هل معاشرةُ الزوجةِ حلالٌ أم حرامٌ؟
د. فايز أبو شمالة
هل معاشرة الزوجة في يوم السبت حلال أم حرام؟ هكذا سأل اليهود المتدينون حاخام إسرائيل الأكبر سنة 1987، صمت الحاخام الأكبر لفترة، واحتار في الجواب، وفكر في الأمر، ثم قال: مضاجعة الزوجة في يوم السبت حلال، وليس حراماً عليكم يا أيها اليهود، لأن الذي حرم عليكم في يوم السبت هو العمل، العمل فقط، بينما مضاجعة الزوجة ليست عملاً، ودليلي على ذلك؛ أنكم لم تسمحوا للعمال الفلسطينيين بمضاجعة زوجاتكم!.
تلك النكتة انتشرت في إسرائيل سنة 1987، قبل شهور من الانتفاضة الفلسطينية الأولى، والنكتة تعكس التذمر من سيطرة الفلسطينيين على كل مناحي الحياة في إسرائيل، بعد أن صار الفلسطيني يتحكم بالصناعة، والزراعة، والتجارة، ومجمل مناحي حياة اليهود، وصار يقرر في حقل البناء والإنشاءات، وصار يقرر محصول الزراعة لهذا العام، ومساحة الأرض المزروعة، وموعد قطاف المحصول، وزمن البيع، وصار الفلسطيني يحدد ساعة فتح المصنع اليهودي، ونوع الإنتاج، وكميته، وطريقة تصديره، ونسبة الربح!
ضج حكماء اليهود من نفوذ اليد العاملة الفلسطينية، ومن تراجع القوة العاملة اليهودية، وصار حكماء اليهود يخشون من هذا الاحتلال العكسي، الذي مكن مئات ألاف العمال الفلسطينيين الحرفيين من الإمساك بعصب الحياة الاقتصادية في إسرائيل، فكانت تلك النكتة التي تهزأ من حجم الحضور الفلسطيني حتى في حياة اليهود الخاصة!
سنوات قليلة على الهيمنة المهنية الفلسطينية على إسرائيل، تم التوقيع على اتفاقية أوسلو، التي جلبت قيادة السلطة الفلسطينية من الخارج، ومكنتها من السيطرة الأمنية والمالية على حياة سكان قطاع غزة والضفة الغربية، وشجعتها على استيعاب مئات آلاف العمال الحرفيين المهنيين ضمن صفوفها، وتفريغهم على قوات الأمن، فصار الحداد المحترف ضابطاً في الأمن العام، وصار فني النجارة مقدماً في المخابرات، وصار عامل البناء المتفوق عقيداً في قوات الأمن، وصار فنان التبليط ملازماً في قوات 17، وصار السباك الذي يتقن فن تسليك المجاري بيسر وسهولة، صار ملازم أول في جهاز الاستخبارات، وصار فنان الدهان برتبة رائد في جهاز الأمن الوقائي، وهكذا حتى تجمدت طاقة العمال الحرفية، وتم تفريغها برتب عسكرية على الأجهزة الأمنية!
اليوم تقف غزة عاجزة عن تغطية حاجتها من العمال الحرفيين، لديها مئات ألاف الأيدي العاملة غير الفنية، وغير المدربة، وسوق العمل بحاجة إلى فني السباكة ذي الأصابع الذهبية، الذي صار كشفه على العمل أغلى من كشفية طبيب القلب على المريض، وصار عامل البلاط مطلوباً للعمل أكثر من المهندس، وصار النجار منشغلاً عن حك رأسه، ولا وقت للكهربائي كي يرد على الهاتف، وصار لميكانيكي السيارات مكتباً، وله مدير أعمال، ولكل مقاول في غزة سكرتيرة ترتب له المواعيد.
الحكومة الفلسطينية في غزة هي المسئولة عن تنشيط مراكز التدريب المهني، وتشجيع الطلاب والعمال والكفاءات للتوجه إلى إتقان الأعمال الحرفية، غزة في حاجة إلى الحرفيين أكثر من حاجتها إلى المتعلمين، وأصحاب الشهادات الجامعيين، وأكثر من حاجتها إلى الرتب العسكرية، ولاسيما أن غزة تشهد موجة من الأعمار رغم أنف دعاة الحصار.