الشعب الفلسطيني ضحية الهولوكوست النازي والإسرائيلي
د. غـازي حسيـن
يسيطر مفهوم الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني والعرب على التفكير الديني والسياسي والعسكري للأحزاب والحكومة والشعب الإسرائيلي.
وتعود جذور الإبادة الجماعية للفلسطينيين والعرب إلى الفكر والممارسة في التاريخ اليهودي. ويشمل مفهوم الإبادة الجماعية ارتكاب المجازر الجماعية والحروب العدوانية وتدمير القرى والمدن والمنجزات العربية وإتباع سياسة الأرض المحروقة، ومصادرة الأراضي العربية وتهويدها وتهويد المقدسات العربية الإسلامية منها والمسيحية، وإتباع سياسة التصفيات الجسدية بأحدث الطائرات والصواريخ الأميركية. وتستخدم «إسرائيل» فرق القتل السرية التابعة لجيشها وعمليات القصف العشوائية لقتل الأطفال والنساء في منازلهم وغرف نومهم.
وسخرت الأسلحة الكيميائية والبيولوجية واليورانيوم المستنفد وحقن أطفال الانتفاضة الأولى بفايروس الايدز وإجراء التجارب الطبية المحرمة دولياً على الفدائيين (رجال المقاومة) وسرقة الأعضاء البشرية من رجال المقاومة للتخلص من الإنسان الفلسطيني ومنع تكاثره.
واستخدمت الحروب العدوانية وعمليات القتل والتدمير بالقنابل الانشطارية والفسفورية والفراغية ومجازر صبرا وشاتيلا لإبادة أكبر عدد ممكن من العرب الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين. واتبعت سياسة الأرض المحروقة وقتل البشر والشجر والحجر وقتل الأطفال وتوجيه رصاص الجيش الإسرائيلي إلى العين والرأس والقلب، مما يعبر عن حقد وكراهية وهمجية الجندي الإسرائيلي ومعاداته لأبسط المفاهيم الإنسانية والحضارية وتقاليد وأعراف الحروب.
وترمي /إسرائيل/ من استخدام الأسلحة والذخائر المحرمة دولياً إلى إبادة الإنسان الفلسطيني وتعريضه للمعاناة الدائمة والخطر المستمر وتلويث بيئته لمنع تطوره وتقدمه.
فجيش الاحتلال والشعب الإسرائيلي يتعاملان مع الإنسان الفلسطيني من منطلق إبادته والقضاء عليه أو ترحيله من وطنه لفسح المجال أمام تجميع يهود العالم في وطنه فلسطين. ويتعامل اليهودي مع العربي من منطلق عدم الاعتراف بوجوده وحقوقه في أرضه ووطنه وإنكار الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وحتى حقه في الملكية ومصادرة أراضيه وإقامة المستعمرات اليهودية عليها. وبالتالي يتعامل معه من منطلق الحقد والكراهية والرفض لوجوده للاستيلاء على أملاكه وأرضه وترحيله منها، مما يظهر بجلاء نفسيته المريضة الرافضة لأبسط الحقوق والمبادئ الإنسانية. ولا تزال الإبادة الجماعية هي العنصر المسيطر على ممارسات الحكومة وجيش الاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع الشعب الفلسطيني الرافض للاحتلال والتهويد والترحيل وتسخر «إسرائيل» بالرغم من الاتفاقات الموقعة، وبالرغم من تجريد الشعب الفلسطيني من كل الوسائل الممكنة للدفاع عن نفسه كل طاقاتها العسكرية والسياسية والإعلامية والدبلوماسية وكأنها في حالة حرب حقيقية مع هذا الشعب الأعزل مستخدمة أحدث الطائرات والصواريخ والدبابات في ظل دعم أميركي داخل مجلس الأمن وخارجه وصمت أوروبي مطلق. لقد قررت الصهيونية منذ البداية أن تعتمد استخدام القوة والمجازر الجماعية وممارسة العنصرية والإرهاب والاستعمار الاستيطاني كسياسة رسمية في التعامل مع الفلسطينيين والعرب. وقررت إسرائيل تنفيذ المخطط الصهيوني القائم على أساس إبادة الآخر والتخلص منه ومن وجوده بكل الوسائل والأشكال الممكنة وغير الممكنة.
وتتخذ من العنصرية والإرهاب والإبادة الجماعية سياسة رسمية علنية لإبادة الفلسطيني ومسحه من الوجود بالوسائل العنصرية والإرهابية والاستعمارية كلها والحيل والأكاذيب اليهودية.
وورثت «إسرائيل» وورث جيش الاحتلال الإسرائيلي أساليب العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة التي تدربت على أساليب النازيين. واعتمدت أساليب العصابات اليهودية التي ارتكبت مجزرة دير ياسين الجماعية. وبالتالي رفضت وترفض «إسرائيل» الالتزام بالعهود والمواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني. وترفض الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني وحقوقه وفق مخططها الهادف إلى إقامة «إسرائيل الكبرى» من النيل إلى الفرات ومن القدس وإلى مكة المكرمة والمدينة المنورة مروراً بالقاهرة وحتى بغداد.
لقد انهارت بعد القضاء على النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا والعسكرية في اليابان جميع المفاهيم والمقولات والنظريات العنصرية والفاشية بما فيها الحركات اللا سامية، باستثناء الصهيونية التي استغلت جرائم النازية لإقامة «إسرائيل» في فلسطين العربية والحصول على التعويضات الألمانية الهائلة من أموال وأسلحة لا مثيل لها في العلاقات الدولية والتاريخ البشري.
وتراجعت الحركات والنظريات العنصرية. وتبنت الأمم المتحدة في الكثير من القرارات والعهود الدولية مكافحة النازية والعنصرية والتمييز العنصري والأبارتيد.
واستغلت الصهيونية معاداة المعسكرين الغربي والشرقي للنازية لتأسيس «إسرائيل» وتقويتها في الوطن العربي.
وصعدت اليهودية العالمية إلى القمة في الولايات المتحدة الأميركية. وتسيطر حالياً على المفاصل الرئيسية في البيت الأبيض ووزارات الخارجية والدفاع والمالية ومجلس الأمن القومي وأعضاء الكونغرس ومعظم حكام الولايات الأميركية.
وازداد يهود العالم غنى وثراءً ونفوذاً وامتيازات في البلدان الأوروبية وعلى حساب دافعي الضرائب في ألمانيا وسويسرا وبقية البلدان الأوروبية.
وازدادت عنصرية قادة «إسرائيل» وحاخاماتها والشعب الإسرائيلي بشكل لا مثيل له على الإطلاق في العالم. وأصبحت تربية الطفل اليهودي في كل مكان وبشكل خاص في الولايات المتحدة الأميركية على حد قول الروائي الأميركي فيليب دوت تتلخص في ثلاث كلمات: «اليهود هم الأفضل».
ونجحت اليهودية العالمية في تسخير المؤسسات العسكرية في بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة في خدمة العسكرية الإسرائيلية وحروب «إسرائيل» العدوانية وتهويد فلسطين العربية وإقامة المستعمرات اليهودية على أنقاض القرى والمدن العربية التي دمرتها وتدمرها.
ورسخت صورة «إسرائيل» بالحمل الوديع وقلعة الديمقراطية «وضحية الإرهاب العربي»، وذلك للاستمرار في الحصول على الأموال الطائلة والأسلحة الحديثة والدعم السياسي والمالي والعسكري والإعلامي لإسرائيل. ودمغت كل انتقاد أو معارضة للإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني بالعداء للسامية. وخدم ويخدم الحديث عن اللا سامية واختلاق الأكاذيب والمبالغة حولها الاستمرار في جمع الأموال والأسلحة الحديثة لإسرائيل وجعلها الملاذ الوحيد لليهود من خطر اللا سامية المزعومة. وتتجلى عنصرية الصهيونية وإسرائيل بتصوير الهولوكوست النازي وكأنه ضد اليهود فقط والتغاضي عن إبادة النازية لعشرات الملايين من أبناء الشعوب الأوروبية، وذلك لأن اليهودية تعتبر أرواح اليهود أفضل من أرواح الأغيار ولا يمكن أن تقارن بفقدان حياة روسي أو ألماني أو بولندي أو عربي. وترغب اليهودية العالمية بعدم الإقرار بإبادة النازية للغجر والمعادين لها، كي يبقى الهولوكوست حصراً على اليهود، لأنه عندما تعترف بالإبادة الجماعية لهؤلاء المعادين للنازية، فإنها لا تستطيع أن تزعم أن الهولوكوست شكل ذروة كراهية الأغيار لليهود. واستغلت «إسرائيل» تحصينها بمعزوفة الهولوكوست النازي وصمت الغرب على الهولوكوست الإسرائيلي الذي بدأته عام 1948 بحق الشعب الفلسطيني وتابعت ارتكابه حتى اليوم بأحدث أنواع الأسلحة والذخائر والطائرات والصورايخ الأميركية وبدعم سياسي وإعلامي من جميع الدول الغربية.
وتابعت اليهودية العالمية استغلال الهولوكوست النازي للتغطية على الهولوكوست الإسرائيلي لذلك اعتبر أن الهولوكوست الإسرائيلي أفظع وأخطر وأكثر وحشية وهمجية من الهولوكوست النازي. فالنازية كانت تتذرع بعدم وجود مواثيق دولية تمنع الإبادة الجماعية، بينما لا تستطيع إسرائيل أن تتذرع بذلك بسبب التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة وعلى العهد الدولي لتحريم الإبادة الجماعية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعديد من العهود والمواثيق الدولية التي تحظر الإبادة الجماعية والعنصرية والاستعمار والحروب العدوانية.
لقد عملت اليهودية العالمية و«إسرائيل» على تزوير وتزييف بعض الوقائع والأرقام المتعلقة بعدد ضحايا الهولوكوست النازي.
وسخرت الكذب والتضليل والرشوة والإرهاب الفكري والسياسي لتحقيق ذلك. واختلقت القصص والمذكرات والروايات الكاذبة التي لا أساس لها من الصحة من أجل المبالغة للحصول على المزيد من الأموال وهدايا الأسلحة الألمانية والأوروبية. فهزت يوميات الفتاة اليهودية أنا فرانك العالم، وطبع منها مئات الملايين من النسخ وتأثر بها البشر في جميع أنحاء العالم. وسوقتها اليهودية العالمية على أنها يوميات الفتاة اليهودية المسكينة ابنة الاثني عشر ربيعاً التي سجلت الأحداث اليومية التي عاشتها في معسكر الاعتقال الألماني. وبعد أن أدت هدفها في خدمة المنظمات اليهودية وإسرائيل تبين بأنها كذبة كبرى ومجرد خيال، وذلك عندما اختلف الروائي مائير ليفين الذي كتب اليوميات من نسج خياله مع والد الفتاة حول نسبة الأرباح الهائلة من دخل الرواية ورفع دعوة عليه في المحكمة العليا في نيويورك، لأنه هو الذي كتب الرواية وليست الفتاة.
يقول الكاتب الأميركي جيم تايلور «أعلمني أحد رسامي الوشم الأميركيين أن معظم زبائنه من اليهود يطلبون منه وشم أذرعهم بأرقام نازية مزورة ليظهروا للعالم أنهم سجناء معسكرات نازية سابقين وليطالبوا بالتعويض الذي يرونه مناسباً ولن يجرؤ أحد على مناقشتهم إن كانت هذه الأرقام صحيحة أم مزيفة».
وتناول المهندس الفرنسي هنري روك موضوع «أفران الغاز» في أطروحة الدكتوراه التي دافع عنها في جامعة تانت بفرنسا. وحصل في 15 حزيران 1985 على درجة جيدة جداً عليها.
وبين في أطروحته تناقض وكذب ولا تاريخية ولا علمية الشهادات الشفوية التي قدمت حول غرف الغاز. وشنت المنظمات اليهودية حملة صحفية عليه، مما حمل وزير البحث والتعليم العالي الفرنسي آلان فاكيه إصدار قرار وزاري يلغي فيه الدكتوراه التي حصل عليها روك وتسريح الأستاذ المشرف على الأطروحة من الجامعة.
فأين حرية القول التي تتبجح بها دول الاتحاد الأوروبي؟ ولا تزال تستخدم المنظمات اليهودية معزوفة الهولوكوست بعد مرور 75 عاماً عليها لإجبار دول وشعوب العالم السكوت على الهولوكوست الذي ترتكبه بحق الشعب الفلسطيني منذ عام 1948. وتحتفل «إسرائيل» والمنظمات اليهودية سنوياً بذكرى المحرقة ولكنها تتجاهل ضحاياه من غير اليهود وتعمل فقط بتذكير العالم بما حدث لليهود وتجبره على الصمت والسكوت على الهولوكوست الجديد الذي ترتكبه «إسرائيل» يومياً على مرآة من العالم ومسمعه بحق الشعب الفلسطيني.
إن تخليد الهولوكوست النازي وإحياء ذكراه بشكل دائم ومستمر يخدم ابتزاز «إسرائيل» لدافعي الضرائب في ألمانيا وسويسرا والنمسا، ويؤكد أن اليهود مصاصو دماء الأغيار ومحتالون وكذابون. وإن التذكير المستمر به يخدم الحصول على المزيد من الأموال والمزيد من الدعم لسياسة «إسرائيل» العنصرية والإرهابية والاستعمارية ولتبرير الهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.
عندما بدأت إحدى المحاكم البلجيكية محاكمة السفاح ومجرم الحرب شارون على مسؤوليته في مجازر صبرا وشاتيلا صرح قائلاً: «نعارض أصلاً في فتح تحقيق، لا يحق لأي كان في العالم أن يقدم «إسرائيل» إلى المحاكمة، ليس هناك حق لأحد أن يحيل اليهودي على محاكمة أمام شعوب العالم، بل العكس نحن دائماً لنا حق محاكمة الآخرين».
يؤكد د. نورمان فنكلشتاين في كتابه «صناعة الهولوكوست» أن المنظمات اليهودية الأميركية تستغل الهولوكوست لنشر الأكاذيب والسكوت عن جرائم «إسرائيل» البشعة وللشراهة والطمع المالي. ويؤكد أن الاستغلال البشع للهولوكوست شجع على إحياء النزعات المعادية للسامية في أوروبا والولايات المتحدة. ووصف التعويضات الجديدة التي دفعتها البنوك السويسرية بأنها عمل من أعمال النصب والاحتيال.
لقد حولت المنظمات اليهودية و«إسرائيل» الهولوكوست إلى صناعة. فأقامت مراكز البحث والمتاحف والشركات الإعلامية والصحف من أجل الضغط والابتزاز وجمع الأموال والقضاء على أي نقد يوجه «لإسرائيل» لارتكابها الإبادة الجماعية والترحيل والعقوبات الجماعية تجاه الشعب الفلسطيني.
ويظهر الاستغلال الدائم للهولوكوست أن قادة المنظمات اليهودية و«إسرائيل» من أكبر المحتالين والنصابين والمخادعين والمبتزين في العالم.
وتعمل اليهودية العالمية على إبقاء جريمة النازية النكراء حية وراسخة في الوعي الإنساني لتكريس الدعم والتأييد «لإسرائيل» وفرض هيمنتها على البلدان العربية كمقدمة للهيمنة على العالم.
إن الهولوكوست أكبر ابتزاز وبدعة مبالغ فيها في تاريخ البشرية. خدم ويخدم الاستعمار الاستيطاني اليهودي في الأراضي العربية المحتلة وتمويل حروب «إسرائيل» العدوانية، وبناء المستعمرات اليهودية وتقوية طاقات «إسرائيل» العسكرية للسيطرة على الثروات والاقتصادات العربية وممارسة العنصرية والتمييز العنصري على الشعب الفلسطيني.
وهنا أتساءل كلاجئ فلسطيني: «هل فكر ضحايا النازية من اليهود وهم يموتون على أيدي جلاديهم أنه سيأتي اليوم الذي تستغل فيه المنظمات اليهودية و«إسرائيل» مأساتهم الإنسانية لتبرير ارتكاب «إسرائيل» الهولوكوست تجاه الشعب الفلسطيني؟
هل فكر هؤلاء الضحايا أو خطر ببالهم أن «إسرائيل» التي تتاجر بأرواحهم سوف تمارس الأساليب نفسها التي مارسها النازيون وتستثمر أرواحهم لتبرير جرائمها تجاه العرب؟
إن ابتزاز «إسرائيل» لمعزوفة الهولوكوست لم يقدم شيئاً لضحايا النازية من اليهود وإنما خدم ويخدم سياسة «إسرائيل» الإرهابية والعنصرية وتهويد فلسطين والمقدسات العربية وصرف انتباه الرأي العام العالمي عن جرائم الإبادة الجماعية تجاه الشعب الفلسطيني، لذلك يمكن القول: إن الشعب الفلسطيني أصبح ضحية مزدوجة للهولوكوست النازي والهولوكوست الإسرائيلي.