--------------------------------------------------------------------------------

قصة "اللجنة الـــــمحلفة"

فــــي ذلك الصباح الربـــيعي من شــــهرأبـريل،كناقدأ نهينا دروس الحصة الصباحية،
وكالعادة كنا نجتمع نحن الاساتذة والأستاذات في قاعة صغيرة أشبه بالفناء من أجل التوقيع على دفتر الحضور،وبعدها يذهب كل واحد منا إلى حال سبيله.
لم نكد نسترجع أنفاسنا بعد ساعات من الزعيق والنفير والشد والجذب مع متعلمين يدوخون الدنيا ومن فيها،صغار بعقول كباريسألون عن الحلال والحرام متعمدين ذلك،ومن لم يفطن إلى أسئلتهم المفخخة انساق معهم وذهب الدرس أدراج الرياح،حتى أخبرتنا المسؤولة عن الإتصال بالمؤسسة إلى أن اجتماعا طارئا سيكون هذا المساء بمكتب المدير.
في ذلك المساء، بعد أن انهينا الحصة بدا لي وجه المديرمحتنقا وسحنته متغيرة وكأن على رأسه الطير،وقال بنبرة جادة:
ـ إن اللجنة المحلفة ستحل بمؤسستنا.
حدقت فيه عيون المعلمات والمعلمين بإشفاق،في حين كتم البعض الآخرابتسامة لها معنى،ولما رآى الصمت يخيم على الجميع،اعتقد أن كلامه قد أثر في الجماعة أضاف قائلا:
ـ إن اللجنة المحلفة لا ترحم وسوف تدقق في كل شيء،سوف تزور الأقسام وتطلع على الوثائق التربوية،وستبحث في كل صغيرة وكبيرة ..إنها لا ترحم.
وتابع كلامه مؤكدا:" اللجنة المحلفة لا تشبه باقي اللجان،فهي خبيرة في البحث والتقصي ..إنها لا ترحم.
ضحكت في سري من هذه الكلمة الرنانة التي وجدت لها وقعا في قلب مديرنا وهويردد" إنــها لا تــرحم".
ذكرتني اللجنة المحلفة هذه التي تحدث عنها السيد المدير بمحاكم التفتيش في أوروبا خلال مرحلة تاريخية معينة،ولست أدري لماذا ضخم المدير من حجم هذه اللجنة واختصاصتها،وكأنها الحق الذي لا يأتيه الباطل لا من خلفه ولا من ورائه.
أكثر مديرمؤسستنا من الحديث عن اللجنة المحلفة،ولكأنها الصاعقةأوالطامة الكبرى التي تأتي على الأخضر واليابس.
لم يكترث أحد من معــلمينا ومعـــلماتنا بأمر هـــذه اللجــــنة التي أضيفت إليها صفة
" المحلفة" باعتبارها نعتا.
لقد تعودنا على حلول هذه اللجان النيابية الى مؤسستنا،ولم نسمع قط أن هذه اللجان قد قدمت تقريرا لنائبها عن المعلمين والمعلمات المهضومي الحقوق،ولم تشر أية لجنة أثناء زيارتها عن معاناتنا اليومية وعن حرماننا من الضمان الإجتماعي والتعويض عن العطل ،وساعات العمل وباقي المناسبات الأخرى،وحرماننا من التغطية الصحية،فاي قيمة مضافة ستأتي بها هذه اللجنة التي سماها المدير لجنة محلفة؟.

لم نسمع أن لجنة نيابية دافعت عن حقنا في التكوين، والتكوين المستمر،بل بالعكس تدافع عن مصالحها الخاصة المتمثلة في الترقية، والحصول على شأنه أن يجعلهاغانمةسالمة التعويضات والمنح وكل مامن ،والإستــــفادة من امتيازات أخرى.
من كثرة التجارب العديدة العديدة التي عشتها والمحن التي مررت منها،لم أعد اصدق وعود هذه اللجان الكاذبة الماكرة.
ماذا عساها أن تفعل هذه اللجان المحلفة،لاشيء ستشرب العصيروتلتهم الحلويات وتحمد الله مما قسمه الله لها ،وتعود إلى مواقعها سالمة غانمة ، وتتوكل على الله، أما نحن فستكتفي بالنظر إلينا شزرا، مصعرة خدها نافخة أوداجها وتقول لنا:
" عليكم ببذل المزيد من الجهد حتى تنفجر قلوبكم وتذوي أجسامكم، وتنفطر مرارتكم حتى ترهقكم ذلة وبعدها تموتون ونرتاح منكم"
لأول مرة أسمع باللجنة المحلفة،ولست أدري لماذا سموها محلفة؟
هل لأن اللجان التي سبقتها لم تحلف في مصحف شريف؟ أومقام ضريح؟
كم عددالذين أقسموا أنهم لن يخونوا هذا الوطن،وكم عدد الذين حلفوا بأغلظ الأيمان أنهم سيبنون صرح هذا الوطن،وسيملؤونه عدلا بعدما امتلأ ظلما وجورا.
حلفوا ويحلفون ..وأقسموا وسيقسمون.
على ماذا حلفت هذه اللجنة؟ ومن حلفها؟ ولماذا حلفت إذا كانت تعتقد أنها مؤمنة وصادقة.
المدير يكرر على مسامعنا" اللجنة المحلفة لا ترحم" والله سبحانه وتعالى كتب على عرشه" ورحمتي سبقت غضبي"
اللجنة المحلفة قادمة .إنها لا ترحم.
تذكرت نوح والطوفان،والمؤمنين واصحاب الأخدود وفرعون وموسى.
جف عرقنا قبل أن نأخذ الأجروالمدير يؤكد للمرة الالف " ان اللجنة لا ترحم.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
http://khalidabdellatif.jee ran.com/profile


khalid-abdellatif@hotmail.c om