إشكاليات المصطلحات
السيد شعيب
كثرة المصطلحات وتشعبها وتنوعها هي إحدى المعضلات التي مُني بها الفكر الإسلامي قديماً وحديثاً منذ تحرر العقل المسلم، وانطلق محلقاً في آفاق المعرفة.
ولم يقف الأمر عند ذلك بل تطورت المصطلحات من مصطلحات مجردة إلى مدارس ومذاهب وفرق.
لقد تبلورت هذه المصطلحات في شكل مدارس وفرق وتيارات إسلامية كثيرة، وتوزعت عقول الناس ومداركهم وانتماءاتهم بين المعتزلة والقدرية والسلفية وأهل السنة والجماعة والمبتدعة وأهل الكلام والفلاسفة وغيرهم.
وللأسف ورث الفكر الإسلامي الحديث هذه الإشكالية بكل تعقيداتها وجدلياتها، فعاد مصطلح السلفية مثلاً ليظهر بقوة من جديد، وتنازعت عليه كثير من التيارات والحركات الإسلامية.
كما برزت على السطح موجة أخرى من المصطلحات الجديدة بعضها أصيل والبعض الآخر يعد وافداً، من هذه وتلك: التنوير، الوسطية، العقلانية، العصرانية، الحداثة، الحوار، التقريب.
وطبيعي أن تتبلور هذه المصطلحات وتتطور إلى حركات وتيارات، حتى أصبحنا نسمع عن العقلانيين والتنويريين والوسطيين والحداثيين والسلفيين.. دون أن نجد حدوداً فاصلة بين كل منهم حتى إنه من الممكن أن ترى بعض المفكرين يحسب على أكثر من تيار، مثال على ذلك: الإمام محمد عبده، وتلميذه الإمام رشيد رضا، والشيخ الغزالي، والدكتور محمد عمارة.
فهؤلاء تارة ينعتون بالسلفيين، وتارة بالعقلانيين وتارة ثالثة بالتنويريين..
هذا من شأنه أن يطرح تساؤلات عدة منها: ما الفرق مثلاً بين السلفية والوسطية؟ أو ما العلاقة بينهما؟ أهى علاقة تضاد أم تكامل أم اشتمال؟
هل الوسطية فكر أم منهج أم تيار؟
ماذا ينبغي أن يكون عليه فكري؟ هل يكون سلفياً أم وسطياً أم عقلانياً أم تنويرياً؟ هل من الضروري بصفتي باحثاً أن أنتمي إلى مدرسة بعينها أم يكفي أن أكون مسلم الفكر والاعتقاد دون توصيف أو انتماء؟
إذن هنالك إشكاليات كثيرة ليس في وجود المصطلحات في حد ذاتها ولكن في كثرتها وإطلاقها، الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من التعمية والإلباس.
نعم قد يقال: إنه لا مشاحة في الألفاظ والمصطلحات.. بمعنى: أنه لا حرج على أي باحث أو كاتب أو عالم في أن يستخدم المصطلح، وبصرف النظر عن البيئة الحضارية أو الإطار الفكري أو الملابسات المعرفية أو الفلسفية والعقدية التي ولد ونشأ وشاع فيها.. فالمصطلحات والألفاظ ذات الدلالة الاصطلاحية هي ميراث لكل الملل والمذاهب والحضارات، ولجميع ألوان المعرفة ونظرياتها، ولكل بني الإنسان..
ولكن نحن بحاجة إلى ضبط معاني المصطلحات، وتقييد إطلاقها، وتحديد نطاق الصلاح والصلاحية التي يشيع عمومها من عموم ما تحمل من ألفاظ. (من كلام د.محمد عمارة: معركة المصطلحات بين الشرق والغرب).
الأمر الآخر الذي أود أن أشير إليه هو أنه ينبغي ألا تنصرف جهود العلماء والمفكرين إلى البحث عن مصطلحات إسلامية جديدة لبناء نهضة أمتنا، بقدر ما يجب أن تنصرف إلى صياغة نموذج تطبيقي عملي للمسلم الصالح، وهذه هي مهمة الفكر الإسلامي في تقديري.