هذا الأسبوع أقمنا بيت عزاء لاثنين من عائلة أبي شمالة، أم براء ماتت على فراشها في غزة، وبعد يومين مات خالد سعيد أبو شمالة في حادث طرق في ليبيا.
في بيت العزاء كنت أردد قوله تعالي:
قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم. صدق الله العظيم
وقد جال في خاطري الأفكار التالية:
أولاً: جملة (فإنه ملاقيكم)، فيها تأكيد على عجز الإنسان عن مواجهة الموت، وعدم قدرته على الفرار منه.
ثانياً: ملاقاة الموت أمر رهيب، ومرعب، لذلك فإن الإنسان يحاول أن يفر من ملاقاته.
ثالثاً: (فإنه ملاقيكم)، دلالة على المفاجأة، وعدم التوقع، ومن ثم الإصرار على الملاقاة.
رابعاً: (فإنه ملاقيكم) تأكيد على أن الموت هو الذي يفتش عن الإنسان، ويحرص على ملاقاته، يتربص به، وينتظره، ويعمل له الكمائن.
وقد خطر في بالي الأسئلة التالية:
1ـ لو وضع إنسان حزاماً ناسفاً حول نفسه، وذهب ليتفجر وسط أعدائه، ألا يكون الإنسان في هذه الحالة قد واجه الموت بإرادته، ولاقاه وجهاً لوجه؟.
وكان الجواب: في حالة المواجهة مع العدو فنحن أمام شهيد، وطالما كان الشهداء لا يموتون، فإنهم يقدمون، ولا يفرون.
2 ـ هل يمكنني الافتراض بأن الموت نفسه قد يفر من ملاقاة الإنسان؟
وكان الجواب الذي توصلت إليه: نعم، وفي أحيان كثيرة
فقد يفر الموت من ملاقاة الإنسان، ولكن إلى حين، فالموت يفر من الإنسان الذي لم تدنُ ساعته، وعلى سبيل الثمال؛ قد يسقط الإنسان من مرتفع شاهق، ولا يلاقيه الموت، وقد تتلقفه الأمواج العاتية ويخرج حياً، وقد يمشي بين الكوارث، وتسقط فوق رأسه المصائب، دون أن يلاقيه الموت، الذي هو مقدر على الإنسان في مكان محدد، وفي زمن محدد لا يعلمه إلا الله
أما من دنت ساعته، فإن الموت يلاقيه؛ ولو كانت بين يديه كنوز الأرض، يلاقيه؛ ولو كان بين يدي أمهر الأطباء، فإنه يلاقيه؛ ولو كان في بروج مشيدة.