القابلية للسقوط الأخلاقي والأمني
ا.د. محمد اسحق الريفي
ليست المشكلة في أن أجهزة الاستخبارات الصهيونية تسعى حثيثاً لاصطياد المغفلين واللاهثين وراء الجنس والمال والشهرة من أبناء الشعب الفلسطيني، مستخدمة أدوات تكنولوجية ووسائل حديثة متطورة في الإسقاط الأخلاقي والأمني، ولكن المشكلة تكمن في وجود القابلية للإسقاط لدى فئة من أبناء الشعب الفلسطيني.
ما الذي يحمل بعض الفلسطينيين، في غزة والضفة والداخل الفلسطيني، على التعاون الأمني مع العدو الصهيوني وهم يعانون من ممارساته الوحشية والدموية، ويتجرعون مرارة الاحتلال والحصار والعدوان؟ وهل يتغلب القهر والمعاناة على الوازع الديني والوطني وعلى الوعي فيقع الشاب والفتاة في فخاخ العدو الصهيوني الغشوم ويسقط أخلاقياً وأمنياً ويتحول إلى نقمة على نفسه وأبناء وطنه ودينه؟ وهل الأدوات التكنولوجية المتقدمة التي يستخدمها العدو الصهيوني في إسقاط العملاء والتواصل معهم تستطيع اختراق التحصين الداخلي للمواطن الفلسطيني وإلحاق هزيمة نفسيه به تجعله يخضع للمساومة والابتزاز؟
لا شك أن الإجابة على الأسئلة الثلاثة السابقة، وتساؤلات عديدة أخرى حول هذا الموضوع، تحتاج إلى دراسة عميقة وشاملة، بحيث يقوم بها مختصون بعلم النفس وعلم النفس الاجتماعي، إضافة إلى التربويين والدعاة والأسرى المحررين، وبحيث تتناول الدراسة الأبعاد النفسية والاجتماعية والسياسية لظاهرة القابلية للسقوط الأخلاقي والأمني لدى فئة من أبناء الشعب الفلسطيني. وبهذه الطريقة العلمية، تصبح الحملات الموجهة لتوعية المواطن الفلسطيني حول خطورة التعاون الأمني مع العدو الصهيوني لها مغزى ومعنى. وأقصد بذلك أن مواجهة ظاهرة السقوط الأمني لا يمكن معالجتها بطريقة ارتجالية تقتصر على الوعظ والإرشاد، وتعتمد على جمع معلومات حقلية لحالات فردية حول وسائل العدو الصهيوني للإسقاط الأمني، لمعرفة الأسباب التي تدفع بعض الفلسطينيين إلى تغليب مصلحة شخصية زائفة على مصلحة الشعب والوطن. فهناك عوامل عديدة متشابكة ومعقدة تؤثر على هذه الظاهرة.
وفي تقديري الشخصي، المبني على دراسة فردية قمت بها حول هذا الموضوع في المجتمع الغزي، أن الأسباب التي تبرر للمواطن الفلسطيني التعاون الأمني أو الثقافي أو السياسي مع الاستخبارات الصهيونية، أو تلك الأسباب التي تحمله على السقوط الأمني، هي الأسباب ذاتها التي تدفعه إلى استغلال ظروف القهر والمعاناة والحصار التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، ولا سيما في غزة والضفة المحتلة، لجني الأموال الطائلة وتحقيق الثراء الفاحش. وهي الأسباب ذاتها التي تبرر للتاجر الغشاش غش أبناء وطنه، والتي تدفع السارق لنهب الأموال الخاصة والعامة، وتبرر للموظف الأمني والمدني جعل راتبه الشهري فوق مصلحة الشعب والوطن، بل حتى فوق أية اعتبارات وطنية أو دينية. وهي الأسباب ذاتها التي تبرر للموظفين القبول بالعمل في مؤسسات دولية تشترط عليهم عدم القيام بأية أنشطة سياسية تخدم القضية الفلسطينية وتقاوم الاحتلال الصهيوني، وكذلك الأسباب ذاتها التي تبرر للمواطن الفلسطيني حماية أمن العدو الصهيوني ومحاربة المقاومة الفلسطينية.
وأنا هنا لا أتحدث عن العملاء الكبار، فهؤلاء غالباً ما يصنعهم "الموساد" خارج فلسطين المحتلة، ويستخدمهم على المستوى القيادي، السياسي والفصائلي، للشعب الفلسطيني! ولكنني أتحدث عن العملاء الصغار، الذين يستخدمهم العدو الصهيوني لخدمته عبر وسائل عديدة، منها: جمع المعلومات الأمنية والاجتماعية، اختراق التنظيمات الفلسطينية، نشر الفوضى والفلتان في المجتمع الفلسطيني، الإفساد الوظيفي في المؤسسات الحكومية وخصوصاً التعليمية، بث الشائعات في المجتمع، إسقاط الآخرين أخلاقياً وأمنياً، تشويه سمعة الإسلاميين، ترويج ثقافة الاستسلام، الإيقاع بين العائلات، إهدار المال العام...الخ.
ولا شك أن ظروف الانقسام والحصار والتهديد الصهيوني بشن حرب أخرى على غزة، والعدوان الصهيوني بشتى أصنافه، والذي يكتوي بجحيمه الشعب الفلسطيني، تجعله يعيش في حالة أشبه بحالة الهلع أثناء الحروب، ولكن ألا يوجد ما يحصن المواطن الفلسطيني من حالة الهلع إلى حد الانهيار والاستسلام للعدو الصهيوني؟
من المؤسف حقاً أن يتطلع بعض أبناء الشعب الفلسطيني إلى الحصول على الأموال بأية طريقة وبأي ثمن ومن أية جهة، وأن يتطلع الشاب الفلسطيني والفتاة الفلسطينية إلى الحصول على تقدير الآخرين من أشباح الإنترنت وعلى عطفهم ومدحهم، وأن يقع المواطن الفلسطيني في فخ الاستخبارات الصهيونية بسبب خوفه من نقمتها عليه أو بسبب عجزه عن التعامل بحكمة مع إغراءاتهم. هؤلاء بحاجة إلى مختصين نفسيين لتقييم صحتهم النفسية، وللوقوف عن كثب على حقيقة الأمراض النفسية التي تجعل الشاب والفتاة عرضة للسقوط الأخلاقي والأمني. ولا بد من الاهتمام أكثر بعملية تحصين المواطن من الداخل وزيادة وعده الأمني والوطني.
9/5/2010