الفنان التشكيلي محمد الوهيبي:
لا أدعي أنني ملوّن، بل أنا متقشف باللون محمد الوهيبي... الذي اشتُهر بولعه بالأساطير والحضارات القديمة والتراث المحلي «الفلسطيني»، وتميّزت أعماله بتقنية الدمج بين النحت والتصوير والرسم والاشتغال على اللون الواحد وتدرجاته، أطلّ علينا في معرضه الجديد «حصى» الذي أقيم في صالة عشتار في الفترة ما بين «20- 31» أيار الماضي، وحمل فلسفته الخاصة وتياره الفني... التقته البعث وتحاورت معه حول مشاركته في معرضه الثنائي مع الفنان عصام درويش، ومحاور أخرى.
> حضرت الحصى في معرضك الثنائي مع الفنان عصام درويش كيف عبّرت عن أفكارك من خلالها وما هي دلالاتها التعبيرية؟
>> جاءت الفكرة بالتوافق والتعاون مع زميلي الفنان عصام درويش، وعملنا على تنفيذ فكرة غرافيك «الحفر مع تلاؤم المواد الأخرى» على الحصاة، قد تكون بالرسم أو بالكولاج أو البولستر، أردت من خلالها إيجاد سطح جديد يتناسب مع الأفكار، التي قد تنفذ على سطح آخر «اللوحة»، ولكنني تعمدتُ قصداً اشتغالها على الحصى لأنها ليست مجرد حصى، وإنما لها دلالات تعبيرية رمزية تحمل متتاليات فكرية مشتقة من معرفة هذه الحصاة، التي لا تحتمل الصورة الواقعية، بل تأخذ دلالة رمزية أكثر أو مصطلحات معرفية مختزلة قدر الإمكان لإظهار قيمة الرمز على السطح، وتطرقت طبعاً إلى إبراز ملامح من شخصيتي الفكرية، وأوضحت آلية التعبير الخاصة بي عبر الرمز، الذي يختزل الصورة الواقعية ويصنّعها بما يليق بالفكرة، والعرض يحمل انطباعات واقعية اجتماعية فيها تواتر حسّي إنساني لما نشعر به ويدور حولنا، وما يحمل من إسقاطات وانكسارات وهموم يدركها المتلقي بشفافيته وذائقته الفنية.
> اتّسم معرضك - كما ذكرت - بتقنيات متعددة «غرافيك على الرسم والكولاج والبولستر والقماش وقطع أخرى» مثل الزخارف الزرقاء فكيف أدرجتها ببوتقة واحدة؟؟
>> بما أن العمل اتسم بالغرافيك فهو يتضمن الكثير من التقنيات، التي تحمل دلالات جمالية محضة أشبه بالنوتة الموسيقية، التي يستخدمها الفنان للتعبير عن ذاته وتياره الفني، وهنا استخدمت إضافةً إلى الرسم والحفر الكولاج والبولستر والأوراق و القطع الصغيرة «الزخارف والمنمنمات، دمجتها على سطح الحصاة وتتضمن أيضاً بعض الكتابات التي تعبّر عن أقوال وتصوّرات شخصية تمثل فلسفتي في الحياة وفي الفن، وفي الوقت ذاته لا بدّ من وجود حاضنة للفكرة التي تكون صخرةً أو حصاةً أو قطعة زجاج أو قماش.
> ترصد أعمالك لوحات شرقية مستمدة من التراث الفلكلوري والأساطير والحضارات القديمة والمدن المندثرة، هل تعيش «نوستاليجيا» الماضي؟
>> أحب الارتباط بالتراث المحلي زمانياً ومكانياً، وأهتم بالتراث الفلكلوري وتظهر المرأة عندي بالزي الرسمي بتراثها، الذي لا يموت ويعكس ومضات الموروث الشعبي الفلسطيني، أنتمي إلى الأساطير والشرقيات التي فيها الحضارة الغابرة والماضي التليد، هذا الماضي يسكن أعماقي، يجعلني أجسّد مدينتي القديمة الضائعة بروح خيالية غنية بإحساسي وفضائي الواسع وخطوطي وألواني وأحلامي، طبريا مدينتي، وفلسطين حاضرة بذاكرتي يجول بخاطري الحي، والأشخاص، الذين أعرفهم ولا أعرفهم سواء أكانو أحياءً أم أمواتاً، أحب أن أجسّد المنطقة الجيولوجية الجغرافية للبحيرة، وسطح البحيرة والجدران والدور، كلها أماكن غير منسية، أراها الآن حزينة تغرق بالقصف والدمار والدم والحزن، هذه الأعمال تمثل جزءاً كبيراً من تاريخي الفني والإنساني.
> تتنوع أعمالك بين النحت والتصوير والعمل على الحفر على اللون والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة... هل يؤثر هذا التنوع على هوية الفنان؟
>> لا توجد حدود ما بين جميع الفنون وضمن التخصصات لذلك دخل النحت على التصوير «الرسم» والحفر والكولاج والخط، ولا أرى أية حدود فاصلة ما بين الفنون البصرية، أنا أخذت ما يقترب من عوالمي، لذلك أدمج بين النحت والتصوير، أما الحفر على اللون فذاك لاستخدامي اللون المنفرد ضمن إيقاع متناغم مع تدرجاته لأن الحفر يعتمد على اللون الوحيد ومشتقاته وتدرجاته، وأحياناً يكون حواراً ما بين الأبيض والأسود وبنسبه المعتدلة والمتقشفة تارة أخرى ولا أدعي أنني ملوّن بل أقول: إنني متقشف باللون، وفيما يتعلق بالاهتمام بالتفاصيل الدقيقة، فيعود ذلك إلى فن النحت المعتمد على تجسيد الملامح الدقيقة للجسد والمعالم الأثرية والأجواء الرمزية الغرائبية..
> هل تجد تشابهاً بينك وبين فنان آخر؟
>> العمل الفني فردي يملك رؤية خاصة وفق ذاتية الفنان، فكل فنان يمضي باتجاه وميول وذائقة فنية، لكن باعتقادي الفن قريب ومختلف في الوقت ذاته، وكل الفنانين يتّفقون ويتّحدون لإظهار القيمة الجمالية لكل عمل فني.
> بعد «حصى» ما هي مشاريعك الجديدة؟
>> لدي الكثير من الأفكار والهواجس، التي تحتاج إلى عمر طويل لإنجازها ولا أريد أن أحددها لأن العمل الفني وليد اللحظة، ولا أحد يعرف كيف يبدأ!! أتمنى أن أحقق أفكاري وهواجسي التي أحملها في أعماقي.
> أقحمت في أعمالك الفنية كتاباتك الخاصة، فهل توجد لديك أعمال منشورة؟
>> أنا أكتب من وحي تصوراتي وفلسفتي ورؤيتي الخاصة، ومشاعري الذاتية، لكنها تبقى لذاتي ولا أحب أن ترى النور وتُنشر، بغضّ النظر عن بعض العبارات والأقوال التي أدوّنها على أعمالي.
حوار: مِلده شويكاني
http://www.albaath.news.sy/user/?id=582&a=53493