الرسالة الكبرى..
إن ما حصل في مصر من تبرئة لقتلة الثوار، يوجه رسالة واضحة إلى كل الثورات مفادها..
لا يوجد نظام في العالم يحاكمُ نفسَه..
والقضاء جزءٌ لا يتجزأ من أيِّ نظام..
فمن يعترض على شرعية نظام، لا يلجأ إليه عبر بوابة قضائه ليطلب منه محاكمة نفسه على جرائمه..
ومن يلجأ إلى قضاء النظام نفسِه لمحاكمته أو لمحاكمة بعض عناصره، فهو – شاء أم أبى، شئنا أم أبينا – معترِفٌ بشرعيته أو مستسلم لها، مهما ادعى غير ذلك..
لأن أكبر مظهر من مظاهر الاعتراف بشرعية أيِّ نظام هو منح القداسة لجهاز قضائه..
مهزومة قطعا كل ثورة لا تبادر إلى إسقاط قضاء النظام في سياق عملية إسقاط النظام كله..
ولعل هذا ما فشلت الثورة المصرية في إدراكه، عندما كانت يوميات الثورة تكشف لنا مع كل
يوم يمر من عمرها، عن أنها تلجأ إلى قضاء النظام الذي ثارت عليه ليُسدي لها النصح، وليمثلها، وليقود المرحلة الانتقالية.. إلخ..
تكون حركة الشعوب ثورات على الصعيد الأيديولوجي، عندما تكون مطالبها انقلابا على نظامي "اللاحرية" و"اللاعدالة" السائدين..
وتنتكس لتصبح ""لا شيء"، عندما تفشل في تجسيد ثوريتها الأيديولوجية، على صعيد الممارسة السياسية، عبر كنس كافة مؤسسات النظام السابق، بدءا بالقضاء، وتشكيل مؤسساتها الخاصة بها، بدءا أيضا بالقضاء..
وبالتالي فلا مجال للخروج من هذا التناقض القاتل لمفهوم الثورة، إلا بأن تنشئ الثورة قضاءها الثوري الخاص لمحكامة النظام السابق ورموزه..
وإن لم تفعل الثورة ذلك، فهي تعترف بأنها ليست ثورة مكتملة..
أو بأنها تتنازل عن حقوقها الطبيعية لأعدائها..
وهي من هنا تسمح لهم بإعادة إنتاج أنفسهم ونظامهم في عباءة منجزات الثورة..
وحتى لو فعلت ذلك، أي حتى لو أنجزت وأنشأت مؤسستها القضائية لمحاكمة رموز النظام السابق، فإنها بالكاد تستطيع حماية نفسها من فلول ذلك النظام..
لأن نجاح الثورة، وإن كان يبدأ بإنشاء الثورة لمؤسساتها على أنقاض مؤسسات النظام المقبور التي يتم كنُسها، فإن هذا النجاح لا يكتمل بدون تحول رؤيتها وبرامجها في إدارة الدولة والمجتمع، إلى عناصر متجسِّدة وملموسة في مؤسساتٍ كبرى تصنعها الثورة بنفسها، وتملكها بنفسها وتديرها بنفسها، بدءا بالمؤسسة التنفيذية، مرورا بالمؤسسة القضائية، وليس انتهاء بالمؤسسة التشريعية