أطفال المخيمات والدعم النفسي
تدوينة بقلم : د. محمود نديم نحاس
أعلمني أنه وعمته سيسافران خلال إجازة عيد الأضحى المبارك إلى مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا من أجل الدعم النفسي لأطفال المخيمات الذين رأتْ أعينهم الأهوال، فأعلمته بأني أود أن أكتب مقالاً عنهم، وطلبت منه أن يوافيني بما يراه بنفسه وأن يتجنب النقل عن ناقل.
ما في الجعبة يملأ صفحات جريدة بأكلمها، لكن لابد من الاختصار. وهذه بعض مشاهداتهما وتعليقاتهما عليها:
طفل في العاشرة فقد إحدى رجليه من قذيفة سقطت أمامه عندما ذهب لشراء الخبز لأسرته. تمت معالجته في مستشفى ميداني، ثم نُقل إلى تركيا لإتمام المعالجة. كان صابراً رغم الألم، ولم يتوقف عن ذكر الله لحظة. وأمنيته أن تعود له رجله ليحقق طموحه ليكون لاعباً متميزاً في كرة القدم.
شاب في الخامسة عشرة كان في البيت مع أهله وبعض أقاربه، وفجأة دخل عليهم خمسة من شبيحة النظام وأطلقوا النار عشوائياً فقتلوا اثنين من الحاضرين وأصابوا الآخرين، وكان نصيبه طلقات في رجليه. وبعد خمسة شهور من العلاج صار يمشي على رجل واحدة مع عكاز.
أم فقدت أولادها الأربعة، اثنان قتلهما قناص، واثنان التحقا بالثوار وقُتلا في أحد الاشتباكات مع الجيش. وكانت حالتها النفسية صعبة جداً.
شاب تعرض للتعذيب الشديد لمدة أحد عشر يوماً وهم يطلبون منه الاعتراف بأن ابن عمه قام بعمليات إرهابية. نفسيته محطمة من منظر الناس الذين ماتوا تحت التعذيب أمامه.
في المخيمات، كانت الحالة النفسية للأطفال صعبة جداً، وكان هذا واضحا من مشاجراتهم التي تتم لأتفه الأسباب. وتُعزى حالاتهم النفسية إلى عدة عوامل، فقد رأوا الأهوال وسقوط الناس قتلى من حولهم، ومن كانت هذه حالتهم كانوا مصابين بالرهاب من أي صوت مرتفع حتى لو كان نشيداً، فالأصوات المرتفعة تذكِّرهم بأصوات الانفجارات وهدير الطائرات. ثم إن الوضع البئيس الذي يعيشون فيه في الخيام بعد أن كانوا يعيشون حياة عز في بيوتهم زاد من مشكلتهم. ويُضاف إلى ذلك الحالة النفسية الصعبة للآباء والأمهات والتي تنعكس على طريقة معاملتهم لأولادهم فتزيد الحالة النفسية للأطفال سوءاً.
عندما طُلب منهم أن يعبِّروا عن أحلامهم بالرسم رسم معظمهم الرئيس مشنوقاً، أو مقتولاً، أو باكياً، أو مكشراً عن أنيابه. وبعدما سمعوا قصة بعنوان: عالم الألوان، سئلوا: ما لون سوريا؟ أجاب بعضهم بأنها خضراء للإشارة إلى مروجها، وبعضهم بأنها زرقاء للإشارة إلى صفاء سمائها، في حين قال كثيرون بأنها حمراء، في إشارة إلى لون الدم الذي رأوه غطى أرضها.
في أحد البرامج الترفيهية عرضت عضوات فريق الدعم النفسي أن يقمن بالرسم على وجوه الأطفال، كل حسب طلبه، فطلب معظمهم رسم علم الثورة وكتابة هتافات الثورة.
وعندما تم توزيع ألعاب على الأطفال طلب أحدهم ساعة بن تنBen 10 التي يراها في أحد برامج الأطفال والتي يلبسها شخصية كرتونية ليتحول إلى وحش ويقاتل الأشرار.
إنهم فعلاً بحاجة لمتخصصين نفسيين لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة الناتج عن الهلع والخوف بسبب ما رأوا من مصائب. ومن الأعراض الملحوظة الهياج والصياح عند سماع الأصوات المرتفعة حيث تأتيهم حالة هستيرية أو نوبات من الفزع والكوابيس. والجميع لديهم كم من الذكريات السيئة التي عاشوها قبل هجرتهم.
ورغم أن حالاتهم مختلفة فهم يشتركون في شيء واحد، وهو الأمل في العودة سريعا إلى بلدهم وبيوتهم. وقد أعرب بعضهم بأنهم بعد عودتهم سيساعدون كل من هو بحاجة لمساعدة بعد أن لمسوا أهمية العمل الإغاثي، ليعيدوا البسمة لمن يحس بالعجز والقهر، في حين يتمنى بعضهم سماع أخبار مفرحة إذ يشعرون أن بينهم وبين الموت شعرة.
لقد حققت الرحلة القصيرة أهدافها في الترفيه عن الأطفال الهاربين مع أهليهم من القصف الجوي، وأعطتهم فرصة للتعبير عن مكنوناتهم بتركهم يتحدثون ويرسمون ما في دواخلهم، إضافة إلى غرس بعض المفاهيم والمبادئ الأخلاقية والتربوية. ولئن كان العمل التطوعي هو الأساس في مثل هذه الحالات لكن لابد من توفر دعم من الجهات الإنسانية لزيادة المشاركة في مثل هذا العمل المهم، وتوفير مستلزماته، واستمرار عطائه، ليشمل كل مخيمات اللاجئين في الداخل السوري وفي دول الجوار. إنه اختبار للعالم أجمع لنعرف إن كانت دعاوى حقوق الإنسان حقيقة أم مجرد كلام.