السلام عليكم
قصة ابتكار
عود الثقاب
ابتكار صغير ذو تكلفة باهظة في الأرواح
صغير في حجمه ومتواضع في اللهب الناجم عن اشتعاله ، إلا أن ابتكار عود الثقاب كلف الكثير من الأرواح خلال مراحل تطويره التي استمرت لقرنين ونصف من الزمن ، ناهيك عن ضحايا الحرائق الناجمة عن سوء استعماله .
بدأ التفكير في انتاج أعواد مشتعلة بعيد اكتشاف الفوسفور عام 1680م على يد روبرت بويل . ولكن عود الثقاب كما نعرفه لم يظهر في أول أشكاله إلا عام 1827م على يد الصيدلي البريطاني جون ووكر الذي أنتج أعواداً طول الواحد منها 8 سنتمترات ، ومغطاة عند طرفها بمادة كبريتيد الإثمد وكلورات البوتاس والصمغ .
ويشتعل هذا النوع من الأعواد عند حكه على ورق رملي خشن يشبه ورق الصقل ، ليصدر عنه لهب وشرارات تتناثر أينما كان من حوله .
بعد ذلك بسنوات قليلة نجح الفرنسي شارل ساوريا ، وهو طالب كيمياء ، في انتاج أول عود ثقاب يشتعل بمجرد احتكاكه بأي سطح لأن رأسه مغطى بالفسفور . وبسرعة وصل هذا الابتكار إلى أمريكا حيث سجله الترو دي فيليبس عام 1836م ، وراح ينتج أعواد الثقاب يدوياً ويبيعها من خلال تجواله على المنازل والأسواق .
وهنا وقعت الكارثة .
لم يعلم المستهلكون الأوائل ولا فيليبس نفسه بأن الأبخرة الناتجة عن احتراق الفوسفور بالغة الخطورة ، إذ تؤدي إلى مرض النخر ( أي تحلل عظام الفك ، ومن ثم الموت ) .
توفي الكثيرون ، وغالبتيهم من العمال نتيجة تعرضهم للغازات الفوسفورية .. واستمرت الأزمة حتى العام 1910م عندما فرضت الحكومة الأمريكية ضرائب باهظة على أعواد الثقاب الفسفورية ، مما يودي بهذه الصناعة إلى التوقف والانقراض .
ولكن بموازاة هذا العود السام ، كان هناك اختراع وتطوير لأعواد ثقاب الأمان التي اكتشفها السويدي غوستاف إي باش 1844م .
وفي هذا النوع يتشكل رأس العود من كلورات البوتاس التي تشتعل عند احتكاكها بسطح ذي طبيعة محددة يوضع عادة على جانب صندوق الأعواد ، ويحتوي هذا السطح على مركبات الفوسفور والرمل .
وطور المحامي الأمريكي جوسيا بيوزي هذا الابتكار بصناعة العود نفسه من الورق المقوى بالشمع بدلاً من الخشب عام 1892م .
ولكن الأعواد الورقية لم تلق رواجاً حتى الحرب العالمية الأولى .
تركزت صناعة عود الثقاب في السويد لسنوات عديدة ، بعدما أسس إيفر كريجر " شركة أعواد الثقاب السويدية " التي نمت حتى أنشأت مصانع لها في نحو 40 دولة .
ولكن الأزمة الاقتصادية عام 1929م ، دفعت بكريجر الى الانتحار .
واحتاجت الشركة إلى بضع سنوات لتقوم من كبوتها ، وتعيد سيطرتها على " صناعة اللهب الصغير " في العالم .
صناعة عانت منافسة خطرة من ولاعة الغاز بدءاً من منتصف القرن العشرين ، ولكنها ما زالت قائمة ونشطة بما يكفي .
*
*
ودمتم بسلام ,,,
^_^