الرقمي خطوة نحو تأصيل الشعر العربي وليس توصيفه
لحسن عسيلة
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ،
كان هذا ردي على الأخ أحمد بن يحيى في منتدى الفصيح على بعض تعليقاته المحترمة على منهج الرقمي .
http://www.alfaseeh.com/vb/showthrea...t=76349&page=2
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي أحمد بن يحيى أنا أجيبك عن سؤالك ،
أنا شخصيا مقتنع بالعروض الرقمي ملء عقلي ،
أخي الكريم ألسنا اليوم أمام مجموعة قواعد في عروض الخليل رحمه الله ، هذا العلم الذي ينم عن عبقريته الفذة .
إلى هنا لا شك ستقول لي هذا صحيح وماذا بعد ؟
قواعد الخليل رحمه الله ، ما هي إلا فرع بسيط عن تصوره الشامل وإلمامه الكامل بطبيعة الشعر العربي ، والأصوليون يقولون: " الحكم على الشيء فرع عن تصوره " .
والخليل سطر أحكامه العروضية ، ولأمر ما ستر أسرار عبقريته من خلال عدم تعليل هذه الأحكام فكانت الأخيرة دالة على هذه العبقرية دلالة انجذاب الاجسام الى سطح الارض على قانون الجاذبية ، والرقمي يحاول اليوم سبر أغوار وادي عبقر في ذهنية الخليل وهو اليوم معني أكثر من أي وقت مضى بكشف قوانين الخليل التي لم يعلن عنها .
أخي الكريم أحمد بن يحيى ، الناس في دراسة العروض أقسام أذكر منها :
1- قسم راعه ما رأى من تعقيد ومصطلحات وتجزيئات فهاله الامر فأعرض عنه فعداه وربما عاداه .
2- قسم تعلم هذا العلم وطبقه على أكمل وجه وعرف قدرالخليل و أعجب بعبقريته فتحدث بها ولم يحط بأسرارها .
3- قسم آخر تعلم هذا العلم وطبقه على أكمل وجه وعرف قدرالخليل و أعجب بعبقريته فتحدث بها ، ولم يقف عند هذا الحد ، بل رام كشف ماهية العروض وقام بمساءلة قواعده محاولا تعليلها والاستدلال عليها و استكناه سر هذه العبقرية ووضْع اليد على ذلك الشيء أو تلك الأشياء التي ألهمت الخليل رحمه الله ، وذلك بتسليط الضوء على مراحل العملية الذهنية الخليلية قبل وأثناء الشروع في تأسيس هذا العلم الراقي ،
وإذن فالرقمي لا يصادر عروض الخليل بل منه يصدر وعليه يرد .
والرقمي حاول ولم يزل يحاول وضع اليد على القواعد الضابطة والكليات الجامعة الشاملة لعروض الخليل بالبحث في أسباب النتائج وتعليلها ، بعيدا عن منهج الحفظ وذلك بإعمال الفكر والفهم ، ولقد نجح الرقمي في اختصار مسافات مديدة ، ولا أدل على ذلك من قانون "التخاب بعد الأوثق " الذي اختصر معظم علل العروض إلى أقصى الحدود الممكنة .
هذا وأضرب لك مثالا أراه الأقرب الى منهج الرقمي مع وجود الفارق وهو كما يلي :
الإمام الشافعي رحمة الله عليه هو مكتشف علم أصول الفقه ، ومع وجود الفارق بين موضوعنا هذا وعلم أصول الفقه ، إلا أنني أرى أن المنهج الذي انتهجه الشافعي رحمه الله تعالى منهج تساؤلي استنباطي شمولي ، حاول وقد نجح ، ان يؤصل في شكل قواعد مطردة شاملة لكل الفقه الاسلامي ، وكما تعلم فشتان بين الفقه وبين أصول الفقه وبين الفقيه و الأصولي ،
فالفقه هو العلم بالاحكام الشرعية المكتسبة من أدلتها التفصيلية .
وأصول الفقه هو العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استفادة واستنباط واستخراج الاحكام الشرعية (الحرام ، الحلال ، المباح ، المكروه ، المستحب ) و ا لمكتسبة من أدلتها التفصيلية (القرآن والسنة)
فالفقه هنا علم ، وأصول الفقه علم آخر ، وهما متكاملان ، ولا يختلف في هذا اثنان ، والثاني انبثق عن الأول بالتأمل وإعمال الفكر .
إن الأصولي تأمل المصدرين الكتاب والسنة فوجد بعد جرد واستقراء وبحث وربط ، أن كل أفعال الأمر محمولة على حكم الوجوب وأن كل أفعال النهي محمولة على حكم التحريم ، فأصَّل لهذا أصلا أو قاعدة ضابطة شاملة مطردة وهي : " الأمر للإيجاب ، والنهي للتحريم "
ثم تأمل في المصدرين وخرج بأصول أضحت اليوم معروفة لدى الناس من هذه الأصول ما يلي :
• الحرج مرفوع .
• المشقة تجلب التيسير .
• الضرورات تقدر بقدرها .
• دفع المفاسد أولى من جلب المصالح .
• الضرر يزال شرعا .
• الضرر لا يزال بالضرر .
• يحتمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام .
هذه كليات وقواعد شاملة استنبطت استنباطا واستخرجت استخراجا بإعمال الفكرة وتأملها وووو إلخ وجزى الله مكتشفها خير الجزاء ، ولا زبدة بلا مخض ،
وعلماء الفيزياء والرياضيات اليوم يؤكدون أن كل القواعد العلمية موجودة أصلا وقائمة منذ بدء الخليقة ، ما علينا إلا اكتشافها بإعمال الفكر .
ولعلمك أستاذي الحبيب ، ان علم أصول الفقه لم يظهر إلا في القرن الثاني الهجري علي يد الإمام الشافعي رحمه الله ، طيب لماذا ظهر هذا العلم وما حاجة الناس إليه في ظل وجود الكتاب والسنة ؟
أهذا يعني أن الكتاب والسنة فيهما نقص ؟ طبعا كلا والف كلا ،
أهو إذن ترف فكري ؟ كلا والف كلا ،
إنها الحاجة أم الاختراع و الابداع .
وخلاصة القول :
التفعيلي والرقمي لا يختلفان في النتائج إطلاقا .
التفعيلي يطغى عليه طابع توصيف واقع الشعر العربي .
التفعيلي نظر الى البيت كأجزاء (تفعيلات ) نجم عن هذه الرؤية كثرة القواعد والاستثناءات وكثرة المصطلحات .
التفعيلي يدرك بالحفظ والفهم معا .
الرقمي نظر الى البيت باعتباره كلا لا يتجزأ ، وتعامل مع العام واشار الى الخاص بطرف خفي ولم يقف عنده إما لشذوذه أو لثقله أو لندرته فكانت قواعده شاملة مطردة في جل الحالات إلم يكن كلها .
الرقمي نجح في اختصار كل هذا ، وجاز إلى الضفة ا لاخرى بأن فتح آفاق ما بعد العروض .
ميزة الرقمي البساطة باعتماده بالدرجة الأولى على الفهم وليس الحفظ والاجترار .
الرقمي يعتمد الرقم مما يجعله مؤهلا للتعامل مع الحاسوب جردا واستقصاء وربطا واستنتاجا .
الرقمي يُمَكن دراسيه من امتلاك أدوات البحث العلمي لان منهجه علمي قائم على الفرضية فمحاولة تصديقها أو تكذيبها من خلال عمليات الجرد والاستقصاء والربط والاستنتاج ، ومهما كانت النتائج المتوصل إليها فإنها لا تخلو من فائدة ،
الرقمي يطغى عليه الطابع التعليلي التأصيلي . (قانون التخاب فيما بعد الاوثق ) مثال جيد على ذلك .
الرقمي يُمَكن دارسيه من المنهج العلمي في التفكير .
الرقمي يحاول - ولم يزل – كشف الحجاب عن كليات العروض المتحكمة فيه بصورة واضحة لا غموض فيها حتى يفهمها الناس على اختلاف مبالغهم في العلم .
الرقمي منهج ييسر إمكانية مقارنته بالعروض عند الشعوب الاخرى كالعروض الهندي والعروض الأوروبي .
الرقمي منهج يتيح لدارسيه إمكانية تجريبه على مجالات وفنون أخرى كالمعمار و الفنون التشكيلية وغيرها .
وحتى لا يقول قائل هذا كلام عام فضفاض ، لأنه يخلو من إيراد أمثلة عما يدعيه من إمكانات يتيحها الرقمي ، فإني أقول إن إيراد الامثلة عن كل ما ذكرت يحتاج إلى صفحات فمن أراد أن يـتأكد مما زعمت فما عليه إلا أن يفتح منتدى ا لعروض رقميا ويبحث في مواضيع الدورة العاشرة ولا شك سيشفي غليله هناك .
هذا وبالله التوفيق