كيف تغدو فلكيًا هاويًا بحق؟
عاطف يوسف
تتراءى هواية الفلك - من الناحية النظرية - بسيطة جدًا، فما عليك إلا أن تنصب مرقبك «تلسكوبك» وتوجهه صوب السماء، وتنظر. ولكن ... فلتتريث، إنك إذ تحدق في السماء ليلا تشاهد ما لا حصر له من النقط المضيئة؛ فكيف عساك تعثر على نجم مفرد، أو مجموعة نجمية وسط هذا الفضاء الممتد؟ وأية معدات يجدر بك استخدامها؟ قد يبدو الأمر محيرا قليلا، فيما يلي رأي العديد من الفلكيين الثقات عن أفضل السبل لتأمل النجوم.
ينصحك الخبير «روزنبرج» Rosenberg بأن تبدأ بأيسر السبل، فيقترح عليك أن ترقب السماء وكما اعتدت دوما أن تفعل، بالعين المجردة. فإذا ما حظيت بموضع معتم بما يكفي فهناك الكثير من الطرائف كي تشاهد بالاستعانة بخريطة النجوم الأساسية. ويوصي الخبير «راو» Rao بكتاب هـ .أ. ري H.A.Rey: «النجوم، وأفضل الطرق لتأملها» The Stars: A New Way to See Them. حاول أن تتعرف على المجموعات النجمية الرئيسية، مثل الفرس الأعظم Pegasus (بيجاسوس) في الخريف، والجبار أو الصياد Orion شتاء، والأسد Leo في الربيع والمثلث النجمي Summer Triangle صيفًا.
ويطلق «روزنبرج» على هذه المجموعات النجمية العلامات الاسترشادية التي تساعد على الاعتياد على خريطة السماء النجمية وحركة أجرامها، كي يسعك أن تحدد موقع الأجرام الأكثر صعوبة في مشاهدتها، كالطريق اللبني (درب التبانة) Milky Way ومجرة أندروميدا Andromeda Galaxy.
وتمثل زخات النيازك Meteor نوعا من الأحداث الفلكية التي بمقدورك أن تلمحها بسهولة بالعين المجردة. فما أن يمر مذنب ما قريبا من الشمس، حتى تتطاير منه جسيمات ضئيلة لتكون سيّالا من النيازك على طول مدار المذنّب. وحين تعبر الأرض خلال هذا السيّال من الصّخور الصغيرة، تتولد زخة من النيازك. وأشهر زخّتين نيزكيتين على مدار العام هما زخة برج الأسد Leonids التي تبلغ ذروتها في حوالي 12 أغسطس، وزخة برساوس Perseids في حوالي 17 نوفمبر.
وإذ تألف خريطة السماء الليلية، يوصيك «راو» و«روزنبرج» كلاهما باستخدام نظارة مكبّرة Binocular خفيفة الوزن بقياس 35 مللم ذات قوة تكبير سباعية، والتي تكلف نحو 100 دولار. فهي تمكنك من مشاهدة البثور على سطح القمر، وأقمار كوكب المشترى، والأطوار التي يمر بها كوكب الزهرة، بل وحتى سديم الجبار في مجموعة الصياد.
أما إذا رغبت في رؤية خبايا المنظومة الشمسية فبمقدورك أن تقتني مرقبا Telescope بسيطا مقابل حوالي 700 دولار. ورغم أن النظارة المكبرة قد يستهويك استعمالها لسنوات، فالمرقب يتيح لك آفاقا أرحب وإمكانات أعرض في المشاهدة، بيد أن استخدام المرقب يستدعي مجموعة مهارات جدّ مختلفة. فخلافا للنظارة المكبرة التي تسمح لك بحرية تحرك تامة، تَنصب أغلب المراقب على منصّات خاصة تتبع تحركات الأجرام السماوية. ومن ثمّ يتعين توجيه المرقب بصورة دقيقة صوب القطب السّماوي، وهي النقطة التي يبدو كما لو أن السماء تدور حولها، فإذا ما أحسن توجيه المرقب أمكن العثور على الأجرام السماوية بدلالة إحداثيين فضائيين، هما خط ارتفاع النجم فوق الأفق Ascension وزاوية الميل عن خط الاستواء السماوي Declination، حيث يناظر الأول خطوط الطول الجغرافية على سطح الأرض، في حين يمثل الثاني خطوط العرض.
ومن الأنباء الطيبة، أنك لست الهاوي الوحيد في عالم الفلك. ويجمع خبراء الفلك على أن أفضل الطرق للعثور على المرقب الذي يلائمك، هو تبادل الآراء مع هواة الفلك الآخرين. فواظب على حضور اجتماعاتهم وشاركهم أعمالهم، فيتنامى لديك حس بكافة أنواع المراقب وكيفية عملها وماذا عساها تبين لك. يقول خبير الفلك «بليت» Plait: إن الأمر أشبه باختبار قيادة السيارات، ما أن تتقنها حتى تستمتع بها. وإن انضمامك لرابطة هواة الفلك لكفيل بتحقيق ذلك، فالكثرة الغالبة من هؤلاء الهواة ودودون، ومرحبون بالوافدين الجدد إلى هذه الهواية الطريفة. إن المرقب يكشف لك عما على السطح في عالم الفلك فحسب، أما إذا رغبت في المضي إلى أقصى مدى تتيحه لك ميزانيتك وجلدك، فهناك المرقب العملاق الذي تصل فتحته إلى 25 بوصة قطرا، وهو مايسمح لك بمشاهدة الأجرام المتوارية في أعماق السماء مثل مجرة «السمباريرو» Sombrero Galaxy، تلك التي تبعد عنا بما يربو على 28 مليون سنة ضوئية، بل إنك قد تقدم على ما هو أخطر، فتتأمل الأجرام السماوية المدرجة في فهرست ويليام هيرشيل William Herschel الفلكي العظيم مكتشف كوكب أورانوس، تلك الأجرام التي لا تتيسر مشاهدتها إلا باستخدام أقوى المراقب المتاحة في الوقت الراهن.
http://www.alarabimag.com/Arabi-Elmy/2012/Issues/Issue_8/Elmy001.htm