السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،
تُراجعني في قول قلته لك سابقاً:
"إنَّ لكل ذنبٍ عقوبة!"
فتقول لي: ولكننا نعصي ولا نجد العقوبة،
فكيف تجزم أنَّ لكل معصيةٍ عقوبة؟!
فأقول لكَ: يا صاحبي،
لا تُعمم قولي على كل معصيةٍ!
الله رحيم، وما كان لي أن أتألى عليه سبحانه،
فأجزمُ أن كل عاصٍ سيُعاقب،
فكلنا نهاية المطاف عُصاة يا صاحبي،
ولكنكَ فهمتني خطأً!
أو لعلني أخطأتُ إذ لم أتوسع لكَ في الأمر،
فتركته لكَ مجملاً دون تفصيل!
فأركنتُكَ إلى عقلكَ تتلاطمه الأفكار يمنةً ويسرةً!
يا صاحبي،
لستُ أعني بالعقوبة
أن تنزل على كل عاصٍ صاعقة من السماء!
هناك عقوبة أشد وهي أن يصرف الله تعالى قلبَ عبده العاصي عنه!
يا صاحبي،
ليست كل عقوبة هي بالضرورة
كعقوبة فرعون في إطباق البحر عليه،
ولا كعقوبة قارون في الخسف،
ولا كعقوبة النمرود في بعوضة!
هذا يُسمى انتقام الجبار!
أما العقوبات فتلك لها وجه آخر!
أن يموت قلبُكَ وأنت حي،
أن تمرَّ بالجنازة فلا تهتز،
ومن لم يعظه الموت فلن تعظه الجبال،
ولو تناطحتْ بين يديه!
وأن تسمع الآية من القرآن فلا يتحرك فيك شعرة،
وهو الذي أُنزل على جبل فخشع وتصدع!
أيوجد عقوبة أكبر من هذه؟!
أن تكون الصخور ألين من قلبك!
وللهِ در ابن القيم حين قال:
ما ضُربَ عبدٌ بعقوبةٍ أكبر من قسوة القلب!
يا صاحبي،
أية عقوبة أقسى من أن تمرَّ الليالي الطوال وليس لك فيها ركعتي قيام؟!
وأن تسمع المؤذن يُنادي حيَّ على الصلاة،
ولا يقيمك قلبُكَ إلى المسجد؟!
وأن يمرَّ رمضان ولم تحسن استغلاله،
وأن تنهض إلى الصلاة بتثاقل كمن يريدُ أن يزيح صخرةً عن كاهله؟!
أية عقوبة أقسى من أن لا يجد المرء في صلاته قول نبيه:
أرحنا بها يا بلال!
يا صاحبي،
أية عقوبة أقسى من أن تنشغل بالتوافه من الناس والأمور،
جدال عقيم هنا تخوضه كأنه حرب فاصلة!
ومشهور تافه تتابعه لحظة بلحظةٍ، كأنما أوتي علم الأولين والآخرين!
أية عقوبة أقسى من جفاف الدمع،
وكسل الأيدي عن الارتفاع بالدعاء،
وملل اللسان من اللهج بالذكر!؟
يا صاحبي،
ليست كل العقوبات صواعق
إغلاق الباب في الوجه أقسى، أقسى بكثير!