كلود ليفي ستراوس الذي مات بصمت
30 أكتوبر 2009 كان يوم حزن بالنسبة لعالم المفكرين..في هذا اليوم بالذات أسلم ليفي ستراوس الروح .إنه المفكر المتميز الذي قضى عشرات السنين في البحث في مجال العلوم الإنسانية ، وبشكل خاص في ميدان الإثنولوجيا والأنثروبولوجيا.
فقد تمكن هذا المفكر من إحداث انقلاب عميق في الأساليب والمقاربات المتعلقة ب "معنى" الأشياء والمعرفة الإنسانية.
مفكر استطاع أيضا تحويل " تجارب شخصية إلى أنساق ومنظومات فكرية" كما أشار إلى ذلك روجيه بول دروا. إنه أيضا "حفار" استطاع بصبر الصائغ أن يفكك أفكارا من أركيولوجيا الواقع ، من أجل بناء باراديغمات تأملية ، إنه الإنسان الذي أكمل من العمر قرنا حافلا ( ولد يوم 28 نونبر من سنة 1908 في بروكسيل) فهو لم يترك فقط نظما تحولت إلى أساليب في التنظيم الإجتماعي ، بل خلف وراءه أيضا أدوات للتحليل من أجل فهم أعمق لبعض الوقائع .
إن مسار صاحب " المدارات الحزينة " هو بكل بساطة مسار فريد من نوعه ، على الرغم من أنه شكل نموذجا غيرعادي للطفل الفنان ، مباشرة بعد حصوله على شهادة الإجازة من كلية الحقوق بباريس ، نال شهادة التبريز في الفلسفة بجامعة السوربون الشهيرة سنة 1930 .
ولأن المعرفة ليست لها حدود ، وحيث أن حبه للمعرفة هو تجربة أخرى لتحدي ستراوس ، فقد حصل على شهادة الدكتوراه في الأدب ثمانية عشر سنة بعد ذلك . وفي تلك الأثناء وضع معرفته الفلسفية في خدمة الطلبة لما اختار التدريس سنة 1932 .
ومع ذلك لم يكن مقدرا له أن تتوقف حياته وهو يولي ظهره للسبورة ، فقد حصل التحول لما تم اختياره في بعثة جامعية إلى البرازيل ...وهناك قضى سنوات ثلاث يدرس بجامعة ساو باولو ، ولم يكتف فقط باقتسام ما يعرفه مع الآخرين ، إذ سيقود هذا الأنثروبولوجي دراسات عدة عن قبائل البورورو والنامبيكارا. وعاد إلى بلاده ليحمل عصاه مرة أخرى راحلا إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليقوم بالتدريس في المعهد الجديد للأبحاث الإجتماعية بنيويورك سنة 1948 وعاد بعد سنة واحدة إلى فرنسا حيث سيتم تعيينه كمستشار ثقافي لدى السفارة الفرنسية في الولايات المتحدة الأمريكية . وحيث أن الرجل لم يكن منذورا لمثل هذه المهمات ، فقد كانت ثلاث سنوات كافية ليقرر التخلي عن وظيفته ويتفرغ للبحث.
وكان لازما انتظار سنة 1955 لكي يخرج هذا الرجل من شرنقة الفكرويخرج للقاء الجمهور الواسع، وكان ذلك بمناسبة ظهور كتابه " المدارات الحزينة " وهو عبارة عن مذكرات مسافر غير معهودة ، وهو الكتاب الذي لقي إقبالا منقطع النظير في عالم الأدب وكان من بين الكتب الأكثر مبيعا في المكتبات .
وقد توالت أعمال هذا المدافع عن التنوع الثقافي من خلال إصدارات أخرى من قبيل
ـالأنثروبولوجيا البنيوية سنة 1958
ـ الفكر المتوحش سنة 1962
ـ ميثولوجيات أربعة أجزاء
...
Le Matin مترجم عن جريدة
ـ 8 نونبر 20097