بسم الله الرحمن الرحيــــــــم
خلافاً لما قد يتبادر إلى الذهن من أن عنوان الموضوع يحمل في طياته بعض الخيال أو الصور الفنية، فإن الحقيقة هي أن هذا العنوان ماهو إلا وصفٌ واقعي مجرد لظاهرة طبيعية تحدث على كوكبنا وليس لها نظيرٌ في الجمال والروعة، تعرف باسم
"ظاهرة الأضواء القطبية"، تتجلى فيها قدرة الله عزوجل وبديع خلقه.
ولكن قبل التطرق لهذه الظاهرة الفريدة من الناحية العلمية، أترككم مع بعض صورها:
- - -
- - -
ظاهرة
"الفجر القطبي وأطيافه Aurora and Auroralspectra"
والتي تعرف أيضا باسم
"الأضواء القطبية Polar Lights" أو باسم
"فجر الليل القطبي Polar Nights Dawn"
هي ظاهرة نورانية تُرى بالليل في سماء كلٍ من المناطق القطبية وحول القطبية
Polarand Subpolar Regions وتتركز أساساً في المنطقتين الواقعتين بين كل من قطبي الأرض المغناطيسيين وخطي العرض المغناطيسيين 67 درجة شمالاً, 67 درجة جنوباً, وقد تمتد أحياناً لتشمل مساحات أوسع من ذلك.
تبدو هذه الظاهرة عادةً على هيئة أنوارٍ زاهيةٍ متألقةٍ جميلة, تختلف باختلاف الارتفاع الذي تُرى عنده ( ويغلب عليها اللون الأخضر والأحمر والأبيض المشوب بزرقه والبنفسجي والبرتقالي، وتمتاز بأنها تتوهج وتخبو بطريقة دورية كل عدة ثوان (قد تمتد إلى عدة دقائق), وتتباين ألوان الشفق القطبي في أجزائه المختلفة تبايناً كبيراً, وإن تناقصت شدة نورها إلى أعلى بصفة عامة, حيث تتدلى تلك الأنوار من السماء إلى مستوى قد يصل إلى80 كيلومتراً فوق مستوى سطح البحر, وتمتد أفقياً إلى مئات الكيلومترات لتملأ مساحات شاسعة في صفحة السماء, على هيئة هالات حلقية أو قوسية متموجة, تكون عدداً من الستائر النورانية المطوية المتدلية من السماء, والتي يشبه نورها النور المصاحب لبزوغ الفجر الحقيقي.
ويفسر العلماء حدوث ظاهرة الفجر القطبي بارتطام الأشعة الكونية الأولية بالغلاف الغازي للأرض مما يؤدي إلى تأينه (أي شحنه بالكهرباء ), وإصدار أشعة كونية ثانوية, ثم تصادم الأشعات الكونية ( وهي تحمل شحنات كهربية مختلفة ) مع بعضها البعض, ومع غيرها من الشحنات الكهربية الموجودة في الغلاف الغازي للأرض مما يؤدي إلى تفريغها, وتوهجها, وتكثر الشحنات الكهربائية في الغلاف الغازي للأرض في كل من
أحزمة الإشعاع Radiation Belts، المعروفة باسم
أحزمة فان ألن Van Allens Belts والموجودة في داخل نطق التأين المحيطة بالأرض
Ionos phere Zones وفي نطق التأين ذاتها.
والأشعة الكونية الأولية Primary Cosmic Rays تملأ فسحة الكون على هيئة
الجسيمات الأولية المكونة للذرات Elementaryorsubatomic particles وهي جسيمات متناهية في الدقة, ومشحونة بشحنات كهربائية عالية, وتتحرك بسرعات تقترب من سرعة الضوء. وتنطلق الأشعة الكونية الأولية من الشمس, وإن كان أغلبها يصلنا من خارج المجموعة الشمسية, ولم تكتشف تلك الأشعة الكونية إلا في سنة1936 م.
وتتسرب الأشعة الكونية الأولية إلى الأرض عبر قطبيها المغناطيسيين لتصل إلى أحزمة الإشعاع ونطق التأين في الغلاف الغازي للأرض مما يؤدي إلى تكون
الأشعة الكونية الثانوية Secondary cosmicrays التي قد يصل بعضها إلى سطح الأرض فيخترق صخورها, أما الأشعة الكونية الأولية فلا يكاد يصل منها إلى سطح الأرض قدر يمكن قياسه.
والأشعة الكونية بأنواعها المختلفة تتحرك بمحاذاة خطوط المجال المغناطيسي للأرض, وتنحني لتصب في قطبي الأرض المغناطيسيين ساحبةً معها موجات الأشعة الكونية, وذلك لعجزها عن عبور مجال الأرض المغناطيسي, وحينما تنفذ تلك الأشعة من قطبي الأرض المغناطيسيين فإنها تؤدي إلى زيادة تأين الغلاف الغازي للأرض في منطقتي قطبيها المغناطيسيين, ويؤدي اصطدام الشحنات المختلفة إلى تفريغها من شحناتها الكهربائية, ومن ثم إلى توهج الغلاف الغازي للأرض في كل من المنطقتين القطبيتين في ظاهرة تعرف بظاهرة الوهج القطبي أو الشفق القطبي أو الأضواء القطبية أو فجر الليل القطبي وهي ظاهرة تُرى بوضوح في ظلمة الليل الحالك حول القطبين المغناطيسيين للأرض, خاصة في أوقات الثورات الشمسية العنيفة حين يتزايد اندفاع الأشعة الكونية الأولية من الشمس, فتصل كميات مضاعفة منها في اتجاه الأرض. ويتزايد الإشعاع في الطبقات العليا من الغلاف الغازي للأرض إلى نسب مهلكة مدمرة خاصة في نطق التأين التي تحتوي علي تركيز عال من البروتونات (الموجبة) والإلكترونات (السالبة), ويحتبس المجال المغناطيسي للأرض الغالبية العظمى من تلك الإشعاعات, ويوجهها إلى قطبي الأرض المغناطيسيين في حركة لولبية موازية لخطوط المجال المغناطيسي والتي تنحني من القطب الشمإلى إلى القطب الجنوبي وبالعكس, وعندما يقترب الجسم المشحون بالكهرباء من جسيمات الأشعة الكونية تلك من أحد قطبي الأرض المغناطيسيين فإنه يرده إلى الآخر وهكذا تحدد خطوط الحقل المغناطيسي للأرض اتجاهات تحرك الأشعة الكونية وتركزها حول قطبي الأرض المغناطيسيين.
الجدير بالذكر أن ظاهرة الفجر القطبي تعد من بقايا وهجٍ قديم كان يضيء ليلَ الأرض في بدء الخلق بوهج لا يقل في شدته عن نور الفجر الصادق، فمن الثابت علمياً أن نطق الحماية المتعددة الموجودة في الغلاف الغازي للأرض ومنها نطاق الأوزون, نطق التأين المتعددة, أحزمة الإشعاع, والنطاق المغناطيسي للأرض, لم تكن موجودة في بدء خلق الأرض, ولم تتكون إلا على مراحل متطاولة من بداية خلق
الأرض الابتدائية Proto-Earth ، وعلى ذلك فقد كانت الأشعة الكونية وباقي صور النور المتعددة في صفحة الكون تصل بكميات هائلة إلى المستويات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض ككل, فتؤدي إلى إنارتها وتوهجها ليلاً بمثل ظاهرة
"الشفق القطبي", "توهج الهواء", "أضواء النجوم", و "أضواء المجرات" وغيرها مما نشاهد اليوم, ولكن بمعدلات أشد وأقوى, وكان هذا التوهج وتلك الإنارة يشملان كل أرجاء الأرض فتنير ليلها إنارةً تقضي على ظلمة الليل!
ولكن بعد تكون نطق الحماية المختلفة للأرض أخذت هذه الظواهر في التضاؤل التدريجي حتى اقتصرت على بقايا بسيطةٍ جداً وفي مناطق محددة جداً مثل منطقتي قطبي الأرض المغناطيسيين, لتبقى شاهدة على حقيقة أن ليل الأرض في المراحل الأولى لخلقها كان يضاء بوهج لايقل في شدته عن نور الفجر الصادق, وشاهدةً على رحمة الله بنا، بأن جعل للأرض هذا العدد الهائل من نطق الحماية المتعددة والتي بدونها تستحيل الحياة على الأرض, وشاهدة على حاجتنا إلى رحمته تعالى ورعايته في كل وقت وفي كل حين من الأخطار المحيطة بنا من كل جانب, وشاهدةً على صدق تلك الإشارة القرآنية المعجزة في قوله عزوجل:
﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً﴾ (الإسراء:12).
- - -
المزيــــــد من الصور الرائعة للظاهرة:
- - -
- - -
آمل أن يكون الموضوع قد نال رضاكم واستحسانكم.
في أمان الله