أي دمعة حزن لا لا لا لا
علي مسعاد
عضو الإتحاد الدولي للإعلام الإلكتروني
" عرفتي اليوم ، كاع لعيالات لي جاو لمحال ديال الخياطة ، بغاو شي تكشيطة بحال لي لابسة هيام ، بطلة مسلسل " حريم السلطان "، بغاو نفس الفصالة و الخياطة وحتى الزواق لي فيها " ، أسرت لي ، زوجتي ذات مساء ، بصوت خافت و بسرعة لا تضاهيها إلا سرعة " التي جي في " ، حتى لا تزعج الآخرين ، أثناء مشاهدتم للحلقة الجديدة من المسلسل الجديد ، حتى و إن كان أغلبهم ، يتابعه في قناتي دبي و ميدي 1 تي في ، في صمت تام ، لا حركة ، لا كلام ، التفاهم فقط بالحركات و الهمسات ، حتى تنتهي الحلقة بسلام .
هذا هو حال الأسرة المغربية ، اليوم ، مع المسلسلات المدبلجة التركية منها ، على وجه الخصوص ، بحيث أن هناك شبه إجماع على متابعة ، ذات المسلسلات التركية ، بنفس طقوس المشاهدة ، ولعل الرسومات الكاريكاتورية ، التي أتحفتنا بها ، بعض المواقع الإجتماعية ك" الفايس بوك " عن أمهات تركن الطبيخ حتى إحترق ، و عن زوجات طلقن بسبب إهمال الزوج و الأبناء ، بسبب إدمانهن على المسلسلات المذبلحة و غيرها من المشاهد الحزينة منها و الطريفة ، التي عادة ما تقع أثناء مشاهدة هذه المسلسلات ، التي سحبت البساط عن الدراما المصرية و السورية ، هذا دون الحديث عن الملسلات المغربية لأنها غير قادرة على المنافسة في هذا المجال بالذات .
و لعل ، من أشهر الحوادت الأليمة ، التي مازالت عالقة بالذاكرة ، هي إقدام طفل يبلغ من العمر تسع سنوات في قرية بإقليم "اليوسفية" على شنق نفسه بحبل داخل غرفة بمنزل بسبب تقليده لبطلته "خلود " أو من الحكايات الطريفة ، كغياب المصلين عن المسجد وقت صلاة المغرب بسيدي ينور،بسبب أن عرض مسلسل "خلود " يصادف وقت صلاة المغرب، مما يدفعهم للجمع بين صلاة المغرب و العشاء، ما دفع إمام المسجد إلى جمع ساكنة المنطقة،لإلقاء درس يحث فيه المصلين من الذكور والنساء، على مقاطعة مسلسل " متنسانيش- خلود "
بل إن الأمر ، قد أصبح جديا هذه المرة ، بحيث تناقلت بعض الصحف الوطنية الرصينة ، أخبار عن مساهمة المسلسلات التركية في الإقتصاد ،و ساهمت نسبة الإقبال الكثيف عليها من طرف الأسر المغربية ، في إرتفاع نسبة عدد السياح المغاربة إلى تركيا و أن نسبة الإقبال على المنتوجات التركية ، قد إرتفع كذلك ، بنفس الوتيرة .
حركة إقتصادية و سياحية ، لم تتحقق بالصدفة ، بل بالكثير من الجهد و التعب ، وقد كان للدراما الدور الكبير ، في تحريك عجلة الإقتصاد التركي .
دراما تتوفر على الكثير من الشروط الفنية منها : قوة الآداء و جمالية المناظر الطبيعية و أناقة الممثلين و الممثلات، الذين أصبحوا النجوم المفضلين لدى جيل اليوم ، تأثير وصل مداه إلى تقليد هم ، لبطلات و أبطال المسلسلات التركية ، في كل شيء ، في الذقن الخفيف على الوجوه و تسريحة الشعر و موضة اللباس و أسلوب حياة أبطال هذه المسلسلات ، التي تسللت في غفلة ، من الدراما المغربية ، إلى قلوب المشاهد المغربي .
يحدث كل هذا و لأن الدراما المغربية ، تركت المجال مفتوحا للآخرين ، بالنظر إلى الضعف في الآداء و كتابة السيناريو و في التشخيص ، إنها تعيش على إيقاع أزمة حقيقية ، في الإبداع و الخيال الفني و ما يزيد الطين بلة ، هي صورة الممثل المغربي ، التي إرتبكت لدى الكثير منا ، بالمعاناة و المأساة .
و لعل أقرب المشاهد التي تتقافز إلى الذاكرة، هي تلك الوجوه الفنية التي تدوالت على الموقع الشهير " يوتوب " ، تحكي عن معاناتها مع البطالة الفنية و قلة الحيلة و غياب الإهتمام الرسمي و النقابي و الوساطة و غيرها من المشاكل الفنية التي غالبا ماتسيء إلى الفنان المغربي أكثر مما تخدمه .
صورة سلبية عززتها ، الأخبار المتداولة عنهم ، في النشرات الإخبارية ، فتارة تخبرنا ببالغ الأسى و الحزن ، بلغ إلى علمهم أن فنانا قد لفظ أنفاسه بعد مرض عضال ، ومعاناة في ظروف إجتماعية قاسية أو عن آخر على فراش الموت و عن آخرين في عداد النسيان ، لا يتذكرهم أحد ووو ، في حين أن الأخبار الفنية المتداولة ، عن الفنانين الأجانب تختلف كلية عما ينشر عن أمثالهم المغاربة .
و هذا مرده ، بإعتقادي كما جاء على لسان أحد أبطال مسلسل " حديدان " في حوار له ، مع أحدى الجرائد الشهرية الصادرة حديثا ، في عددها الأول ، ينبغي على الفنان المغربي " ألا يكون " خبزوي " ، يجب عليه أن يختار أعماله ، فالله يرزق ، ثق بي إذا أصبحنا نختار أعمالنا ،أدوارنا لهذا الجمهور الراقي فنحن من سيفرض على المنتجين تقديم أعمال تحترم ذوق و تعطش الجمهور المغربي ، أما إذا كنا نقبل الأعمال كيفما كانت بمبرر البحث عن " طرف الخبز " أو دفع أجرة كراء ، فهنا سنظل دائما داحل حلقة الأعمال غير الصالحة " إنتهى كلامه .
أما الحديث ، عن غياب الدعم المالي أو ضعف الآداء النقابي أو ظروف الإشتغال الفني أو الحالة الإجتماعية المزرية لبعض الفنانين المغاربة أو غياب القوانين في المجال ، تبقى كلها مبررات واهية ، لأنه آن الأوان ، على أن يتحمل الفنان المغربي ، مسؤولية إختياره الفني و أن يعي أن دوره هو الإرتقاء بالذوق الفني لدى الجمهور و ليس بسرد معاناته مع المرض و الفقر و الحاجة وقلة الشغل و الإهمال .
الجمهور المغربي في حاجة ، اليوم ، أكثر من أي وقت مضى ، إلى قليل من الكلام كثير من الإبداع و الفن و ليس إلى دموع الفنانين .
ملحوظة :
العنوان مقتبس من إحدى أغاني الفنان الراحل عبد الحليم حافظ .