في مقهى النوفرة/محمد زعل السلوم
في مقهى النوفرة
في كل مرة تتنوع مواعيدي في هذا المقهى العجائبي بالفعل في كل مرة أجلس فيه أجد نفسي أمام موعد جميل آخر وأمام امرأة أخرى تؤرجل معي وتحدثني وتثرثر وأتأمل عينيها قوامها رقصات ولمعان بريق وجنتيها وأتأملها وه ي تنصت لكلماتي.
في السابق كنت أزور هذا المقهى بشكل مستمر أيام الجامعة و أتنقل مع صديقي عبد الرحمن وأحيانا رافي في أرجاء دمشق سيرا على الأقدام ونستمتع بتذوق مساءات وعبق الشام القديمة وكانت النوفرة مقر رحيلنا وترحالنا والأركيلة بانتظار صديقاي فيم أمتنع كعادتي عن الأركيلة كوني لا أدخن أصلا.
ثم كانت النوفرة موضوع مزحات صديقي وأخي الرائع عصام الحاج على أثير اذاعة مونت كارلو الباريسية ويتردد من حين لآخر صدى ورائحة قهوتها ودخان أراجيلها الفواحة خلف الجامع الأموي ويردد عصام على الدوام بأنها النافورة
وهي ذاتها النوفرة التي حضرت الحكواتي فيها بين صلاتي المغرب والعشاء ولو أننا لا نفهم ما يثرثر به فتارة يتحدث عن عنترة وأخرى يصبح بالظاهر بيبرس لتصدق مقولة يخلط الشامي بالعامي ولكنه يمتعنا بهمهماته الغير مفهومة وضربات سيفه على الصينية وهو الجالس على كرسيه المعتلي الجميع وخلفه لوحات الزير وعنترة والظاهر بيبرس.
هي ذاتها القهوة التي التقيت فيها امرأة لذيذة قادمة من خارج سورية وكانت تستمع إلي عبر مونت كارلو وتشبه الستايل الايطالي وهي ابنة سورية الحبيبة وطني الغالي وتناولت معها الفلافل بخبز الصاج وافترشنا معا على باب خان أسعد باشا وكنا نأمل أن يكون مفتوحا فاكتشفت أنني دليل سياحي سيء أيام العطل. وتبادلت الهدايا معها فقدمت لي علب الشوكولا وقدمت لها مجموعة اسطوانات منها تريو جبران ثلاثي العود الشهير وفيها مقطوعة هوانا الرائعة التي كلما استمعت اليها تذكرت حديثنا وثرثراتنا وخلافاتنا رغم أننا كنا على وفاق بالنوفرة كما يذكرني بها أغنية يا حلوة لفريق كلنا سوا فقد كانت ضحكتها مميزة ولذيذة جدا.
أما الصديقة الثانية التي رافقتني أو شرفتني برفقتها إلى النوفرة فهي سبب كتابتي لهذا المقال كوني أستمع إلى فريق kaolin كاولين وخاصة أغنية mélanger les couleurs بمعنى امزج الألوان وهي الفرقة التي حضرت حفلها في قلعةدمشق قبل بضعة أعوام وحضرت بذات الليلة حفلة بسوق الصوف بمكتب عقاد بالمعهدالدنماركي تحديدا حفل موسيقى الكترونية كانت ليلة خيالية في مزج الألوان لماذاتذكرت كيارا الرفيعة الجميلة الممشوقة القد والقوام كلما استمعت إلى مزج الألوان؟لأنها قادتني إلى مقهى نيت بباب توما وحققت حلم صغير لدي بالحصول على فيديو هذاالفيلم وأسمعتها أغنيتي التي لم أستطع تحميلها من اليوتيوب بسبب الحجب فتم كسرالحجب بوجودها الجميل ورقصت معي على ايقاعها في مقهى لبيت عربي قديم وكم كنت أتمنىلو راقصتني في حفل الفرقة نفسها وأن يعود الزمن قليلا وتكون معي تلك الهيفاءالناعمة وكأنها تشبه تلك الجميلة بذاك الفيديو الجميل.
أما الثالثة والرائعة جدا فقبيل وصولنا النوفرة قررت زيارة يوحنا المعمدان حسب ديانتها وأقصد يحيى عليه السلام ولدى وقوفها أمام المقام داخل جامع بني أميةالكبير سألتني سؤالها الذي فاجأتني به " تحبني ؟ " ترددت قليلا وتلعثمتفقلت : "نعم أحبك" فسألتني مجددا " طيب أوعدني " وتوقفت عن المتابعة سألتها وهي لا تزال تتمسك بقضبان المقام بماذا أعدك؟ لكنها صمتت وفي مقهىالنوفرة فسرت لي غصتها وتابعت :" تعدني ألا تتركني ؟ فتأملتها طويلا وهي تتأملني وبصرها على بصري كان بين الكلمات صمت طويل...
وتنوعت مواعيدي بهذا المقهى وآخر مرة منذ عدة أشهر اشتقت إليه فجأة واشتقت إلىكل من عرفتهم ولم أعرفهم وإلى كل من وقعت في غرامهن ذات يوم وأعجبت بهن وكل منالتقيتهن فدعوت نفسي إليه وقررت تناول نرجيلة أخيرا لأتأمل ذاتي وأين أنا من هذاالكون الرحيب وبعدها التقيت صبية فرنسية جميلة كانت تحلم بأيام شهرزاد بدمشقوجلسنا وضحكنا على تلك الشهرزاد المفقودة بين حارات الشام العتيقة...
وللحديث بقية
محمد زعل السلوم
دمشق 14/6/2011