مشروع الدولة الفلسطينية خطة أميركية ليست فكرة فلسطينية ولا عربية
رؤية سياسية
أحمد الخطوانيقد يستغرب البعض القول بأن مشروع الدولة الفلسطينية هي خطة أمريكية،ويظنون أنها فكرة فلسطينية أو عربية، قد يستغرب البعض القول بذلك، لكنالغرابة تزول عندما يتبين بالأدلة والوقائع أنها فعلاً خطة أميركية قديمة،وليست كما يُروّج لها بأنها مطلب فلسطيني أو عربي، ولا كما يُقال عنهابأنها خطة أميركية حديثة العهد برزت فقط منذ عهد إدارة بوش الابن، التيروجت للفكرة بحماسة، وتبنتها، واعتبرتها رؤية خاصة بالرئيس الأميركي نفسه،نعم إنها ليست كذلك على الإطلاق، بل هي في حقيقتها خطة سياسية أميركيةقديمة وجاهزة، وقد وضعتها أميركا موضع التطبيق منذ قرار تقسيم فلسطين فيالعام 1948م، وليست منذ عهد الرئيس بوش الابن كما يُشاع.ولا نبالغ إن قلناإن فكرة الدولة الفلسطينية هذه هي أخطر فكرة مرّت على تاريخ القضيةالفلسطينية، وأكثرها تضليلاً، بحيث أن الكثير من العوام، والكثير من أفرادالحركات الذين ظهر عليهم الإخلاص، قد انجروا لها، واقتنعوا بها، فكانت هذهالفكرة من ناحية دولياً هي المبرر السياسي الأفعل، والمسوغ القانونيالأنجع، للإقرار بتمليك معظم فلسطين لليهود، وللاعتراف بحق الكيان اليهوديالخالص في البقاء على أرض فلسطين، واستيطانها.
إنها في الواقع ليست مجردفكرة أو مشروع بل هي مؤامرة أمريكية بحتة منذ نشوئها، فلم يتحدث بها منقبل لا العرب ولا الفلسطينيون، بينما وضعتها جميع الإدارات الأمريكيةالمتعاقبة في صميم استراتيجياتها، لدرجة أنها أصبحت بالنسبة لتلك الإداراتصنواً للدولة اليهودية، فحيثما ذكرت دولة يهود ذكرت معها الدولةالفلسطينية. لذلك كان لزاماً على السياسيين المخلصين فضحها و كشفها بوصفهامؤامرة أميركية ويهودية خطيرة وخبيثة، وكان لا بد بيان مدى خطورتها ليس علىأهل فلسطين والعرب وحسب، وإنما على الأمة الإسلامية جمعاء.
أما بيان ذلك فيمكن إثباته من خلال مرور الخطة تاريخياً عبر المراحل التالية:
المرحلةالأولى : بدأت هذه المرحلة منذ استيلاء دولة يهود على حوالي 78% مما يسمىبأرض فلسطين التاريخية، وهو الجزء الجنوبي الغربي من بلاد الشام، ففي قرارالتقسيم الصادر في العام 1947م تبنّت أميركا وبقوة فكرة إقامة الدولةالعربية المنفصلة والمستقلة إلى جانب الدولة اليهودية، ودعمت القرار 181الذي يقسم فلسطين إلى دولة يهودية وأخرى عربية، ومنذ ذلك الوقت تبنت الدولةاليهودية، واعتبرتها جزءا من إستراتيجيتها في منطقة ما يسمى بالشرقالأوسط، باعتبارها تحقق أساس مشروعها الاستعماري في المنطقة، بينما كانالمستعمر القديم ( الإنجليز) قد تبنوا من قبل فكرة الدولة الفلسطينيةالعلمانية الواحدة على كل أرض فلسطين والتي تجمع اليهود و المسلمين والنصارى في كيان واحد على شاكلة الدولة اللبنانية.
وهاتان الفكرتانالدولتان والدولة الواحدة هما فكرتان استعماريتان يهدفان إلى تمكين اليهودمن السيطرة على فلسطين، ومن ثم تمكين الغرب من تثبيت نفده بشكل دائمي فيها.
لكن الصراع بين المستعمر القديم ( الانجليز ) والمستعمر الجديد ( الأمريكان ) أدّى إلى تمسك كل طرف بفكرته لكي يمارس كل منهما نفوذه على أهلالمنطقة، لا سيما وأن فلسطين هي أخطر بقعة تقع في قلب المنطقة العربيةوالإسلامية، ومن يسيطر عليها يسيطر على المنطقة بأكملها. المرحلة الثانية: جاءت هذه المرحلة بعد قرار التقسيم بعشر سنوات تقريباً، وبدأت تحديداً فيالعام 1959م في أواخر عهد الرئيس الأمريكي "أيزنهاور"، حيث طرحت أميركامشروعها بشكل واضح ومحدد عن الدولة الفلسطينية تحت عنوان ( الكيانالفلسطيني )، وكانت الضفة الغربية و قطاع غزة في ذلك الوقتتحت سيطرةالأردن و مصر، فعرض أيزنهاور مشروعه لإقامة كيان فلسطيني فيهما في العام 1959م ، وبذلك تكون أميركا أول من دعت رسمياً إلى إقامة الدولة الفلسطينيةوتكون بذلك قد سبقت الفلسطينيين الداعين إلى إقامتها بحوالي 50 عاما. فماتدعو إليه الفصائل الفلسطينية هذه الأيام، وبمختلف توجهاتها، هو عينه ماكانت تدعو إليه إدارة أيزنهاور في نهاية الخمسينيات وبنفس ذلك الطرح.
فلماذاإذاً لم تتبنّ هذا المشروع الفصائل الفلسطينية المتلهفة اليوم على إقامةالدولة الفلسطينية في الضفة و القطاع في العام 1959م وقد عرضتها عليهمأميركا بشكل واضح. و كان الفرق الوحيد عما يتبنونه اليوم أن مشروع أيزنهاورفي ذلك الوقت والذي حمله المبعوثون الأمريكيون فيه اختلاف يسير عن المطروححالياً، وهو أن الضفة الغربية و قطاع غزة التي يراد إقامة كيان فلسطينيفيها يُستثنى منها القدس والذي خُطط لتدويلها في المشروع الأميركي، وهذاالتدويل لمدينة القدس هو ما يتمنى دعاة الدولة الفلسطينية الحصول عليه فيهذه الأيام.
وباشرت أميركا عملياً بتطبيق مشروعها قي ذلك الوقت، فدعتعملائها الثلاثةفي مصر والسعودية و العراق جمال عبد الناصر والملك سعودوعبد الكريم قاسم في العام 59م للترويج للمشروع، وتأييد إقامة الدولةالفلسطينية في الضفة وغزة، وكان عبد الناصر جاهزا ً لإعطاء غزةللفلسطينيين، لكن الملك حسيناً هو الذي كان يمثل العقبة الكأداء أمام تحقيقالمشروع. وبدأ هؤلاء بالضغط على الأردن وكان قاعدة إنجليزية صلبة، ومايزال، ووقف النظام الأردني حجر عثرة أمام تطبيق هذا المشروع كون الأردنيسيطر على الضفة الغربية التي تمثل المساحة الأكبر في المشروع. فرفض الملكحسين بشراسة بالغة فكرة إقامة دولة فلسطينية، والتنازل عن الضفة الغربيةللفلسطينيين خشية على عرشه، وحفاظاً على النفوذ البريطاني الذي يسنده،وبالرغم من أنهم ضغطوا عليه، وهدّدوه وتوعدوه، وأغروه وتملقوه، لحمله علىالموافقة على المشروع لكنه أبى وأصر على الرفض.
وكانت حجة رجال أميركاللفلسطينيين و للعرب تستند على أن الدولة الفلسطينية هي الحل الوحيد العمليالممكن لقضية فلسطين، وأن هذا الحل هو الذي يوجد السلام والأمن فيالمنطقة، وان إسرائيل قوة كبيرة وجدت لتبقى، وأن الدول العربية، و جيوشها،اعجز من أن تزيل دولة) إسرائيل ).
هذه هي الفكرة التي جاء بهاأيزنهاور، و لقّمها لعملائه من الحكام العرب في هذه الدول، فقال لهم: عليكمأن تهضموا فكرة وجود (إسرائيل) وبالمقابل تقيموا كيانا فلسطينيا، ثم بعدذلك عليكم أن ترفعوا أيديكم عن الفلسطينيين، وعن القضية الفلسطينية. وفيهذا الخطاب تمهيد لما أتوا به من بعد، وهو جعل منظمة التحرير هي الممثلالشرعي والوحيد للفلسطينيين.
وأما الفلسطينيون فخوطبوا في هذا المشروعبمنطق آخر فقيل لهم : عليكم أيها الأشاوس الفلسطينيون أن تتولوا أموركمبأيديكم، فالدول العربية لن تنفعكم، فاقبلوا بالكيان الفلسطيني كمرحلةأولى، ثم بعد ذلك فكروا بتحرير ما تبقى من فلسطين المغتصبة!!.
وقام عبدالناصر في العام 1959م بابتداع أساليب جديدة لإسناد الفكرة - وكان أشدهمتأييدا لفكرة الدولة الفلسطينية وأكثرهم نشاطا لها - فدعا لإقامة ما يُسمىبالجمهورية العربية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وذلك على نمطالجمهورية العربية المتحدة في مصر وسوريا ، وجنّد الفلسطينيين الذين يسكنونفي قطاع غزة والذي كانوا تحت حكمه، لتأييد الفكرة والتأثير على فلسطينييالضفة الخاضعين للحكم الأردني. و اتصل بالهيئة الفلسطينية العليا في القدس،واحتضنها، وساعده في ذلك الملك سعود. ولم يكتف عبد الناصر بذلك بل إنه عرضمشروع أيزنهاور هذا على الجامعة العربية في مؤتمرها في القاهرة في نفسالعام 1959م.
المرحلة الثالثة : استمراراً للمرحلة الثانية وفي العام 1960م عُقد مؤتمر "شتورا" في لبنان، وضغط عبد الناصر وعملاء أمريكا فيالمؤتمر على رئيس وزراء الأردن آنذاك "هزاع المجالي" الذي حضر المؤتمرنيابة عن الملك حسين، ووافق تحت الضغط على إقامة الكيان الفلسطيني في الضفةالغربية و قطاع غزة، فكان عقابه أنه بعد عودته إلى الأردن قتل فورا فيعمّان، وبقتله أحبطت بريطانيا و الملك حسين الخطة. وقد كشف رئيس الوفدالأردني في مؤتمر شتورا موسى ناصر حقيقة الموقف الأميركي من فكرة الدولةالفلسطينية فقال : " إن الولايات المتحدة الأمريكية قدّمت اقتراحا لإنشاءالكيان الفلسطيني، و تبنته السعودية، وعرضته على الجامعة العربية".المرحلةالرابعة : بدأت هذه المرحلة في العام 1961م بمجيء جون كندي إلى الحكموتبنيه لنفس المشروع، وقيامه بتفعيله، وذلك بإرساله لرسائله المشهورة فيالعام 1961م إلى رجال أميركا الثابتين في المنطقة في ذلك الوقت وهم الملكسعود وعبد الناصر وعبد الكريم قاسم وأضيف إليهم فؤاد شهاب في لبنان. وعقدوامؤتمراً جديداً في القاهرة في العام 1961م، وضغطوا على الملك حسين ثانيةلحمله على القبول بالفكرة، وللزيادة في الضغط جرى ترتيب جديد في نفس الليلةالتي كان يجري فيها المؤتمر، حيث اجتمع السفير الأمريكي في عمّان برئيسالوزراء الأردني بهجت التلهوني، وضغط علية ليقبل بالدولة الفلسطينية،ويُحرج الملك، وكاد أن يقبل لولا أن الملك هدّده إن قبل بالقتل كما قُتلسلفه هزاع المجالي من قبل ، فخاف وتراجع.
إن هذه الوقائع المتتالية تؤكدبأنه كان هناك ضغطا أمريكيا شديداً على الملك حسين للقبول بالدولةالفلسطينية، لكنه لم يرضخ لهذا الضغط،أصر على التحدي، وبمعنى آخر لم تقبلبريطانيا بترك مشروعها والأخذ بالمشروع الأميركي ولو أدّى بها الأمر إلىخوض صراع مكشوف مع حليفتها.
المرحلة الخامسة: ولما فشلت جميعتلكالمحاولات الأمريكية في الضغط على الملك حسين لحمله على القبول بفكرةالدولة الفلسطينية، استخدمت أميركا أخيراً ورقتها الرابحةفي ذلك الوقت وهي ( الأمم المتحدة )، فقامت المنظمة الأممية بتشكيل ما يسمى بلجنة التوفيقفي العام 1962م، حيث ضغطت هذه اللجنة باسم الأمم المتحدة على الأردن و علىالملك حسين لكي يقبل بإقامة الكيان الفلسطيني، ولكنها فشلت أيضاً في انتزاعموافقة الملك حسين على إقامة الدولة الفلسطينية. المرحلة السادسة : في هذهالمرحلة قامت السعودية بتجربة حظها للضغط على الملك حسين ومن ورائهبريطانيا، فاستخدم الملك سعود احمد الشقيري – أول رئيس لمنظمة التحريرالفلسطينية – حيث كان وزيرا في الحكومة السعودية، استخدمه الملك سعود وبالتنسيق مع عبد الناصر لإحراج الملك حسين، فذهب إلى الأردن وهاجم الملكحسين، وصرّح الشقيري بتصريحات نارية قال في إحداها : "اغسلوا أيديكم منفلسطين ومن القدس"، و قال عن اللاجئين بان" ليس لهم إلا التعويض"، و قال عنالقدس بأنها "سوف تُدول". وكانت هذه التصريحات تمثل السياسة الأمريكية بكلتجلياتها. لكن الملك حسيناً تنصل من هذه التصريحات، ورفضها، وسلّط عليهوصفي التل الذي هاجمه، ورفض أفكاره رفضا كاملا.
المرحلة السابعة : استخدمت أميركا في هذه المرحلة البابا بولص السادس وكان عميلا لها، فأوفدتهفي زيارة إلى الأردن ليضغط على الملك حسين، وليقبل بفكرة تدويل القدسبذريعة أن فيها أماكن دينية وكنسية وما شاكل ذلك، لكن الملك حسيناً تخلصأيضا من هذا الضغط، ورفض فكرة التدويل.
إن هذا التشبث الأميركي بفكرةالدولة الفلسطينية في ذلك الوقت المبكر يدل على مدى أهمية الفكرة بالنسبةلأميركا، كما يدل على مدى اقتناع عملائها بالفكرة التي قتل بسببهادبلوماسيون، وهُدّد آخرون بالقتل.
المرحلة الثامنة : في شهر ديسمبر( كانون أول ) من العام 1964م رعى جمال عبد الناصر إنشاء هيئة التحريرالفلسطينية برئاسة الشقيري، بعد أن ترك الوزارة في السعودية، وجاءت به مصر،و نصّبته رئيسا لهيئة التحرير الفلسطينية، والتي سُميت فيما بعد بمنظمةالتحرير الفلسطينية، وأوكل عبد الناصر لهذه الهيئة تحقيق هدف فصل الضفةالغربية عن الأردن، أي رفع يد الملك حسين عنها، وإقامة كيان فلسطيني مستقلفيها باستثناء القدس وبيت لحم باعتبارهما يُراد لهما أن تكونا منطقة دوليةبحسب الخطة الأمريكية، ثم حاول الإنجليز أن يردوا على هذه الأطروحاتالأمريكية المتتالية، فأرسلوا عميلهم العريق الرئيس التونسي بورقيبة، فقامبزيارة إلى الضفة الغربية ورّوج لفكرة الدولة الفلسطينية العلمانية التيتجمع اليهود و المسلمين و النصارى في كيان واحد، وكانت هذه هي الخطةالبريطانية المحكمة في مواجهة الخطة الأمريكية. وأدّى هذا الصراع بينالخطتين إلى فشلهما وعدم نجاح أي منهما.
استمرت المحاولات و الضغوطالأمريكية على الملك حسين، ومن فرط هذه الضغوط، وشدتها، وللتخلص من أعبائهاالثقيلة عليه، قام الملك حسين في العام 1967م، بتسليم الضفة الغربيةلليهود، وكانت له خطابات كثيرة في الأعوام 1966 و 1965م، تهدد بذلك، حتى أنهناك خطابا ألقاه وهو يتلعثم في الكلام، وذلك بعد وصوله من لندنباللغةالإنجليزية، وكان مترجماً بلغة ركيكة، ثم بعد ذلك أقام المهرجانات في عدةمدن، وبيّن أن المسالة فيها حرب، وهدد بتسليم القدس والضفة الغربية.ثم قامفعلاً بتسليمهما لليهود في الخامس من حزيران من عام 1967، وبذلك تملص منفكرة إقامة الدولة الفلسطينية عليها، فكان أفضل بالنسبة إليه أن يسلمهالليهود بدلاً من أن يسلمها للفلسطينيين لإقامة دولة عليها لحساب أميركا.
ثم بعد ذلك ظهرت حركة فتح، ونادت بالكفاح المسلّح واستهوت أفئدة من العربوالفلسطينيين، وكانت مدعومة من دول الخليج ومن الكويت بالذات وكذلك من مصر،ووجدت في عمان منطلقاً حقيقياً لها، وقبل بها الملك حسين، وتبنى ياسرعرفات فكرة بورقيبة الإنجليزية وهي فكرة الدولة الفلسطينية العلمانية علىكل ارض فلسطين، ونجحت حركة فتح بهذه الدعوة، وبخلطها للكفاح المسلح،واستهوت قلوب الكثيرين، وامتلكت أهلية شعبية مكّنتها من انتزاع قيادة منظمةالتحرير من احمد الشقيري التابع لأمريكا، ونُصب ياسر عرفات زعيم حركة فتح،رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية وأزيح احمد الشقيري، و استلمت المنظمةبعد ذلك ثلة من عملاء الإنجليز .
المرحلة التاسعة : لكن أمريكا في هذهالمرحلة لم تسكت، فالصراع ما زال على أشده بين المستعمر الجديد و المستعمرالقديم، فهددت أميركا الأردن بإقامة دولة فلسطينية في عمان، و بإعطاء جنوبالأردن من معان و الجنوب إلى السعودية، وإقامة الكيان الفلسطيني في الأردنثم مده إلى الضفة الغربية، وبدا أن أمريكا مصممة على فكرة الدولةالفلسطينية بشكل غريب. وهذا بدوره أدّى إلى خوف الملك حسين من أن تقدمأمريكا على فعل ذلك، وضيع عرش الهاشميين إلى الأبد، وما يساعدها في تحقيقذلك الكثافة السكانية العالية للفلسطينيين في الأردن، فارتعدت مفاصل الملك،وقام بالتنكيل بالفلسطينيين، وذبحهم في مذابح جماعية في أيلول الأسود و فيأحراش عجلون و جرش في العامين 1970 و 1971، وبذلك تم طردهم من الأردن،وتخلص من هواجسه ومن خطورة إمكانية إقامة دولة فلسطينية على أنقاض عرشه.
المرحلةالعاشرة : لم تتوقف أميركا في هذه المرحلة عن مساعيها لإقامة الدولةالفلسطينية إن خفّ عنفوانها، ففي 4/4/1975 قام جورج مكفرن مرشح الحزبالديمقراطي للرئاسة الأمريكية بزيارة القدس، وخاطب اليهود ونادى بإمكانيةقيام الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية و قطاع غزة، وهاجم بصراحة المشروعالإنجليزي، وقال: "أما بالنسبة للدولة العلمانية التي تضم مسلمين ومسيحيين و يهود فليست هدفا سياسيا و أنها مجرد حلم".
المرحلة الحاديةعشرة : في العام التالي وبسبب الضغوط الأميركية، أقرت الجامعة العربية بانمنظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وفيهذا الإقرار مضايقة شديدة للملك حسين الذي كان يزعم انه يمثل الفلسطينيينفي الضفة الغربية و في القدس، وهذه المضايقة كانت مقدمة لرفع يده عنالفلسطينيين.
المرحلة الثانية عشرة : وفي العام 1976، وبدفع من الساداتالذي ورث عبد الناصر في الحكم في بداية السبعينات من القرن الماضي، وكانعميلاً أمريكاً مكشوفاً، قام بالضغط على الجامعة العربية لرفع مكانةالمنظمة، وجعلها عضوا كامل العضوية فيها مثلها مثل أي دولة عربية أخرى بحيثلا يبقى أي مجال لسيطرة الملك حسين على الفلسطينيين.
المرحلة الثالثةعشر : في هذه المرحلة،ومع وصول رونالد ريغان إلى الحكم، طرح ريغان مشروعهعلى المنطقة والذي عُرف باسم "مشروع ريغان" ، لكنه خشي من ذكر لفظ الدولةالفلسطينية باعتبار أن الظروف لم تكن مساعدة آنذاك، فقال عوضا عن ذلك : "يجب إعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير". وإعطاء الفلسطينيين حق تقريرالمصير في كل الأعراف الدبلوماسية، وفي الغرب بشكل خاص تعني إقامة الدولة. ثم تُرجم هذا المشروع مباشرة في نفس الشهر وفي نفس العام 1982م في قالبعربي تحت اسم مشروع فاس الذي أفرزه اجتماع الزعماء العرب في مدينة فاسالمغربية، وأقروا في مؤتمرهم ذاك مشروع ريغان باسمه العربي الجديد، ثمأضافوا عليه فكرة إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية و قطاع غزةليصبح المشروع الأميركي مشروعاً عربياً خالصاً.
المرحلة الرابعة عشر : إن شدة الضغوطات الأميركية التي مورست على الملك حسين لحمله على التخلي عنفكرة التمسك بالضفة الغربية، وبسبب ضعف الدور الإنجليزي في المنطقة، جعلتهفي العام 1988م يعلن رسمياً انه تخلى تماما عن تمثيل الفلسطينيين في أيةمفاوضات مقبلة مع (إسرائيل)، وأنه بات يعترف كزملائه من حكام الدول العربيةبان منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
إن هذهالضغوط الشديدة التي مارستها الإدارات الأميركية المتعاقبة من العام 1959م وحتى العام 1988م على بريطانيا والملك حسين آتت أكلها أخيراً ، فتخلى الملكحسين بشكل رسمي عن الضفة الغربية، و تبع ذلك التخلي السياسي فصل قانونيوإداري بين الضفة الشرقية والضفة الغربية. ثم أعقب ذلك وفي نفس العاماعتراف منظمة التحرير الفلسطينية عبر اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني فيالجزائر بقراري 242 و 338 اللذان يقرّان بوجود دولة إسرائيل، ويطالبان فقطبالأراضي التي احتلت في العام 67 فقط وهي الضفة الغربية و قطاع غزة. وبذلكتخلت منظمة التحرير تماما عن الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948م.
ثم بعد ذلك بأشهر قليلة صرّح عرفات واحداً من أهم تصريحاته في ستراسبورغفي فرنسا قال فيه : "إنني قد تركت حلم إقامة الدولة الفلسطينية العلمانيةعلى كامل تراب الوطن الفلسطيني و اقبل الآن بالدولة الفلسطينية في الضفةالغربية و قطاع غزة".
ومنذ ذلك التاريخ تم تهيئة المنطقة بعملاء أميركاوعملاء بريطانيا بفكرة الدولة الفلسطينية، لكن الجديد الذي طرأ في هذهالمرحلة هو اندلاع الانتفاضة الفلسطينية، حيث تم خلط بعض الأوراق، وخرجتقوى جديدة على الساحة الفلسطينية غير القوى العلمانية وهي القوى الإسلامية،فكان لا بد من مشوار جديد، و طويل، لترويض الحركات الإسلامية كما روضت منقبل الحركات العلمانية، فكان لا بد من عشرين سنة أخرى لتتم فيها عمليةالترويض الجديدة ولغاية إخراج فكرة الدولة الفلسطينية إلى الوجود.
وهانحن وبعد عشرين عاما منذ عام 1988 وحتى العام 2008 مأصبحت بعض الحركاتالإسلامية شأنها شأن الحركات الوطنية تطالب بالدولة الفلسطينية في الضفةالغربية و قطاع غزة، أي في الأراضي المحتلة عام 1967م وذلك تحت ذريعة إعلانالهدنة الطويلة، أو ما شاكلها من ذرائع ، وهذا معناه أن هذه الحركاتالإسلامية قد وقعت - وللأسف الشديد - فيما وقعت فيه الحركات العلمانية منقبل، واعترفت بشكل مباشر أو غير مباشر بالكيان اليهودي، وقبلت بإقامةالدولة الفلسطينية على الأراضي التي احتلت في الرابع من حزيران عام 1967م،وتكون بذلك قد ساعدت في تحقيق الرؤية الأمريكية من خلال قبول الفلسطينيين