من حكايات التراث الشعبي الفلسطيني
حكاية : كاك ... كاك...كاك...
بحث وجمع وكتابة
أ . تحسين يحيى أبو عاصي
فلسطين
*****************************
كان يا ما كان ، يا سعد الكرام ، في يوم من الأيام ، على مرّ الدهور والأعوام ، وعلى رسول الله أزكى الصلاة والسلام .
كان ملك يعيش مع وزيره في سعادة وأمان .
سأل الملك وزيره : هل الكرم جهود أم من الموجود ؟
أجاب الوزير : من الموجود .
قال الملك : لا بل هو جهود .
أراد الملك أن يُعلّم وزيره درسا عمليا حيّا ، كيف يكون الكرم جهودا وليس من الموجود .
خرجا معا يتفقدان الرعية ؛ فوجدا في طريقهما تاجرا غنيا ، وما غني بحق إلا الله ، نزل كلاهما ضيفين عزيزين على التاجر ، الذي قدّم لهما أعظم ما يملك من الطعام والشراب.
سأل الملك وزيره : هل الكرم جهود أم من الموجود ؟
أجاب الوزير بنفس إجابته السابقة : بل من الموجود يا ملك الزمان ، فلو لم يكن موجود عند التاجر هذا الخير كله لما قدّمه إلينا .
استمر الاثنان برحلتهما ، ولكن هذه المرة متخفيين ، وفي الطريق وجدا بيتا من الشَّعَر لأعرابي فقير .
قالا له : نحن ضيوفك . قال الأعرابي بل أنتم ضيوف الرحمن .
ذبح لهما ناقة ليتناول بصحبتهما الطعام .
قال الملك : أنا لا أريد هذه الناقة ، أريد الناقة الثانية ، ذبح الأعرابي الناقة الثانية ، فقال الوزير : وأنا أريد هذه الناقة ، فذبحها الأعرابي ؛ ليقدم لهما طعاما من النوق الثلاث .
سأل الملك وزيره بعد أن تناولا الطعام : هل الكرم جهود أم من الموجود ؟
أجاب الوزير بل من الموجود يا ملك الزمان .
سأل الملك الأعرابي : يا رجل هل تعرف من نحن ؟
أجاب الأعرابي : لا .
سأله الملك : ماذا تملك من مال حتى تذبح لنا ثلاثا من النوق ؟
قال الأعرابي : لا املك غير ما ذبحت لكما من النوق ، أبيع وأشرب لبنهن كل يوم وأعيش وأسرتي عليهن .
سأل الملك وزيره : هل الكرم جهود أم من الموجود ؟
أقرّ الوزير أن الكرم جهود وليس من الموجود .
. طلب الملك من الأعرابي أن يأتي إليه يوم الجمعة ، في أكبر مساجد المدينة ،ليغدق عليه من المال مكافأة له على كرمه وحسن ضيافته .
وفعلا جاء الأعرابي إلى المسجد ؛ ليجد الملك يرفع يديه إلى الله يسأله حاجته ، وقد وقف بالناس خطيبا وإماما .
قال الأعرابي :
لا تـسألـن بتُـنيّ آدم حاجـة وسل الـذي أبـوابـه لاتُحـجَبُ
ألله يغضب إن تركت سؤاله وبُنيّ آدمَ حين يُسألُ يغضبُ
عاد الأعرابي إلى بيته وقد استحى من ربه أن يسأل أحدا غيره .
قال الأعرابي لزوجته : هيا بنا نرحل من هذا المكان إلى مكان آخر فيه الخصب والكلأ والماء ، بدا الأعرابي بنصب مضربه المعهود من الشَّعر ، وعندما كان يدق في الأرض وتدا لخيمته ؛ عثر على جرة ممتلئة بالمال والذهب .
وعل أثرها بنى الأعرابي قصرا كبيرا فاخرا ، وجعله للمحتاجين ، وكان يقدم لهم فيه الطعام والشراب واللباس والنوم وكل ما يلزم لراحة الناس .
انتظر الملك ووزيره قدوم الأعرابي طويلا ، ثم ركبا الخيل وأخذا يبحثان عنه حتى اهتديا إلى مكانه .
سأل الملك وزيره : لمن هذا القصر ؟ وهل هنا في مملكتي قصر آخر غير قصري ؟ هل يوجد في مملكتي ملك غيري ؟
أجاب الوزير : لا يا ملك الزمان .
اهتدى الملك وبصحبته الوزير إلى القصر ، وقرع الوزير الباب ، فإذا بالأعرابي يخرج إليهما بلباسه البالي القديم وبطيبته المعهودة .
سأل الملك الأعرابي : من أين لك هذا القصر، وكل هذا المُلك والخير والمال ؟
أجاب الأعرابي بكل ما حدث معه صادقا .
قال الوزير للملك : إن المال الذي عثر عليه هو مال المملكة يا ملك الزمان ، ونحن الذين وضعناه في القدر، وأخفيناه هنا .
وبينما هم على ذلك ، مرّ من فوق الثلاثة طير يقول ؟ كاك .... كاك .... كاك ....
طلب الملك من وزيره أن يفسر له ماذا يقول الطير ، لكنه لم يعرف .
نظر الملك إلى الأعرابي وقال : ماذا يقول الطير يا رجل ؟
قال الأعرابي : أعطني الأمان يا ملك الزمان .
قال الملك لك الأمان .
قال الأعرابي : كاك الأولى معناها : سبحان من رزق العباد من غير شَيء
وكاك الثانية سبحان من جعل الأعمى يمشي من غير ضَوء
وكاك الثالثة لعنة الله على من كان محضره محضر سَوء .
إلى اللقاء مع حكاية جديدة من حكايات التراث
فلسطين