:: :: ايام من عصر الطاغية المجرم حسنى مبارك
سعد الدين الشاذلى و550 يوما فى السجن الحربى .
طالبوه بكتابة التماس لمبارك فرفض وفضل السجن علي الانحناء..
------------------------------------------------------------------------
يقول اللواء محمد أشرف راشد قائد السجن الحربي وقتها كنت ملازما أول ضمن قوات المواجهة خلال حرب الاستنزاف ننتظر: توجيهات الشاذلي رئيس الأركان مشفوعة بأساليب التصرف في المواقف الصعبة.. لننطلق بعدها في مجموعات تعبر القناة وتهاجم النقط الحصينة في خط بارليف.. ونعود بالأسري ونماذج من أسلحة العدو وخرائط مواقعه وخططه مخلفين وراءنا رعبا وخسائر ورسائل يفهمها العدو الصهيوني.. كنا نشعر بالزهو والثقة في القيادة.. ونري في توجيهات الشاذلي الشهرية دروسا نحفظها في القلوب والعقول.. لم اتخيل يوما مهما اشتط بي الخيال.. أو داهمتني الكوابيس.. أن أري الشاذلي بكل ما يمثله سجينا.. وأنا السجان.. وعندما انتفضت منتصبا أمامه وأديت له التحية العسكرية.. كنت مدفوعا بشرفي العسكري.. وحسي الوطني.. لم أفكر لحظة في مستقبلي الذي وضعته علي كف عفريت.. وعندما استدعيت في اليوم التالي لمكتب وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة.. ودوي في مسامعي صوت المشير طنطاوي.. 'إن الخلاف السياسي مع الفريق سعد الشاذلي.. لا ينسينا أفضاله علي الجيش وعلي مصر كلها' استرحت.. وفوجئت باتصالات قادة الأسلحة وعروضهم التي مكنتني من تجهيز جناح يليق بإقامة 'الشاذلي' في جزء مستقطع من مستشفي السجن.. ملحقا به حجرة 'جيم' مجهزة لممارسة رياضته اليومية.. وغبطة تحيط بي لأنني سأكون قريبا من أحد أهم رموز العسكرية المصرية.. 'الشاذلي' واعتبرتها أنا مكافأة أكثر من ربع قرن من العمل الاحترافي العسكري.
كان الرجل قد تخطي السبعين بعدة سنوات.. دون أن تلحظ أي أثر لذلك أو لسنوات التنقل بين المنافي بعيدا عن مصر.. كان هو.. هو.. الشاذلي.. الصلب كسنديانة.. اليقظ كشاب يتفجر بالحيوية.. صافي الذهن كحكيم.. شديد الحرص علي كل ثانية من الوقت.. يحفظ نتائج التحاليل الطبية الدورية وتطوراتها.. ويناقش الأطباء الذين يترددون عليه بدقة كأنه من كبار المتخصصين.. ويجلس بالساعات مع أساطين القانون من هيئة الدفاع عنه: د. محمد حلمي مراد.. د. محمد سليم العوا.. عبد الحليم رمضان يناقشهم في التفاصيل كفقيه دستوري.. ثم يطلب مني لائحة السجون التي أشرف بنفسه علي وضعها عندما كان رئيسا للأركان ليستعيد ما فيها لأنه يحب أن يعرف حقوقه وواجباته دون أدني تجاوز أو استثناء.. أما احتياجاته اليومية التي تشغل الكثيرين فلم يكن لها أي اعتبار.. وعندما جلست معه لتحديد نظامه اليومي الذي يحب أن يحافظ عليه.. فكان: الاستيقاظ في السادسة صباحا ليصلي الصبح ويقرأ القرآن لمدة نصف ساعة.. ثم ممارسة الرياضة علي الأجهزة المرتبطة بجهاز تحديد الوزن.. والسرعات لمدة ساعتين.. وبعدها الحمام.. والافطار المكون من ملعقتي فول وقطعة من الجبن وربع رغيف وكوب من اللبن.. ليطالع بعدها الصحف بسرعة مع وضع علامات لما ينوي قراءته بدقة.. ثم يتفرغ لقراءة متأملة للقرآن مع تسجيل آيات بعينها في نوتة يحتفظ بها.. للاستعانة بها في كتاباته.. وبعدها متابعة نشرات الأخبار في التليفزيون.. وعندما تعلن الثالثة يتناول طعام الغداء المكون من خضار سوتيه وقطعة لحم لا تزيد علي 90 جراما وملعقتي أرز بالعدد.. لينام بعدها لمدة ساعة واحدة.. وعند الخامسة ثمرة طماطم واحدة ومثلها ثمرة خيار يقوم بتقشيرها وتناولها.. ثم العودة لقراءة الصحف ومتابعة نشرات الأخبار.. والعشاء زبادي وملعقة عسل.. والنوم عقب نشرة التاسعة مباشرة.. وخصص له مجند خريج فنادق لتلبية مطالبه.. وجندي حراسة واحد أمام جناحه.. ولم يكن ممكنا أن يستمر برنامجه اليومي كما حدده دائما.. خاصة الفترة المسائية أمام رغبتي الملحة في الاستفادة.. ورغبته في المؤانسة.. وكان يوم الخميس مخصصا لزيارة أسرته.. الزوجة والبنتين والأحفاد.. ومن يشاء من عائلته.. أما الزيارات الرسمية من هيئة دفاعه أو غيرهم فكانت تتم في أي وقت بمجرد الحصول علي إذن النيابة العسكرية.. وكانت زياراته تتم عادة في الصالون الملحق بمكتب قائد السجن.
ويسرح اللواء أشرف راشد لحظة ليضيف: كان الشاذلي مدرسة عسكرية تتحرك علي قدمين.. مع خلفية دينية اكتسبها من نشأته الريفية.. وتزاوج الالتزام الديني مع التربية العسكرية والمواهب والكفاءة الشخصية في صياغة 'الشاذلي' كرمز عسكري يتعامل مع كل المواقف من هذا المنطلق.. وبذات المنطق.. في أول يوم له اصطحبني في جولة تفقدية للمبني الذي سيقيم فيه.. والمباني المجاورة.. ثم صعدنا لسطح المبني.. كنت أتابعه بشغف وألف سؤال وسؤال يلح عليّ.. وعند انتهاء الجولة أشار عليّ بتكثيف الخدمات في بعض الأماكن.. وإغلاق أماكن أخري في أوقات محددة.. ثم رمقني بنظرة متفحصة.. وقال: هل عملت لبعض الوقت كضابط استطلاع في الجبهة؟ قلت: نعم.. وفهمت الرسالة.
السجن أحب إليه
يقول اللواء أشرف راشد القائد رقم 6 في تاريخ السجن الحربي: بعد وصول الفريق الشاذلي بعشرين يوما.. استدعاني اللواء هتلر طنطاوي وكان وقتها أميناً عاما لوزارة الدفاع لكي اصطحب زائرين علي درجة كبيرة من الأهمية للفريق الشاذلي.. وفي مكتبه وجدت اللواء جلال الديب ولواء آخر نسيت اسمه قالوا إنه مندوب رياسة الجمهورية.. واصطحبتهما لزيارة الشاذلي في التاسعة مساء.. حيث طلبا منه كتابة التماس للرئيس السابق حسني مبارك حتي يتم الإفراج عنه.. وثارت ثائرته.. مؤكدا أنه يفضل أن يسجن طوال حياته علي أن يلتمس العفو من أحد.. عن اتهام ملفق وادعاء باطل لا قيمة له.
واستمر الحوار حتي الرابعة من صباح اليوم التالي دون أن يتزحزح الفريق الشاذلي عن موقفه.. قال إن حسني مبارك يعرف الحقيقة وشارك السادات فيما حاول إلصاقه بي.. ولو كان يعرف قيمة العدل فليأمر بإعادة المحاكمة لأنني حوكمت غيابيا.. حتي يفصل القضاء في الأمر بعد سماع دفاعي.. أما التماس العفو فهو يعني الاعتذار عن أسباب خلافي مع السادات.. والتراجع عن آرائي التي أثبتت تطورات حرب أكتوبر صحتها.. في مواجهة تدخلات السادات في مجريات الحرب وهو غير مؤهل لذلك.. لأنه بحكم العلم العسكري رجل مدني.. لأن خدمته العسكرية لم تتعد 3 - 4 سنوات كان وقتها ضابط إشارة في وقت لم يكن لسلاح الإشارة أي أهمية.. ومعني ذلك أن أجبر علي خلع تخصصي وحياتي وتاريخي العسكري.. واتنكر لكل ذلك.. وهو ما لم ولن أقوم به أو أسمح لأحد بمناقشتي فيه.
الف رحمة عليك ايها الجنرال المحترم يوم وفاتك هو يوم تنحى الطاغية 11 فبراير 2011 وصلى عليك ملايين الثوار ضدة بالتحرير يومها ( عبرة الزمن )
وتدخلت في الحوار.. قلت للفريق الشاذلي إن وجودك في السجن يمثل عبئا نفسيا يصعب علينا احتماله.. ولا أجرؤ علي مطالبتك بكتابة التماس.. فلتكتب طلبا بحقك في الإفراج.. كحق وليس منة من أحد.. فرفض صائحا.. مبارك ومن معه يعرفون أن السادات ومن رضخ لرغبته هم الأحق بالسجن.