يغيب عن أذهان القائمون على المؤسسات والإدارات العليا في أوطاننا مصطلح ذو أهمية كبيرة يأخذ في الإعتبار في عملية اختيار المسؤولين والإداريين الذين يتولون المناصب الحساسة في مختلف قطاع المجتمع والدولة، ذلك المفهوم هو مبدأ الأخلاقيات الذي يشمل جملة من القيم والأخلاق والمبادئ الرفيعة والذي يفتقر إليها الكثير ممن حملوا الأمانة في أوطاننا اليوم، وما نراه من انتشار نسب الفساد في الإدارات المتعددة وانخفاض لمستوى الخدمات المقدمة وضعف التوجهات التنموية وتذمر المواطن ويأس الموظف البسيط وتوتر العلاقات الشخصية في داخل المؤسسة الواحدة ليس إلا نتائج طبيعة لتلك الأختيارات السلبية والقرارات الطائشة التي أفادت المصالح الذاتية لمجموعات ضيقة أخذت تتلاعب بالدوائر الرسمية والجهات الحكومية في هذا المكان أو ذاك.
ونتسائل ماذا يأمل المجتمع من شخص قادم من بيئة قذرة وذو تربية غير صالحة، فلن يمنعه جوعه من ملئ جيوبه بشتى المصالح، بل الواقع يشير أنه سيستسلم سريعا أمام سلطان المال ولذة السلطة، وربما يضيف إلى رصيده الشخصي مزيد من الصفات الرذيلة والعادات القبيحة والمؤكد أن الآخرون لن ينتظرون منه إصلاح أنظمة العمل أو بناء المؤسسة لأن الإشكالية تقع في عملية الاختيار والإنتقاء حينما تغيب عن ملاك السلطة معايير الكفاءة والفعالية ويوضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، وتخضع هذه العملية بالأساس إلى عدة أسباب منها المحسوبية أو القرابة أو لكونه أبن فلان وعلان، والأصعب أن يطول إعتكافه على الكرسي لفترات زمنية طويلة لا يعلم بنهايتها إلا الله حتى يحمل هو والكرسي معا إلى القبر، ويكون في النهاية كلا من العمل والمواطن وأفراد المؤسسة والمجتمع هم ضحايا هذا الاختيار الخاطئ.
والأعجب من كل ذلك عندما يتولى المتعلم ذو الشهادات العليا منصب لا يستحقه ولم يمنح له لأجل أخلاقه وسيرته الذاتية، فتجد تصرفاته وسلوكياته عكس ما تعلمه حتى الابتسامة والكلمة الطيبة لا تعرف طريقها إلى وجوه القبيح ولا يقدر على ضبط مشاعره وانفعالاته بل يفشل في اختبارات الأخلاقيات ولا يتقن نطق أبسط الحروف الهجائية في علم الإدارة الواسع، ويخسر الكثير والكثير من العلاقات داخل وخارج المؤسسة لأنه ببساطة لا يفهم مهارات وقدرات التواصل، هؤلاء ومن سبقهم هم فئة السفهاء الذين لا يستوعبون حجم المسؤولية التي هي أمانة كبيرة والتزام بحقوق الله وحقوق العباد وهؤلاء وغيرهم لا يحتاجون ببساطة لمناصب ووظائف عليا بل يحتاجون لإعادة تأهيل لنفوسهم الملوثة وبرمجة لعقولهم المدمرة.
الواقع يؤكد للأسف إن الحكومات والمجتمعات العربية خسرت وستخسر الكثير من الطاقات والجهود بإهمالها أهل الكفاءات العالية وتجنبها القيم والأخلاق في عمليات اختيار المسؤولين مقابل مصالح ذاتية لهذا الشخص أو ذلك، وإن عملية الإصلاح والتغيير والتقدم بعيدة كل البعد عن واقع الإدارة وهيكلية المؤسسات في بلداننا البائسة.