مَنْ يعيدُ البنتَ للأوطانِ مَنْ

د. محمود نديم نحاس
عندما كتب الشاعر سليم عبد القادر قصائد ألبوم "عودة ليلى" الذي يتحدث عن طفلة فلسطينية أخرجها الجنود الإسرائيليون من بيتها، تاركة وراءها ألعابها منثورة، ربما لم يدر في خلده أنه سيأتي يوم تنطبق فيه قصائده على أطفال بلده الجريح سوريا.
شاعر النفحات الإيمانية وشاعر الأطفال سليم عبد القادر، استطاع أن يؤدي رسالته الهادفة بأسلوب فني رائع، فكتب قصائد الإرشاد من بحور الشعر القابلة للإنشاد، فأوصل رسالته من خلال مضامين كلمات راقية، مفعمة بالقيم، مع الحفاظ على السوية الفنية العالية التي تجذب الناس وهم ينشدونها لإشباع رغبتهم للطرب، وتم من خلال الطرح الجمالي تقديم القيم والسلوكيات بطريقة فنية غير مباشرة. والأجمل من كل هذا هو أن قصائده كلها بالفصحى، لغة القرآن الكريم، ولغة العرب حيثما كانوا، قدمها خدمة للذوق الأدبي والفني والدين الحنيف.
سبق لي أن كتبت عن ألبومه (نبع الحب) الذي علّم فيه الأطفال الحب الحقيقي، واليوم ونحن نرى أطفال سوريا في العراء أو في المخيمات نتذكر ألبومه (عودة ليلى)، الذي يعطينا الأمل بأن هؤلاء الأطفال سيعودون إلى بيوتهم، ونسأل الله أن يكون ذلك في القريب العاجل. ولا يتسع المقام إلا لبضع أبيات مختارة من عدة قصائد من الألبوم، وهذه اختياراتي:
ليلى بنت كالقمرِ *** أحلى من كل الصورِ
ولها بيت من فرحٍ *** في حقل حلو الشجرِ
كانت تصحو في الفجرِ *** تشهد أسراب الطيرِ
أو تجري بين الزهرِ *** أو تتلو بعض السورِ
ذات مساء هبت ريحْ *** وأتى جيش الغدر يلوحْ
خافت ليلى أين تروحْ *** من شر لم ينتظرِ
خرجت ليلى عصفوره *** من قريتها مذعوره
نسيت لعبا منثوره *** هربت من وجه الخطرِ
عاشت ليلى في الغربه *** تذكر قريتها العذبه
والقلب يناجي ربه *** بالعودة بعد السفرِ
*************************
حينما قد خرجت ليلى تسيرْ *** ذات يوم تحمل الحزن الكبيرْ
لم تكن تدري إلى أين المصيرْ *** راحت الأشجار تبكي والزهورْ
الأزاهير وأسراب الحمام *** لم تزل تسأل عنها باهتمام
واكتوت ليلى بألوان المحنْ *** غير أن البنت لم تنسَ الوطنْ
حبه في قلبها الغض سكنْ *** مَنْ يعيدُ البنتَ للأوطانِ مَنْ
*************************
وقفت ليلى بعد الفجرِ *** تحكي قصتها للطيرِ
كان هنالك ذات زمانْ *** أرض ضاحكة الألوانْ
من حول حقول الزيتون *** فيها، وحقول الليمون
تمتد سهول وتلال *** يتبسم بحر ورمال
تلك بلادي يا أصحابي *** مازالت فيها ألعابي
وأتاها في الليل شتاءْ *** زلزال هز الأرجاءْ
وتحدى الزلزال رجال *** ماتوا ليعيش الأطفال
قالت في الحال الأطيار *** سوف تعود إليك الدار
كانت ليلى ترسم حلما *** ترجو أن تلقاه يوما
*************************
جلست ليلى في الدارِ *** تحت ظلال الأشجارِ
ترسم طائرة أحلى *** من أوراق الأزهارِ
لما قد فرغت منها *** بين يديها حملتها
راحت تجري فرأتها *** تعلو فوق الأسوارِ
تركتها لما طارتْ *** في الجو العالي صارتْ
وبأعلى صوت قالتْ *** انطلقي لا تحتاري
قالت في حب طيري *** نحو الوطن المأسورِ
فوق روابيه دوري *** هاتي بعض الأسرارِ
ولقريتنا لا تنسي *** أن تحكي عن أخباري
قولي إني راجعةٌ *** قولي إني عائدةٌ
ومن العودة واثقةٌ *** مهما طالت أسفاري
*************************
تجمع الأطفال في الربيعِ *** على بساط أخضر بديعِ
وأرسلوا رسالة لليلى *** على جناح الطائر السريعِ
قالت هدى بصوتها الشفاف *** لا تحزني يا أخت لا تخافي
لابد في نهاية المطافِ *** للموطن الحبيب من رجوعِ
قالت نهى كم ذقت من عذاب *** فأبشري يا أخت بالإيابِ
ولتأخذي الأجمل من ثيابي *** لتمسحي ما كان من دموعِ
وقال محمود بصوت عالي *** سترجعين فاذكري أقوالي
لموطن الجمال والجلالِ *** للبيت والبستان والينبوعِ
وقال سعد وابتسام إنّا *** بكل طفل في الحياة جئنا
في صفك العادل قد وقفنا *** فأنت بعد اليوم لن تضيعي
*************************
فوق أكتاف الغمامه *** أقبلت يوما حمامه
تحمل البشرى فقالت *** في سرور وابتسامه
أختكم ليلى انظروها *** كيف عادت بالسلامه
أقبل الأطفال سعيا *** يسبقون الريح جريا
يحملون الزهر حلوا *** في أياديهم نديا
فرشوا الدرب وقالوا *** أقبلي يا أخت هيا
أقبلت ليلى تقول *** موطني هذا الجميل
كل شيء فيه حلو *** الروابي والحقول
ماله في الأرض عندي *** يا أحبائي مثيل
وابتدا عمر جديد *** كل ما فيه سعيد
فرحةٌ، حبٌّ، سلام *** بهجةٌ، عيشٌ رغيد
وانتهت قصة ليلى *** مثلما الله يريد
*************************
بقي أن أقول أن ألبوم "عودة ليلى" من إصدار شركة سنا، وقد صُوِّر بفيديو كليبات رائعة تألقت فيها الطفلة السورية هالة الصباغ التي أنشدت القصائد.