لا تظلموا عمرو خالد
كثيرة هى حكايات وقصص التراث التى نأخذ منها مجمعا للفائدة سواء فى الفضيلة أو الحكمة أو الطرفة المفيدة ..
ومما روى عن أحد الحكماء أنه جلس فى منتصف الطريق ذات مرة يأكل ولا يأبه بمن حوله من الناس فصادفه أحد تلاميذه فسأله ألا تستحى مما أنت فيه ؟
فقال له الحكيم .. ولم يا أخى وهل يستحى الإنسان إذا تناول طعامه على مرأى من حظيرة بقر ؟!
فقال الرجل لا ولكنك الآن فى وسط الناس
فقال له الحكيم وماذا إن أثبت لك أم من حولى لا فارق بينهم وبين الأبقار .. ؟!
فقال له الرجل أنصفت
فقام الحكيم تاركا طعامه واعتلى مكانا وهتف بالمارة .. أيها الناس
فالتفوا حوله ..
فأكمل قائلا بلغنا غير واحد أنه من بلغ أرنبة أنفه بطرف لسانه دخل الجنة
فلم يبق فى المارة أحد إلا وأخذ يبذل جهده ليدرك أرنبة أنفه بطرف لسانه
فالتفت الحكيم إلى السائل قائلا له .. ألم أقل لك ؟! فتركه ومضي
وتدل القصة على مدى ما وصل إليه العامة فى عصر هذا الحكيم من قصر النظر وغياب العقل لدرجة أنه أصبح الجزء الوحيد المعطل من الجسم فصدقوا ما قيل لهم دونما تدبر أو تأن
أما بعصرنا الحالى فقد تضاعفت هذه الظاهرة لدرجة مفزعة تستدعى معها الحكمة القائلة شر البلية ما يضحك فهناك حالة عامة من غياب الوعى تضرب بين الناس على نحو يجعلنا نتساءل أين العقول ؟!
وتميز عصرنا بنقيصة لم تكن متوافرة لعصر قبله ..
فالعصور السالفة مهما بلغت درجة السطحية التى تحكم العامة فهى لا تمنع أبدا وجود الإدراك اللازم لقيمة العلماء إذا بينوا وقيمة المفكرين إذا أوضحوا
غير أننا الآن نعيش زمن التغييب التام فلا وجود لأى قيمة أو اعتداد بأقوال المفكرين والعلماء مهما بذلوا الجهد واعتلوا المنابر هاتفين ليتنبه الناس لما يحاك لهم
ويعود هذا من باب أولى لعصور التغييب التى انفردت فيها كلمة الحكم لزمرة من الحكام تمكنوا من تحطيم روافد الفكر والمعرفة فخرجت الأجيال كما تمناها ولاة الأمر لا فارق بينها وبين الآلات الموجهة ..
مثال ذلك ما حدث مرة فى إحدى البرامج التى استضافت نجما بمقاييس هذا الزمان وناقشت معه قضية التربية والتعليم فساق مثالا على قدرة طفله الذى تمكن من إحراجه ـ على حد قوله ـ عندما سأله الأب المفضال لماذا يكذب ؟
فرد الطفل وماذا فى ذلك إن بيل كلينتون يكذب ؟ !!
وكانت هذه الواقعة متزامنة مع فضيحة بيل كلينتون الرئيس الأمريكى السابق مع مونيكا لوينسكى المتدربة فى البيت الأبيض وتم اتهام كلينتون بالكذب فى التحقيق الذى قام به المحقق المستقل كينيث ستار
ويكمل النجم قائلا أنه لم يستطع الرد على الطفل
وضربت كفا بكف وأنا أتساءل من يكون كلينتون حتى يمثل حجة على الأب المسلم هل هو مرسل أو إمام أو عالم أو فقيه أو له أى وزن فى ميزان القيمة الحضارية التى نعرفها لا التى يروجون لها ؟!
وهذا المدخل هو مدخلنا لمعرفة ما أحاط بعمرو خالد الذى تنافس الجميع فى إطلاق المسميات عليه واختلفت الأوساط حوله وضج الإعلام بمؤيد ومعارض دونما وقفة بسيطة تجعلنا نسأل فى هدوء من هو عمرو خالد وهل يستحق كل هذا المهرجان ؟
ما هو نوع الظاهرة فى الأصل ؟
يظن الكثيرون أن عمرو خالد بالأساس هو مشكلة دينية أو فقهية واجتمع على ذلك المناصرون والمعارضون أما المناصرون فرأوا فيه الداعية .. والمعارضون من الفقهاء والعلماء رأوا فيه داعيا إلى باطل مترديا إلى مهاوى الدعوة على غير علم
وكلا الفريقين أخطأ فى توصيف الظاهرة
فالمؤيدون ظنوه رجل فقه أو داعية إلى الله وهو أبعد ما يكون عن هذا وذاك لافتقاده أدنى المؤهلات لذلك سواء كانت شهادات علمية تتيح له الفتوى والتعرض للقضايا الدينية أو حتى القراءة والمطالعة الكافية فليس المعيار بالشهادة وحده وكم من فقيه وعالم أخذ عنه حملة الدكتوراه بينما هو لم يحصل عليها
وهذا يوضح لنا إلى درك تهاوت صفة العلم وقيمته وأهمية الفقه ومعاناته ..
فكما روى ذات مرة الأستاذ الدكتور على جمعه أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر ومفتى مصر الحالى أنهم كانوا يدرسون كتاب " المغنى فى الفقه ـ لابن قدامه " فى حوالى ثلاثين عاما ولا يشبعون من السؤال فيه حتى أن جيلا من تلاميذ الأزهريين كان معاصرا لشيخ الجامع الأزهر الإمام محمد مصطفي المراغي رائد التنوير المعروف .. صدر قراره بشأن هذا الجيل بأن يحملوا جميعا شهادة الدكتوراه غصبا بعد اختبارهم لأنهم أصروا على أن يمكثوا مزيدا من الوقت فى رحاب الأزهر تلامذة وفقط بالرغم من أن بعضهم جاوز الأربعين عاما يتعلم فى رحاب الأزهر ولم ير فى نفسه القدرة على الجلوس بموضع التدريس أو الفتيا
وعندما برزت أخطاء عمرو خالد فى مجال العقيدة والفقه ـ وكلها مهازل حقيقية ـ إن صح الوصف مثل
إنكاره كفر إبليس لعنه الله أو استخدامه الألفاظ غير اللائقة عند حديثه عن الله عز وجل وعلى أنبيائه ورسله إلى غير ذلك من الكوارث الشهيرة عنه والتى لم يجد بدا من تجاهلها والإدعاء أنه ليس مفتيا وليس داعية وهذا ما كرره وقاله فى برامج تليفزيونية تمت استضافته بها مثل القاهرة اليوم لعمرو أديب أو العاشرة مساء لمنى الشاذلى وغيرها
وسايره المؤيدون فى ذلك فقالوا أنه ليس مفتيا ولا عالما ولا داعية وكعادتهم لم يتوقف أحدهم ليسأل نفسه إن كان كما قال فماذا عن فتواه بشأن جواز تولى المرأة للمناصب القيادية وفتواه بشأن حرية المرأة فى العمل وفتواه بشأن حرمة الختان وأنه عادة افريقية لا أصل لها بالإسلام ؟!
إلا أنه هذا كان أمرا طبيعيا كما سبق القول لأن من يتبعه .. يتبعه فى القول وفقط دونما أدنى تبصر أو تفكير
وسنساير القول بأنه ليس مفتيا كما اعترف بنفسه ولا داعية ..
فما هو الوصف الذى يمكن إدراجه عليه يا ترى .. بناء على أنشطته وبرامجه يتضح لنا أننا أمام رجل ذو منهج إجتماعى معين يدعو له ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالمسائل الشرعية أو الدينية بناء على ما تقدم منه
هذا بشأن المؤيدين .. فماذا عن المعارضين من العلماء والفقهاء الذين تصدوا له ؟!
هناك أسماء لامعة تصدت لأخطاء عمرو خالد فى الواقع مثل الداعية الدكتور وجدى غنيم الذى كان عمرو خالد أحد تلاميذه ومثل الشيخ أبو اسحق الحوينى والدكتور إبراهيم مسعود ومثل الشيخ محمد حسان والشيخ محمد حسين يعقوب وغيرهم عشرات ممن ينتهجون مجال الدعوة إلى الله من خلال قوله تعالى
[قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ] {يوسف:108}
وهى الآية التى تبين الفارق بين الداعى إلى الله والذى يلزم له معرفة وإحاطة بما يدعو إليه وبين العالم أو الفقيه وهو الذى يعد المرجعية وتكون فتواه معتبرة ورأيه مستحق
وقد جانبهم الصواب مع الأسف فى الاهتمام بمسألة أخطاء عمرو خالد لسبب بسيط وهى أنهم لو أضاعوا وقتهم فى تحرى كل خطأ لنجم إعلامي من نجوم هذه الأيام لما وجدوا الوقت الكافي للدعوة وعندما نبهوا على أخطائه كان هذا تحميلا للأمر أكبر مما يحتمل بكثير لأنه لا فارق مطلقا بين أخطاء عمرو خالد وأخطاء أى ممثل معروف يخرج مناديا بأنه صاحب رسالة وهدف سام يبثه للجماهير عبر أفلام الفساد والإفساد المنتشرة
هذا بخلاف أنهم لم يتصدوا إلا للسهل الهين من الأخطاء الظاهرة .. لأن ما خفي كان أعظم وسنراه فيما سيأتى
فالدعاة والعلماء ردهم يكون مطلوبا حال وجود الاعتداء على دين الله ممن لهم صفة معتبرة وقيمة ملموسة فى نوعين
أولهما ..
لو كان الاعتداء من عدو مثل جماعات المستشرقين والعلمانيين فهؤلاء علماء فى تخصصاتهم أحسنوا الدراسة وانتقوا شبهات بالغة القوة ليفتنوا المسلمين فتصدى لهم العلماء الأكابر وأحبطوا تلك الشبهات التى لا يقوى على ردها غير المتخصص الفهامة
ثانيهما ..
أخطاء العلماء والفقهاء وهى الأخطاء التى يقع فيها بعض أهل العلم بآراء تختلف نسبة صحتها وصوابها تجاه مسألة متخصصة بعينها لا يقوى العامة على مجابهة الحجة فيها هنا يكون الرد لازما من العلماء المماثلين لتبيان الحق للناس على سبيل المثال ما قام به الشيخ أبو اسحق الحوينى والدكتور وجدى غنيم مؤخرا عندما رد على الدكتور القرضاوى فى إحدى هذه المسائل
وهذا يستلزم مسألة متخصصة مختلف عليها وعالم يقول فيها برأى وعالم آخر يقوم بتفنيده .. هنا ليس للعامة قدرة على التصدى والمعرفة إلا بعد سماع أهل الذكر
وعمرو خالد لا يندرج تحت أى من النوعين فلا هو بالعدو العاقل الذى يحسن تدبير مؤامرته كما فعل العلمانيون والمستشرقون ولا هو بالفقيه الذى أخطأ فى مسائل حساسة ومتخصصة سيعجز العامة عن ردها .. إلا إذا اعتبرنا أن القول بأن إبليس لم يكفر بالله مسألة تحتاج اثباتا أو اعتبرنا أن القول فى التوراة بصورتها الحالية أنها سليمة لا تحريف فيها .. وهذا بالطبع غير معقول لأنها حقائق ثابتة لكى ذى عينين تجرى على آيات كتاب الله
فعلام الرد إذا وعلام الانزعاج .. ؟!
وإن كانت الحجة فى الزخم الإعلامى والقلق أن عمرو خالد يتبعه الملايين فهذا مردود عليه ببساطة أن المغيب وفاقد الحد الأدنى من الفهم الذى يعجز عن إدراك مدى تفاهة هذه الأقوال لن يكون مؤهلا لتقبل شرح أو توضيح فى مسألة من الأساس لا تحتاج توقفا لإدراكها وإثباتها ..
وهل نحن بحاجة إلى إثبات آيات القرآن بعد أربعة عشر قرنا ..
فمن الطبيعى أن أى مستمع عاقل لمثل تلك الأقوال سيردها على صاحبها دون حاجة لرد فقهى .. أما غير العاقل فهذا أمره معروف سواء تصدت العلماء أم لم تفعل
تلك الملايين التابعة يجب ضمها إلى بقية الملايين المغيبة من توابع الإعلام إلى أن يقسم الله لهم نصيبا من العقل والإدراك
ولذا من الظلم معاملة عمرو خالد على أنه إحدى الظاهرتين فالمشكلة ليست فيه بل فى متبعيه
وعليه ..
فليست ظاهرة عمرو خالد ظاهرة داعية مختلف حوله ولا ظاهرة مستشرق أو علمانى مفكر يدرك ما يقول بل هى ظاهرة سياسية بحتة لا تحتاج أهل الفقه للرد بل تحتاج أهل السياسة وخبراء الغزو الفكرى
وكثرة الرد والقول حولها لا تخدم إلا الهدف الحقيقي لتلك الظاهرة وهى حيلة إعلامية شهيرة من أيام جوبلز وزير الإعلام النازى الشهير
ماذا يريد عمرو خالد .. ؟!
بالتحليل السابق ندرك جيدا أن اللاهثين خلف عمرو خالد وقعوا فى مأزق إعلامي مدروس لن تجدى فيه صرخات العلماء المخلصة مع الأسف ..
لأن الدفاع باستخدام سلاح غير مناسب للمعركة ففي معارك الطيران مثلا لا يفيد الدفاع بالمشاة بل لابد أن تظهر أسلحة الدفاع الجوى
والظاهرة المؤسفة فى الأمر حقيقة هى وجود عقليات حسنة النية وقفت خلفه ولا يعاب عليها هذا الإتباع إلا من باب الغفلة عن الأمر كله وهؤلاء هم الذين أجدنى بحاجة إلى تأمل الأمر من زاويته الصحيحة ..
فعمرو خالد لو كان صادق النية فى إصلاح مجتمعه بالفقه لعرج على ما يوفر له هذا المكان من العلم فإما القراءة والتبصر بما يدعو إليه وفى هذه الحالة سيكون حديثه للناس عبر قراءته للمسائل المختلفة ودعوة الناس إليها بعلم العلماء الذين يطالعهم
وإما أن يدرس الفقه لو شاء أن يكون له فى هذا المجال باع ورأى وفتوى
ولكنه خرج فجأة إلى الناس بحديث فى قضايا يحتاج المستمعون المرضي عقليا إلى سماعها ليرضوا بها ضمائرهم عند ارتكابها
فالمقصر بدينه يتمنى لو وجد مخرجا فقهيا لتقصيره وعندما يحدوه هواه إلى سماع من يتحدث بهذا اللسان يتشبث به بالطبع ولا يقبل فيه نقدا
ولم يكتف بهذا فقط بل إنه أصم أذنيه عن التنبيهات التى ساقها إليه من ظنوا به خيرا مثل وجدى غنيم الذى أرسل له خطابين منبهين لما هو فيه وكان يظنه مفتونا بالكاميرات فلم يرد عليه نهائيا
ولو أن الدكتور وجدى غنيم أدرك الأمر بعلته لما كلف نفسه إرسال الخطاب
فالتغييب مقصود ولخدمة أهداف سياسية لا شأن لها بالفقه أو الخطأ فيه والتفاصيل كالتالى
أولا ..
الاحتفاء الغربي بعمرو خالد إلى درجة غير مسبوقة وغير مبررة .. فلو كان عالما كأحمد زويل أو الباز مثلا لقلنا أن الاحتفاء علمى لا شبهة للمؤامرة فيه ولكن أن يأتى الاحتفاء بمن قدم نفسه على أنه مصلح إجتماعى ويدعو الشباب العربي لترك العادات السيئة وصناعة الحياة والمستقبل
فهذا يجلب لنا خبرة قديمة فى أمثلة هذا الاحتفاء الذى حظى به سلمان رشدى وفرج فوده ونسرين تسليمه وحيدر حيدر وغيرهم ممن قدموا أنفسهم على أنهم مصلحون وداعون إلى تقدم العالم العربي فالتقطهم الغرب وبذل لأجلهم الغالى والرخيص والهدف أوضح من أن نتحدث فيه
فلو كان عمرو خالد داعيا إلى القيمة بحق لما حظى من الغرب إلا بالتشنيع كما حدث مع رموز الإصلاح والجهاد
فلماذا كرمته مجلة تايم وبعض مؤسسات المجتمع الأمريكى ..
ولماذا ـ وهو الأهم والأنكى ـ قدمته بعض الصحف الإسرائيلية وقالت عنه أنه النموذج الأمثل للداعية الإسلامى المتحضر بل وأذاعت بعض برامجه !!
إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية .. !!
منذ متى احتفت كلتاهما بمصلح أو داعية عربي حقيقي يا ترى وهى التى صوبت أسلحتها تجاه كل من لمحت فيه بادرة إصلاح حقيقي فأجهضتها منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى اليوم
وتستدعى الذاكرة بعض المشاهد التى غابت أيضا عن المشاهد العربي وكان جديرا به أن يلتفت إليها ..
مثال ذلك ما حدث عندما توفي رئيسان عربيان وعلى فترة متقاربة بل وفى بلاد متلاصقة أيضا ..
عندما توفي الأول قامت الدنيا ولم تقعد فى الإعلام الإسرائيلي والأمريكى حزنا على فقد الرجل وكتبت الصحف عناوين مثيرة تنعى الفقيد العربي المناضل ! وحضر جنازته زمرة من رجال السياسة والإعلام تقدمهم الرئيس الأمريكى نفسه
بينما عندما توفي الثانى لم تصفه آلات الإعلام إلا بالإرهابي والمتجمد ولم تكلف الولايات المتحدة نفسها تمثيلا فى عزاء الرجل حتى على مستوى السفراء
هل نحتاج يا ترى للسؤال عن طبيعة وصفنا لكلا الرئيسين .. نحن الجماهير العربية .. وما هو الوصف الذى يستحقه منا الرئيس الذى وصفته الدول المعادية بالصديق .. وبالمقابل ما الوصف الذى يستحقه الآخر الذى وصفوه بالإرهابي ؟!
الأهم من هذا وذاك
أنه لو كان عمرو خالد حسن النية فى ذلك ورأى هذا الاحتفاء الغريب به لكان هذا واعظا ومنبها تلقائيا له كما حدث مع المفكر الإسلامى القدير خالد محمد خالد رحمه الله والذى بدأ طريقه فى شبابه الأول ضمن ركاب الشيوعية والأفكار المدسوسة ذات البهرج الخداع فكتب كتابه الأول والذى ظهر تحت عنوان " من هنا نبدأ " وفوجئ بهجوم أئمة الإسلام كمحمد الغزالى على الكتاب بينما احتفت به طوائف الشيوعيين أيما احتفاء فانتبه إلى هذا الإحتفاء قبل أن ينتبه لردود العلماء عليه وكان هذا داعيا له ليتراجع عن أفكاره فورا ويصححها بجلسات مستمرة مع أهل العلم وخرج بنفسه سريعا من دوامة المعادين للإسلام إلى طريق العاملين عليه
أما عمرو خالد فقد أخذها مجالا للزهو والعزة ولا تعليق !
ثانيا ..
الاحتفاء الغربي والإسرائيلي له أساس من الواقع بالطبع يتمثل فى ما ذهب إليه عمرو خالد فى محاضراته التى تلت هذا التكريم فقال شارحا قصة سيدنا موسي عليه السلام أنه ذهب ببنى إسرائيل إلى القدس ليحررها من الجبارين وأن الفتح كان بقيادة سيدنا موسي و بغض النظر عن خطأ المعلومة الفادح لأن الفتح تم بقيادة يوشع بن نون عليه السلام
هناك ما هو أعظم
عندما قال جازما بأن المسجد الأقصي بنى على دار أحد اليهود والمأمور ببنائه هو سيدنا داوود عليه السلام
" المصيبة نفسي أفهم جابها منين المعلومات دى وان داوود تلقي التكليف ببناء الأقصي لأن هذه المعلومات كلها موجودة فى الكتب المحرفة لليهود فقط "
ولنا أن نسأل هنا ببساطة ما هو هدف تلك المقولة هى ومقولته عن هيكل سليمان عليه السلام وهل نحتاج إيضاحا يا ترى أنها تخدم الإدعاء اليهودى بالحق فى أرض القدس هذا خلافا لبحثه حول التوراة ومطابقتها لبعض أحكام القرآن الكريم ؟!
والقصة الشهيرة عنه أن ابليس لعنه الله لم يكفر وقوله بالنص
" يا جماعة أنا بجيبلكوا من القرآن ابليس مكفرش ده بيخاطب ربنا وبيقله انظرنى يبقي كفر ازاى "
{ طبعا مفيش أى طربوش من اللى قاعدين بيسمعوه وقف قاله وماذا تفعل فى قوله تعالى
[وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ] {البقرة:34}
ولا حتى حد بين له ما هى درجات الكفر وما هو الفارق بين الكفر والإلحاد وده يدينا فكرة عن نوعية مستمعيه وعنه هو شخصيا لأنه بينقي فى الآيات الكريمة كانه بينقي قوطة فى السوق !!}
بالإضافة إلى السم المدسوس بالعسل
عندما تحدث عن قضايا المرأة تحديدا وهى التى تعد القضايا المفضلة للغرب عند هجومه على الإسلام فقال بأن العمل والخروج للمرأة حق من حقوقها بناء على وصية الرسول عليه الصلاة والسلام
" مش عارف استنبطها من أنهى داهية بصراحة ومعرفش هل بيتكلم عن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ولا عن مين بالضبط خاصة انه بيحتج بملكة سبأ .. وبيقول القرآن أثنى قد ايه على هذه الملكة ! .. طيب وبقية آيات القرآن يا حج ممرتش عليك ولا ايه "
كما أنه قال بمدى بشاعة الختان الذى يؤدى فى بعض الحالات إلى موت الضحية
" صراحة قطع قلبي وهو بيتكلم بتأثر بطريقته المعهودة عن الجرائم التى تعانيها المرأة فى مجتمعاتنا .. "
وحديثه أن الرسول عليه الصلاة والسلام تم استقباله بأغنية فى مدخل المدينة المنورة ولم يستقبلوه بالقرآن وذلك لأهمية الأغنية !
كما أنه لا يفتقد لخفة الظل عندما قال فى الحلقة الشهيرة عن التدخين التى قال عنها جازما أنها ليست حراما لكنها مكروه وأضاف بالنص
" بس الواحد لو شرب خمس سجاير فى اليوم ميعملوش واحد حرام ده حتى فى الكورة أربعة كونر يساوى جون "
الغريب فى تلك المقولة الفكاهية وبغض النظر عن المعادلة الحسابية الجديدة فى التشريع أن 5 مكروه = واحد حرام فإن المثل الذى ضربه عن كرة القدم خاطئ أيضا فالقانون القائل بأن الأربعة كورنر يساوى هدفا ليس صحيحا أيضا بل كانت مجرد فكرة ولم يتم تنفيذها أو حتى مناقشتها
ونهاية بأخذه العبرة من قصة بنات شعيب عليه السلام ولكن بطريقته الخاصة حيث أنه لم يستنبط منها إلا أن موسي النبي العملاق " راح يكلم ستات "
دونما إيضاح للهدف من الحوار والضوابط فيه
" يعنى يا أخويا مفيش فى القصة كلها إلا الحتة دى .. يلا خلى الشباب ينبسط ما دام الأنبياء بيكلموا ستات يبقي احنا براحتنا بقي !! "
ومن أكثر ما يثير الضحك حقيقة فى أقواله هذا الذى فسر به حديث الرسول عليه الصلاة والسلام بأن النساء ناقصات عقل ودين حيث قال بالنص
" يا جماعة مش ممكن يكون التفسير للحديث ده صحيح مش ممكن نبي الرحمة فى يوم عيد يقول للستات أول ميقابلهم انتوا ناقصات عقل ودين فى يوم فرحة أكيد كان بيهزر "
وبالطبع لسنا فى حاجة للرد أو التساؤل عن التجهيل التعمد الذى وقع فيه وافترائه بهذه الجرأة على خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام والذى كان يمزح نعم لكنه لا يقول إلا حقا كما روى عنه
ولست أدرى كيف سيفسر لنا عمرو خالد أن الحديث كان محض دعابة ووفقا لمضمون الحديث يتضح أن نقص المرأة فى الدين والعقل مرده طبيعتها وطبيعة خلقها على نحو يعرفه ويدركه كل طفل لم يتعد العاشرة من عمره
ولا ننسي حديثه عن الفنانة التى خاطبته بشأن اعتزالها الفن فقال لها نصا " لا خليكى فى الفن ولا تعتزلى " وأعلن فى معرض نفس المحاضرة عن أننا نريد من الفنانين أن يراعوا الأمانة التى حملها لهم الله عز وجل فيقدموا الفن الهادف وأنه لو بادر بالاعتزال فيسأله الله عز وجل عن الأمانة التى ضيعها
ولن أعلق حتى لا أقع بتعليقي تحت طائلة قانون العقوبات
إلا أن ما يلزم إيضاحه بالطبع لجملة المستمعين المغيبين أن تلك الاستنباطات المدهشة ستؤدى بهم إلى الكفر بطريق سهل ميسور وبدون الحاجة لجواز سفر !
لأن أى مقصر بدينه من مستمعيه لم يكن يخطر بباله أن ما يفعله من معاصي هى من المباح فى الإسلام وبالتالى كان مؤمنا تام الإيمان بأن ما يفعله ذنوب ولكنه لا يستطيع الكف عنها مما يعطى أملا فى أن ينيب إلى نفسه مستقبلا
أما وقد جاء من أفتاه بأن الحياة وردى فسيقوم المذنب ساعتها بالجدال حتما والدفاع عما يفعله تحت زعم أنه ليس حراما
لينقلب من مسلم عاص إلى منكر لأحكام الله وهو كفر بإجماع العلماء
الغريب فى الأمر أن الحماقة دفعت بعض مؤيديه للقول بأنه اجتهد فأخطأ وهذا قول لا يصدر إلا عن جهل عميم لأنه كما سبق القول ما وقع فيه ليس أخطاء ولا يمكن تسميتها بالزلات فالاجتهاد لا يكون بثوابت القرآن والسنة وإجماع العلماء من الأمة وإلا لكان جائزا أن ينقلب الاجتهاد موضة ونحاول معا أن نجتهد فى تغيير عدد ركعات الصلاة أو واجبات المرأة من حيث إلزامها بأخذ إذن الزوج فى كل ما يخصها وعلى رأسها السفر كما قال فعلا وهو يتحسر على الفهم الخاطئ للدين والتأويل المتشدد الذى يمنع المرأة من حقوقها فى السفر منفردة وفى أن حقها مقدم على الرجل فى تولى العمل !
هذا فضلا أنه لم يتراجع فى أى لقاء أو برنامج معلن له عن واحدة من تلك الكوارث لا سيما المتعلقة بحديثه عن اليهود
ولا يمكن لمثله التراجع عن تلك الأقاويل ما لم يتراجع فى الأصل عن توجهه الذى أوضحناه
ثالثا ..
يتبقي لنا مأساة إصرار مستمعيه على الدفاع عنه والنظر إليه باعتباره أمل الأمة كما قال عن نفسه من قبل .. فى معرض رده على ما نشرته مجلة " فوربس " عن دخله الذى يبلغ خمسة ملايين ونصف مليون دولار فى العام
والحجة التى تبقت لهم أنه من أهل الخير والدعوة إلى الصلاح
فإن كنا قد بينا خطورة المسالك التى يقود الشباب إليها من الناحية الدينية فيتبقي لنا ايضاح المهالك التى رقدت فى عمق غرضه من حملات التوعية التى ينشرها بهدف حث الشباب على مكافحة الإدمان والتبرع للمساكين بالملابس وغير ذلك !
وبالرغم من أن أى تدبر بسيط للتحليل السابق يكشف ببساطة طبيعة تلك الحملات وأهدافها إلا أننا سنبين ـ ربما للمرة الألف دون فائدة ـ أنها محض استدراج ..
ولست أدرى ألم يقم هؤلاء المدافعون باستخدام مصيدة الفئران مرة واحدة فى حياتهم على الأقل .. لو نهم فعلوها لأدركوا مغزى تلك الحملات فأنت عندما تصيد فأرا تضع له قطعة جبن فى المصيدة ..
فهل يكون هدفك تغذية الفأر أم صيده ؟!
ولتوضيح الأمر يمكننا أن نتخيل مناقشة فى مجتمع الفئران مثلا تدور حول أن الإنسان من أعدائها أم لا .. ففريق من الفئران ستحذر غيرها من المغيبين بأن الإنسان من أعدائها ويجب الإحتراز منه أما مؤيدو عمرو خالد أقصد مؤيدو الإنسان سيقفون فى مجتمعهم منادين بأنه يضع لهم جبنا من أكثر محلات البقالة فخامة ؟!!.
وواقع الأمر أننا لا يمكننا معالجة هذا التخلف العقلي إلا بالأسي على العقول والإدراك فأين هؤلاء المناصرين من أسلوب التعمية الإعلامية للأهداف الخفية والذى لجأت إليه حملات التبشير مثلا على مدار قرون فى شتى بقاع العالم الإسلامى وكانت الحملات التبشيرية تعج بالأدوية والمساعدات والتبرعات والحملات المناصرة لصحة الفرد و الإنسان !!
بل أين هم من الحملات الإعلامية الضخمة التى واكبت الأغراض الإستعمارية المختلفة وأولها كلمة " استعمار " والتى نشرها الإحتلال الغربي بشتى بقاع العالم كبديل لكلمة احتلال وذلك لترسيخ مفهوم التعمير والتقدم الذى يأتى به الإنسان الغربي للشرق المتخلف .. وهى نفس الشاكلة التى لجأت لها الولايات المتحدة الأمريكية فى حرب العراق التى أخذت عنوانا بديعا وهو الحرب على الإرهاب وتحرير العراق من جبروت حكامه !
ورغم هذه الأمثلة تجد من يصيح أنه يجب علينا أن نأخذ من عمرو خالد النشاط الصالح ونترك الطالح ناسين أو متناسين حقيقة هامة أن الشعوب العربية عامة فيها داء الإستقطاب الشديد والعرفان بالجميل فإن استجاب المستجيبون لحملات عمرو خالد فسيقبلها الناس مع سائر جوانب دعاويه وإدعاءاته
وإلا كيف يمكن أن تقنع شابا حاز من حملات عمرو خالد على ما يشتهيه بأن يترك محاضراته المسمومة ؟!!
ونسوا أيضا أن الأخلاق لا تتجزأ
فمن فسد وأفسد فى عقيدة وثقافات الشباب المغيب لا يمكن الإعتداد ببقية أفعاله لأنها وكما اتضح طريق إعلامى للغزو الفكرى وتعمد لفصل الدين عن الدنيا وهو غاية المراد بالنسبة لسائر الجبهات الغربية واليهودية
ورحم الله من سمع فتدبر
__________________