فتح في تفكير المؤسسة الصهيونية (5 )
الكاتب علاء الريماوي
في المقال السابق تحدثنا عن المرحلة الواقعة بين الأعوام 92 حتى العام 2000 متحدثين عن المنهجية التي قادت بها حركة فتح المفاوضات الفلسطينية والكيفية التي نجحت حكومة الاحتلال جر الحركة إلى مربعات لم تكن جاهزة لها مما أدى إلى جملة من الأخطاء تم تلخيصها من خلال نقاط ثمانية .
في مقال اليوم واستكمالا لنقاش الأمس كان من الواجب علينا الحديث عن انعكاسات هذه المرحلة على البنية التنظيمية للحركة والتي أجملناها من خلال النقاط الآتية .
1 . تفكيك الهيكلية التنظيمية لفتح لصالح بناء السلطة الفلسطينية من خلال عزوف القيادات المؤثرة في الحركة عن إشغال المناصب التنظيمية والتنافس على المواقع القيادة في السلطة خاصة في الجانب الأمني .
2. غياب الرؤية لقيادة عمل مؤسسي يحفظ لتنظيم فتح الحالة المرجعية بسبب انخراط كافة أعضاء اللجنة المركزية في المناصب العليا داخل السلطة .
3. تفشي حالة المنافسة بين قيادة الحركة على المناصب المؤثرة مما خلق حالة من الإصطفافات و التي عادت على البنية التنظيم بكثير من التفكك .
4. ظهور ما يعرف بحالة التباين بين الأجيال في الحركة مما أثر بشكل مباشر على صورة القائد والزعيم والمثل التنظيمي .
5. الإدارة المركزية للرئيس عرفات مع تقريبه للشخصيات الأقل نفوذا في المراكز العليا لضمان حالة الولاء خاصة في مؤسسات المال والعلاقات الخارجية وبعض المراكز المهمة في الأمن .
6. ظهور طبقة الأباطرة من المستفيدين من الأموال العامة مما أسقط صورة المقاتل الزاهد .
7. انتفاء ما يعرف بالطوعية في العمل التنظيمي واستبدالها بالوظيفة الرسمية مما حد من قدرات فتح الهائلة والكبيرة المنتشرة في الأراضي المحتلة .
8. الإهمال في البنى التنظيمية في الشتات وتركها دون رعاية حقيقية مما ادى إلى صراع وصل حد التصفيات الداخلية كما حصل في ساحة لبنان على سبيل المثال .
9 . غياب فتح عن العمل الجماهيري البسيط لصالح الأنشطة الطبقية والنخبوية وتكريس اعتبارات الولاء الفردي على مصلحة التنظيم نفسه .
10 .غياب الثقافة التنظيمية ، مع ضبابية في آليات تحديد العضوية والتي جعلت كثير من الفئات ترتبط بالحركة لمصالح القرب من السلطان ، مما أورث فتح حالة من الضياع في تحديد الشخصية التنظيمية ، والفساد الكبير الذي تكشف للعيان من خلال مظاهر عديدة .
هذه النقاط مع صعوبتها ، وخطورتها حاولت تلطيف العبارات فيها حتى لا يغدو المشهد قاتما لحد اتهام الكاتب بعدم الحيادية ، خاصة وأني عامدا أغفلت طبيعة العلاقة بين الأجهزة الأمنية والصراع بين قيادة الحركة في امتلاك مفاتيح القوة من خلال التنافس على السيطرة على موارد القوة في السلطة الجديدة .
هذا الواقع وإن ظلت تستره حركة السياسة وسرعة بناء المؤسسة ، إلا أن بوادره تفجرت في مرحلة ما بعد محاصرة الرئيس ياسر عرفات ، والذي شعر بحجم الدمار في الحركة مع انطلاق انتفاضة الأقصى .
و حتى لا نحرق المراحل في القراءة ونعود لجوهر مقال اليوم كانت دولة الأحتلال في هذه المرحلة ترقب المشهد ، و تحلل الواقع ، وترصد المتغيرات التي يمكن البناء عليها في العلاقة مع السلطة فأدارت العلاقة مع فتح عبر المنهجية الآتية .
1 . فتح مضخات المال للمساعدة في توجيه نظرة الفلسطيني عن مهمته الرئيسية وهي مقاومة الاحتلال .
2. تعزيز دائرة الامتيازات والتسهيلات لقيادة السلطة الفلسطينية مما فتح المجال أمام حالة من الرغد غير المألوف في الأرض الفلسطينية .
3. حرص الاحتلال على فتح علاقات كبيرة مع كافة القيادات الفتحاوية لكسر صورة الاحتلال في ذهنية القائد الفلسطيني مما ظهر لدينا بأنشطة التطبيع غير المسبوقة والممنهجة على أعلى المستويات .
4. مد أفق المرحلة الانتقالية مع تعزيز حالة المراوحة في الملف السياسي للوصول إلى مفهوم ترويض المفاهيم الحاكمة لسلوك
المفاوض الفلسطيني .
5. خضوع منهجية التفاوض إلى بورصة المزاجات الحزبية وعدم مراكمة حالة الاتفاقات الحاصلة بين السلطة وإسرائيل حتى يظل مشهد المراوحة في الإنجاز قائما على حسابات المؤسسة الإسرائيلية .
هذه النقاط وما سبق كانت أهم ما ميز الواقع الذي عاشته الحركة في ظل مرحلة تعد الأخطر على فتح والذي سنرى آثارها في الحلقة السادسة من مرحلة انتفاضة الأقصى ودور الحركة فيها .