نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


كثيراً ما تدفع الاحتياجات المادية والأزمات الاقتصادية التي تعاني منها معظم الاسر في الدول العربية الازواج الى الاغتراب بحثاً عن مصدر رزق أوسع وهو أمر مشروع غير ان المؤلم في الأمر ان يغيب الأب لفترات طويلة دون زيارة لزوجته وأولاده وكل همه جمع المال والانفاق على الاسرة وتوفير الرعاية المادية لهم دون النظر الى خطورة غيابه عنهم سواء من الناحية الاجتماعية أو التربوية او النفسية.
ويجهل ذلك المغترب ان توفير المطالب المادية للأسرة لا يمكن ان يكون بديلاً عن المطالب النفسية والجوانب التربوية ويجهل تأثير الفراغ السلبي الذي يتركه بغيابه على الابناء وعدم وجود راع لسلوكهم أو مراقب لتصرفاتهم أو حامٍ لهم ويتجاهل حال الأم التي بالكاد تستطيع القيام بواجبها مع وجوده فكيف هو الحال في ظل غيابه وتحميلها مسئولياته اضافة الى ما تحمل من اعباء.
يقول حيدر عبدالحي (مدرس): لقد حمل الرجل مسئولية كبيرة وهي رعاية الاسرة والقوامة فدور الرجل في القيام بواجبات اسرته كبير جدا وهذا الدور يقتضي وجوده الدائم كي يطلع على كل شيء ويعالج الاخطاء ويوجه الصغار من اولاده فهو سند وحماية وقاعدة لهذا البيت لكن بعض الرجال لسبب ما يلقون هذا الحمل على زوجاتهم ويغادرون دون أية مبالاة فتراهم يهربون متحللين بعدم قدرتهم على تحمل المسئولية وبعضهم يغادر طلبا لتحسين احوال المعيشة .
وقد يحدث ذلك بموافقة زوجاتهم ولدى البعض بدون موافقتهن وقد يكون السبب الحقيقي في السفر والاغتراب طلب الرزق والعمل على تحسين دخل الاسرة وقد يكون السبب الرئيسي من السفر هو الرغبة في الابتعاد عن الزوجة او الهرب تحت غطاء تحسين المعيشة فيجد الزوج المخرج له من تلك المشكلات في الهروب ولا يظهر نيته في المدة التي سيغيبها بينما لا تدرك الزوجة ان مسئولية صعبة ستقع عليها لانها لم تعش التجربة من قبل ويعرف كل رجل ان غيابه عن زوجته سيحرمها من الحنان ومن الحقوق الزوجية المتوجبة على الطرفين.
فالجوع العاطفي له تأثيره السلبي على شخصية الانسان اكثر من سلبيات اي شيء آخر.
ويؤكد حيدر ان غياب الرجل عن اسرته وانقطاعه عنهم لفترات طويلة اسوأ من كون الرجل ميتاً فهو بالنسبة للزوجة موضوع مهم ولو نظرنا في حال عودة الرجل! لبيته وزوجته بعد غياب سنتين او اربع او اكثر فسترى ان كلا الزوجين اصبحا عصبيين لا يطيقان سماع كلمة واحدة وتراهما كثيراً ما يفشلان في اعادة بناء حياة زوجية حقيقية فيما بينهما.
وبرأيي يحدث ذلك لان فترة الانقطاع هذه ولدت لدى الزوجة نوعا من الشك في الرجل من ناحية حبه لها واشتياقه وغير ذلك حيث تقول في نفسها لو كان يحبني لما استطاع الابتعاد عني كل هذه الفترة او قد تقول هذه الجملة احدى صديقاتها او اخواتها وتبدأ الشكوك والظنون تدور في فكر المرأة وهذا ما يترجم عدم تقبل احد الطرفين للآخر بعد انقطاع طويل وبالنسبة للأولاد فهي مأساة حيث لا رقيب ولا موجه وتعجز الأم عن لعب دور الأب مهما اعطيت من حزم وحنكة وصبر الا من رحم ربي .
ولقد شاهدت حالة اسرة تسكن بجوارنا يقوم فيها الولد المراهق برمي امه بالحجارة في الطريق وبرمي الحجارة على المنزل واحدى المرات رمى حجراً كبيراً على ساحة البيت فوقعت على قدم اخته فانكسرت ولم تستطع الأم فعل شيء لهذا الولد حتى سمعت بعد فترة انه سطى على احد المنازل وأنه في السجن يقضي عقوبته، هذه نتيجة طبيعية لتلك الاسرة والتي يغادر عنها ربانها وقائدها ومن البديهي ان تغرق السفينة في مثل هذه الاحوال.
تجربة مريرة
وتقول أم رزق الفيومي «موظفة»: ان الظروف القاسية التي تمر بها المرأة في حياتها كثيرة ومن أصعبها ابتعادها عن زوجها لفترة طويلة تتجاوز السنة مثلا فهو أمر صعب نفسيا واجتماعياً ومن جميع النواحي وخاصة اذا كان للزوجين ابناء فتتضاعف مهمتها في الحياة وتزيد الاعباء عليها وتكثر الاسئلة في وجهها بعد غياب الزوج كيف ستتصرف معهم؟ من سيسد فراغ والدهم؟ كيف ستحسن تربيتهم؟ هذه الاسئلة تحمل اجوبة صعبة ينبغي معرفتها لتخفيف الألم قدر الامكان عن النساء اللاتي يعشن في عزلة عن ازوجهن ولا يعرفن كيف يتدبرن امورهن.
اما بخصوص تجربتي في الموضوع تقول ـ أم رزق ـ فهي مريرة حيث سافر زوجي بغية العمل وتركني مع الاولاد مدة تزيد عن ثلاث سنوات متواصلة دون زيارة واحدة وكانت لديه مبرراته وظروفه الصعبة التي مر بها وبعد ذلك اتى وقال لنا سنسافر سويا الى الامارات فرحت كثيراً ونسيت العناء الذي كابدته ولكنني لم انس الدروس التي تعلمتها من هذه التجربة انها دروس صعبة لا تنسى وتعلمت منها انني مستعدة للاستغناء عن اي شيء في الحياة .
وأهييء نفسي لذلك في اي وقت كان فالانسان عندما يكون متعلقاً بشيء ما ويرحل يحدث عنده فجوة كبيرة وقد يصاب بصدمة وتكون الصدمة على قدر التعلق والحب اما اذا كان يفهم الحياة جيداً ويعرف قوانينها وأن من قوانينها الفراق واللقاء والفقر والغنى فلن يتألم كثيرا لحدوث شيء من ذلك معه لانه يكون متهيئاً له وعلى استعداد تام للقائه وسيكون وقع المشكلة عليه ابسط، ولا اقول انه لن يتألم او يتعب بل اقول انه سيستطيع تطويق تلك المشكلة وادراك الطريقة المثلى التي يجب ان يحل بها مشكلته ليتخلص منها وهذه منطقة جوهرية يجب على كل امرأة معرفتها.
آلام الأولاد
وتقول رشا عبدالحميد (موظفة): نظرا لغياب الزوج وتحمل المرأة المسئولية الكاملة لجميع أفراد الأسرة نجد صوراً عديدة للتفكك والتي تنشأ نتيجة افتقاد الدفء جراء غياب الأب وانشغال الأم بمسئوليات عديدة فأنا متزوجة منذ 10 أعوام ومنذ ذلك الوقت وزوجي في سفر دائم لا أراه سوى شهر في كل سنة.
ولقد صرت أشعر ان المسئولية أكبر من طاقتي ولابد أن نتحملها سويا كما ان غيابه هذا يؤثر على مشاعري فعندما أحتاج إليه لا أجده بجواري وبالنسبة للأولاد فبعدما كبروا أصبحوا يشعرون بحاجتهم إليه وأصبحوا يقارنون بين حياتهم وحياة زملائهم في المدرسة فوالد صديقه يحضره الى المدرسة يوميا وأمه تنتظره عند الباب لتأخذه بعد انتهاء الدوام أما هو فيذهب بنفسه ويعود بنفسه ولا يرافقه والده لا في الطريق ولا في أي مكان هذا الشعور السلبي سييء جدا ومؤلم جدا بالنسبة للأولاد وبالنسبة لي.
قتل المشاعر
ويقول عماد الحسيني (اختصاصي نفسي): أبدأ حديثي بطرح هذا السؤال ومحاولة الاجابة عليه عبر هذه المشاركة :كيف يمكن للأسرة أن تبقى على تماسكها وحبها وودها إذا أرغمت ظروف الحياة رب الأسرة على أن يسافر لدراسة أو لعمل أو لأي سبب آخر؟ إن أخطر مشاكل هذه التجربة يكمن في الجانب النفسي لأن الزوج المغترب يشعر فجأة بغربة كبيرة ووحدة عميقة فإحساس كهذا كاف لشل جميع طاقاته وخاصة الفكرية.
تعرفت في إحدى الدول العربية عندما قمت بزيارة عمل إليها بشاب لم ينجح في تكوين علاقة صداقة واحدة والسبب ان نفسيته بين مد وجزر فجسده يتحرك في الغربة وعقله وقلبه هناك عند زوجته وأبنائه في بلده هذا من جانب الزوج أما الزوجة فمسئولياتها تزداد لانها فجأة أصبحت أماً وأباً لأبنائها وعليها تنظيم شئون المنزل كلها حتى تلك التي كان يقوم بها الزوج فتعيش تحت ضغط نفسي كبير خشية الفشل أو التقصير ويبقى سؤالهما مغلفا بالخوف المشترك لدى كل منهما: هل هذا البعد سيكون سببا في تقليل مشاعر المودة والمحبة والارتباط التي كانت بيننا قبل السفر؟
ذلك عرض المشكلة وبيان حجمها وجانبها النفسي ولكن ما الحلول؟
لا شك في ان الحل الأمثل هو ان تعمل الأسرة جاهدة على أن تبقى مجتمعة حتى لو تطلب الأمر بعض التضحيات هنا وهناك فالاستقرار النفسي الكامل والأمثل لا يتحقق إلا بوجود أفراد الأسرة معا هذه حقيقة لا يمكن اغفالها أو التقليل من شأنها، ولكن اذا كان الوضع لا يسمح بذلك فما الحل؟ وما الوسائل التي يستمر معها الود والترابط رغم السفر والفراق؟
بدائل
إن وجود وسائل الاتصالات المتعددة والحديثة اليوم يؤدي خدمة رائعة في هذا المجال ولكن بشرط معرفة طريقة استخدامها فالهاتف يعد إحدى أهم هذه الوسائل ولكن تخطئ الزوجة كثيرا عندما تتصل في وجود الأبناء والأهل في هذه الأثناء سيكون الاتصال روتينيا ولا مجال لتبادل المشاعر ولذا لابد من ان يكون هناك اتصال اسبوعي أو مرة كل اسبوعين ويكون فرديا ليتمكنا من تبادل التعبير عن مشاعرهما بحرية دون ان يكون هناك تداخلات ومقاطعات وعلى الزوج ان يرسم لزوجته صورة واضحة عن حياته اليومية وكيف تسير أموره وعن أصدقائه والحياة هناك كيف هي وذلك في رسالة شهرية تشمل جميع زوايا الحياة التي يمر بها.
وعلى زوجته ألا تنسى ان تبعث برسالة مماثلة تحمل تفاصيل حياتهم وان تستشيره في تفاصيلها وتستمع الى رأيه فيشعر الزوج بأنه لا يزال صاحب مكانة ورأي ومشورة رغم الفراق.
وهناك التراسل الالكتروني فيجب على الزوجين الاعداد له والترتيب قبل السفر كيف يعرف كيفية استخدامه لانه يعطي احساسا بالطمأنينة والراحة ويحدث تقاربا حقيقيا رغم البعد مما يجعل الاستقرار النفسي أكبر ومن المهم جدا ألا ينسى كل من الزوجين التواريخ المهمة في حياتهما الزوجية حيث ان تذكرها يشعر الطرف الآخر بأهميته .
وبالتالي يعطيه الدافع النفسي الذي يحتاج إليه لاكمال المشوار وهناك أشياء أخرى صغيرة يجب عدم التقليل من أهميتها كوجود صورة للعائلة مجتمعة معلقة على أحد جدران المنزل أو موجودة في حقيبة الزوج ومثلها في حقيبة الزوجة فهذه الصورة توصل رسائل قصيرة وجميلة بين الزوجين كلما نظرا إليها وتشعرهما بالدفء وبالمسئولية وان كلاً منهما يقوم بما يجب عليه القيام به لصالح هذه الأسرة وان هذا الفراق لن يطول وسرعان ما سينتهي ويجتمعان من جديد بعد ايام.
بعيد عن العين
وتقول سناء عبدالعظيم (اختصاصية نفسية): يقولون ان «البعيد عن العين بعيد عن القلب» ولكن يبدو ان هذه المقولة بالرغم من انها تؤخذ كحقيقة مسلم بها إلا انها نسبية الى حد كبير فليس كل بعد ينتج عنه جفاء أو نسيان فالأم مثلا لا يمكن ان تقسو مشاعرها تجاه أولادها مهما ابتعدوا عنها في سفر أو عمل أو غيره والبعد في حد ذاته قد يكون له مردود ايجابي أو سلبي بحسب الموقف.
ولنأخذ الزوجين مثلا فقد يقرران بعد حياة زوجية مستقرة وطبيعية ان يبتعد كل منهما عن الآخر فيما يشبه الاجازة القصيرة كنوع من التجديد للعلاقة بينهما وحتى يعودا وقد أصبح كل منهما في اشتياق للآخر ولن يحدث ذلك إلا اذا كانت العلاقة بينهما قوية وراسخة وقائمة على التفاهم والمودة والثقة فإذا لم تكن العلاقة بالقوة الكافية فقد يصبح البعاد ذا أثر سلبي فيزيد الفتور فتورا مما يسهم بقدر كبير في ضعف العلاقة الزوجية وربما تفككها.
وأيّاً كان السبب الذي أدى الى البعد بين الزوجين فإن تراثنا الإسلامي ما يشير الى اقصى مدة لهذا البعاد وهو ما يتراوح بين أربعة وستة أشهر باعتبار انها أقصى مدة يستطيع فيها الزوجان الابتعاد عن العيش معا مما يعني ان زيادة هذه المدة قد تسبب آلاما نفسية أو معاناة لا لزوم لها وقد يكون البعد اضطراريا .
كما في حال الزوج الذي يضطر للسفر مثلا بحثا عن الرزق والعمل أو طلبا في تحصيله العلمي ويترك زوجته وأسرته في الوطن وهذا النوع من البعاد يستوجب أحيانا غياب الزوج لما يقرب العام في بعض الأحوال وهي فترة طويلة من الفراق والتي يتوقع ان يكون لها آثار سلبية ليس على مستوى قوة العلاقة بين الزوجين ولكن حتى على الأبناء أنفسهم وما ينتج عن هذا الوضع الأسري غير المستقر من انعكاسات سلبية على المجتمع ككل.
وتختتم سناء أهم ما يمكن ان ننصح به في هذا المجال هو ان يحاول كل من الزوجين ان يقلل بقدر الإمكان من الابتعاد وان يحاول التردد كل فترة وكلما سمحت له ظروفه.

عن موقع حواء