"ابن الذبيحين" : صلى الله عليه وسلم من العبارات التي مرت عليّ،فأعجبتني .. قول أحدهم أن السلف كانوا لا يرون فائدة من بحث "ما ليس تحته عمل"!! ولو طُبقت هذه المقولة،على روعتها،لتاهت تسعة أعشار أبحاثنا!! وإن في شيء من المبالغة .. وعلى كل حال .. لقد بحث السلف مسألة أي ابني سيدنا الخليل – عليه وعلى نبينا وعليهما السلام – كان "الذبيح" أو المفدى : أهو إسماعيل أم إسحاق؟وفي زاوية من الذاكرة .. وقال قوم هو إسماعيل .. وكل قول فله دليلإذا .. لا يتعلق الأمر هنا إلا بمحاولة التنزه في رياض كلام ربنا – سبحانه وتعالى – ومحاولة ربط بعض آياته،المتعلقة بالموضوع،ببعض،وطرح بعض الأسئلة .. عسى أن يكون ذلك ضمن "تدبر"كلامه جل وعلا..والتفكر فيه.نبدأ بسورة "الصافات" .. وقوله تعالى،عن "الخليل":(رب هب لي من الصالحين * فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعي قال يا ابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ما ذا ترى قال يا أبت افعل ما تُؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) الصافات 100 – 102إذا كان من المسلم به أن سيدنا "إسماعيل" هو "الأكبر" .. فهل نتصور أن سيدنا "زكريا" عليه السلام .. بعد أن رزقه الله – سبحانه وتعالى – سيدنا"يحيى" كان سيدعو ربه أن يهبه غلاما آخر؟هذا مجرد سؤال.كما أن قول الحق – سبحانه وتعالى – (فلما بلغ معه السعي) لابد أن تطير بنا إلى آية أخرى .. ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا.. ) البقرة 127كأننا نجد أنفسنا في مسار واحد .. في جو واحد.. وتذكر بوسوسة الشطيان لـ"الخليل"ألا يذبح ولده ..ثم .. لاشك أن أمر "أبٍ "بذبح ابنه ،ولو كان له من الولد عشرة ... هو ابتلاء .. ولكن أمر "أبٍ"أن يذبح ابنه الوحيد،والذي رُزقه على كبر "ابتلاء مبين"ولا ننس أن "الذبيح" أيضا ابتلي كما ابتلي "الخليل" ونرى تلك المشاورة التي لا أعرف لها اسما في لغة الكلام!( .. أذبحك فانظر ما ذا ترى) .. ويأتي الجواب اليقيني .. المملوء سكينة .. وفي آية واحدة .. هل يعني ذلك عدم التردد ؟(يا أبتِ ) بهذا النداء الذي يقطر رأفة ورحمة .. كأني به يرحم والده الذي سيبقى في الدنيا بعده،أكثر مما يرحم نفسه التي ستزهق!! ( يا أبت افعل ما تُؤمر).فلما أسلم النبيان الكريمان للأمر .. ( وتله للجبين) .. جاء الفرج من أرحم الرحمين وأكرم الأكرمين .. الرؤوف الرحيم .. وجاء الفداء بالذبح العظيم .. توالت الجوائز على"الخليل" مدحا من رب العالمين .. ( وتركنا عليه في الآخرين * سلام على إبراهيم * كذلك نجزي المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين * وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين) الصافات 108 – 112السؤال هنا .. هل هذا المُبشر به في الآية (112) هو نفسه المبُشر به في الآية (101) ،والذي كان متلولا للجبين في الآية ( 103)!!مع أن الكلام في سياق مدح"الخليل"والجوائز التي حصل عليها .. إلا أننا نسال : هل "وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين" هي بشرى بالنبوة لا بالولادة؟وهل سيدنا"الخليل"بُشر بولديه؟ثم .. نجد أنه في سياق البشرى ب"إسحاق" في موضعين،لم يذكر المولى جل ثناؤه اسم المبشر به،بل "غلام عليم" – ولم يقل،جل من قائل "غلام حليم" كما في الصافات – حين جاء الملائكة الكرام سيدنا إبراهيم في طريقهم لهلاك "قوم سيدنا لوط" فلما لم يأكلوا ..(فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم * فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم ) الذاريات 28 – 29هنا بشروا"الخليل"فضحكت سيدتنا "سارّة" .. فإذا ذهبنا إلى سورة الحجر .. وفي نفس السياق،الملائكة في طريقهم لهلاك "قوم لوط" .. ( قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم) الحجر 53في هذه "البشرى"لم تظهر سيدتنا "سارّة" .. هل هو بسبب ظهور تلك التي ضرب الله – سبحانه وتعالى – بها مثلا للذين كفروا"امرأة سيدنا لوط"؟!أما في سورة هود .. فنجد :(فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط *وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بٍإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب * قالت يويلتى ءألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب ) هو 70 - 72هنا بشرا "بإسحاق" بالاسم .. ومن بعده "يعقوب"سؤال : إذا كان سيدنا"إسحاق"سينجب سيدنا "يعقوب" حسب البشرى،فكيف يؤمر بذبحه؟! ابن الذبيحين – صلى الله عليه وسلم - قرأت قديما لأحد شيوخنا الأفاضل،وهو القائل أن الذبيح"إسحاق" .. قال إن حديث "أنا ابن الذبيحين" حديث ضعيف.. كان ذلك في إحدى "الصحف" الورقية،ولم يزد على ذلك .. أي بالإشارة إلى درجة الضعف .. أو تخريج الحديث .. أردت أن أطلع على درجة ضعف الحديث ،فوجدت عجبا .. كلام كثير في "موقع أهل الحديث" .. مثل :( ما تعليقك على قول الشيخ صالح بن سعد اللحيدان في جريدة المدينة (( وكما ثبت في الصحيح "أنا ابن الذبحين" وهذا الحديث له عدة طرق فسنده عراقي مدني ،وذكره ابن الأثير والجزري في جامع الأصول وله عدة أسانيد)ازهـوأظن قوله "ثبت في الصحيح"خطأ من الجريدة وأن الصحيح قوله "كما ثبت في الحديث الصحيح")){موقع أهل الحديث }فشتان بين القول بأن الحديث ضعيف .. وما ورد هنا .. خصوصا إطلاق "الضعف" هكذا! ابتلاء الحبيب صلى الله عليه وسلم ..الحديث عن ابتلاء سيدنا "الخليل" بالأمر بذبح ابنه .. يجرنا للحديث عن ابتلاء سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بموت ولده "إبراهيم" سمي "الخليل" ..الحبيب – صلى الله عليم وسلم – في سن متقدمة .. يرزق بولد ذكر .. في البخاري1241 حدثنا الحسن بن عبد العزيز حدثنا يحيى بن حسان حدثنا قريش هو ابن حيان عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم عليه السلام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأنت يا رسول الله فقال يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى فقال صلى الله عليه وسلم إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) فدى الله – سبحانه وتعالى – "إسماعيل" بذبح عظيم .. وسالت روح سيدنا "إبراهيم" .. فسالت دمعة الرحمة من عين الحبيب صلى الله عليه وسلم ..وتنكسف الشمس يوم موت سيدنا "إبراهيم" فيقول الناس،انكسفت الشمس لموت إبراهيم ..فيقول صلى الله عليه وسلم"إن الشمس والقمر آيتان من آيا الله لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته" صلى الله عليك وسلم يا سيدي يا رسول الله. أبو أِشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني