مخاطر التطبيع
د.غازي حسين
يعتبر أبا إيبان، وزير الخارجية (الإسرائيلي) الأسبق، وأحد قادة حزب العمل البارزين أول من أطلق كلمة "التطبيع"، وذلك بعد حرب حزيران العدوانية، التي أشعلها العدو (الإسرائيلي) عام 1967. ويعني التطبيع بحسب مفهوم أبا إيبان إقامة علاقات طبيعية بعيدة عن أجواء الحرب والقتال وفي جو من التعاون والسلام.
ويطالب العدو (الإسرائيلي) باستمرار في تطبيع العلاقات مع العرب دون أن يغيّر من إيديولوجيته الصهيونية وأهدافه في إقامة (إسرائيل العظمى) على حساب الأرض والحقوق والثروات العربية كما يتعامل مع عملية التسوية باستخفاف واستعلاء كبيرين، وممارسات إرهابية واستيطانية وعنصرية لا مثيل لها في العالم على الإطلاق.
وتسخّر (إسرائيل) التطبيع لإعادة تشكيل العقل العربي وحمله على:
أولاً: القبول بالوجود (الإسرائيلي) على حساب الوجود والحق العربي.
ثانياً: تبني الخرافات والأساطير والمزاعم والأكاذيب اليهودية.
ثالثاً: التخلي عن ثوابت النضال العربي والتشكيك بجدوى التمسك بالهوية القومية والوحدة العربية.
رابعاً: التخلي عن مقاومة الاحتلال والاستيطان (الإسرائيلي) ووصف المقاومة المشروعة بالإرهاب.
خامساً: القبول بالشروط والإملاءات (الإسرائيلية) لإقامة (إسرائيل العظمى) الاقتصادية من النيل إلى الفرات.
برز في الساحة العربية اتجاهان حول التطبيع:
الاتجاه الأول: يرفض التطبيع والنتائج التي تمخضت عنها المعاهدات والاتفاقات والقمم الاقتصادية. وينقسم هذا الاتجاه بدوره إلى تيارين: التيار الأول يرفض رفضاً مطلقاً أي شكل من أشكال التطبيع، والتيار الثاني يربط التطبيع بالانسحاب الكامل والحل العادل.
الاتجاه الثاني: يوافق على التطبيع وينقسم بدوره إلى تيارين: الأول: يتحمس إلى التطبيع والنتائج التي تمخضت عنها القمم الاقتصادية، والثاني: يقابل عملية التطبيع ببرود ويطالب بإقامة السوق العربية المشتركة وتطوير التعاون الاقتصادي العربي.
إن التطبيع الذي يجري فرضه وتسويقه، ليس التطبيع بمعناه السلمي، فالصهاينة خططوا للتطبيع بمعناه الاستعماري لإنهاء قضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني بالشروط والإملاءات (الإسرائيلية) وفرض الهيمنة (الإسرائيلية) على الاقتصادات العربية، وتعطيل عملية السلام إذا لم تضمن (لإسرائيل) التفوق والهيمنة.
وتقوم (إسرائيل) وبدعم كامل من الولايات المتحدة بإغراء بعض الأطراف العربية على القبول بالتطبيع الكامل لقاء إعطائها بعض الأدوار في المنطقة لتقزيم الصراع وإذكاء التنافس على الأدوار الإقليمية لتصب كلها في مصلحة (إسرائيل) وعلى حساب العروبة والإسلام.
وأخذت بعض الدول العربية ترى أن التطبيع مع العدو (الإسرائيلي) يشكل حماية لنظامها ويجلب لها رضى الولايات المتحدة الأمريكية واليهودية العالمية.
وقد استفادت (إسرائيل) من جراء تطبيع العلاقات مع العرب، فارتفاع مستوى الدخل الفردي، كما ارتفع حجم التصدير والاستثمارات الأجنبية فيها.
ونجحت بمساعدة الولايات المتحدة في تطبيع العلاقات مع قطر وعمان والمغرب والأردن، وبالتالي اخترقت بلدان الخليج، ووصلت إلى منابع النفط وأسواقه التي تتنافس عليها أوروبا والولايات المتحدة.
ويعني النجاح (الإسرائيلي) في تطبيع العلاقات مع بعض دول النفط العربية أنها دخلت تسويق منتجاتها واستيراد وتسويق النفط والغاز العربي، وبالتالي الحصول على موقع إستراتيجي إضافي في علاقاتها مع الولايات المتحدة. فالاختراق (الإسرائيلي) للخليج يصب في دائرة الولايات المتحدة الأمريكية ويحسم التنافس على الخليج مع أوروبا لصالحها.
إن أمام الحكومات العربية خيار وطني وقومي وديني واحد، وهو التوقف عن التطبيع مع العدو التاريخي للعروبة والإسلام.
إننا مطالبون حفاظاً على ثرواتنا ومعتقداتنا ألا نشتري أو نتاجر في أية بضائع مع صنع (إسرائيل)، وذلك تعبيراً عن تصدينا ورفضنا للتطبيع، ولتحصين الوطن والدفاع عنه. لن يستطيع أحد أن يلزم أي تاجر عربي بالاستيراد من (إسرائيل). ولن يستطيع أحد أن يفرض على أي مواطن عربي شراء بضائع (إسرائيلية).
إن عقد قمة الدوحة يظهر عدم التزام قطر بقرار القمة العربية في القاهرة في حزيران 1996 وقرار مجلس الجامعة العربية بوقف التطبيع وتشديد المقاطعة العربية (لإسرائيل). ويظهر أن قطر لا تدرك مسؤوليتها القومية تجاه أمتها العربية وأنها وضعت علاقاتها مع (إسرائيل) فوق المصالح العربية وفوق مصالح العروبة والإسلام.
إن المخططات والأفكار الإستراتيجية التي يروج لها اللوبي الصهيوني من خلال مراكز الدراسات والأبحاث تقود إلى الحروب والمواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية والبلدان العربية الإسلامية وإلى توتر العلاقات الأمريكية - العربية وبشكل خاص مع الرأي العام العربي والإسلامي، لأنها تهدف إلى إشعال الحروب الاستباقية على العرب والمسلمين لتدمير منجزاتهم واحتلال أوطانهم ونهب ثرواتهم وإسقاط الأنظمة والمنظمات والحركات والشخصيات التي تقف في وجه الاستعمار الاستيطاني اليهودي وإرهاب وعنصرية وهيمنة الكيان الصهيوني.
لذلك فإن إستراتيجية اللوبي الصهيوني لا تخدم مصالح الشعب الأمريكي، بل تزيد من الحقد والكراهية والبغضاء لكل ما هو أمريكي ليس فقط في المنطقة وإنما في العالم أجمع، لأن إدارة الرئيس بوش تعتمد إستراتيجية اللوبي الصهيوني والتي تبناها التيار المحافظ المتطرف عقائدياً. وقادت إلى الحروب العدوانية ضد العرب والمسلمين، ومنها الحرب على العراق وتدمير منجزاته وإبادة شعبة ونهب نفطه وثرواته، وتحقيق الحلم الصهيوني برسم خريطة جديدة للمنطقة أسوأ من خريطة سايكس - بيكو لجعل الكيان الصهيوني المركز والقائد للنظام الشرق أوسطي الجديد.
إن الكيان الصهيوني، الدخيل على المنطقة العربية، الغريب عنها، والمغتصب للأرض والحقوق والثروات، يريد من الشرق أوسطية ومن التطبيع مصادرة التاريخ والجغرافيا والعقل والعاطفة والإرادة العربية، ويريد أن يفرض علينا أن نقبل باغتصابه وهيمنته على أرضنا وثرواتنا، لذلك فإن مقاومة التطبيع وتشديد المقاطعة هما السلاحان اللذان تبقيا لدى الأمة.
إن الحركة الشعبية الرافضة للنظام الإقليمي في الشرق الأوسط وللسوق الشرق أوسطية وللتطبيع والمتصاعدة في جميع البلدان العربية تتجسد في المؤتمرات واللجان الشعبية الوطنية والقومية والإسلامية، وفي مواقف الأحزاب والنقابات والاتحادات الشعبية واللجان الثقافية في جميع البلدان العربية وتطالب بإلغاء اتفاقات الإذعان ونتائج المؤتمرات والقمم الاقتصادية وتشديد المقاطعة ومقاطعة المنتجات الأمريكية وإعطاء الصراع مع العدو وجهه الوطني والقومي والديني والإنساني.
* * *