العبد،وماركوس،وأوريلوس.وهذا الاستعراض لسير أولئك الفلاسفة استدعى عند المؤلّف الوقوف باختصار ومرور سريع على أهم المميزات الفكرية والفلسفية المميزة لهم عبر استعراض سريع لأهم خصائص مدارسهم الفلسفية.