انحـــــــــــراف
( قصة بقلم / محمد صالح رجب )
الأمر جد بسيط ، سوف أرفع سماعة الهاتف ، وأغير من صوتي قليلا ، ثم أقول له كلمتين لا ثالث لهما : زوجتك تخونك ..
فكرة عابرة طرأت على خاطرها سرعان ما طردتها ، إنها فكرة غير مأمونة العواقب ، دفعت برأسها إلى الوراء في استرخاء وكأنها تزيل آثار هذه الفكرة ، راحت تشغل نفسها بأشياء أخرى ربما كانت أكثر جدوى ، كإعادة ترتيب المنزل مثلا ، لكنها رتبته صباح اليوم ، فكرت في أشياء أخرى عديدة ، غير أن الأشياء تداعت ، والأفكار تراجعت أمام الفكرة الشيطانية التي عاودت تلاحقها من جديد حتى سيطرت عليها ، تساءلت في نفسها :
ما الضرر لو جربت مرة واحدة ؟1 إنها سوف تشعل نار الغيرة في قلبه ، سوف تذيب الصقيع الذي اكتنف حياتهما ، وتبعث الدفء في حب كاد يتجمد ..
لقد أصبحت حياتهما رتيبة مملة ، صورة مكررة .. يذهب إلى عمله صباحا ، ويعود في المساء منهك القوى ، يتناول عشاءه ، ثم يغطي في سبات عميق .. كثيرا ما كانت تتساءل :
أين الحب الذي جمع بينهما ؟ أين كلماته الرقيقة التي كانت تنساب إلى أغوارها فتحلق بها إلى عالم آخر بعيدا عن عالم الماديات ، تسبح منتشية في فضاءه وتستكشف المزيد عن عالم الروحانيات .. لقد كان حلما ورديا لم يدم طويلا بعد الزواج ..
ألأمر إذن يستحق المغامرة ـ هكذا همست لنفسها ـ استجمعت قواها ، اتجهت صوب الهاتف ، رفعت السماعة ووضعت عليها منديلا ثم طلبته ، وبسرعة قبل أن تهتز قالت بصوت مرتعش : زوجتك "تخونك " ثم وضعت السماعة سريعا ..
سيطر عليها إحساس بالسعادة للحظات معدودة ، بعدها بدأ تأنيب الضمير والشعور بالذنب تملكها .. راحت تتساءل : لماذا أقدمت على ذلك ؟ لابد أنه الآن في حيرة من أمره ، بل لابد أنه الآن أصبح هائجا ثائرا ، وربما سقط من هول الصدمة .
كانت جد قلقة ، متلهفة لعودته ، اتجهت إلى الهاتف مرة أخرى ، كانت تريد أن تعرف رد الفعل لديه ، لكنها لم تجده ، لابد أنه شحن نفسه عائدا إلى المنزل .. تنامى قلقها حتى أنها فكرت أن تترك المنزل هذه الليلة ، لكنها سرعان ما عدلت عن ذلك ، إنها سوف تؤكد ظنونه ..
تبعثرت الأفكار بداخلها ، وراح الوقت يمر بطيئا ثقيلا ، نظرت إلى الساعة لقد تأخر كثيرا ..
انتبهت إلى صرير الباب وزوجها يدخل ، كاد يغشى عليها ، تماسكت بصعوبة ، أطلق سلامه المعتاد .. عاد إليها بعض من توازنها المفقود ، تساءلت في تماسك مصطنع :
هل أحضر لك العشاء
كلا
كادت تجن .. كان يبدو طبيعيا وكأن شيئا لم يحدث ..
سألته :
أراك اليوم قد تأخرت ، هل هناك شيء ؟
مشكلة خاصة بأحد الزملاء .
ازداد قلقها لابد أنه يقصد نفسه ، وبصوت مرتبك سألته :
أي مشكلة ؟
انفرجت شفتاه عن ابتسامة هادئة ، ما لبثت أن تحولت إلى قهقهة ، تخطتها إلى ضحكات هيستيرية.
لابد أن الصدمة كانت قاسية عليه وبدهشة يخالطها الشفقة تساءلت عن سبب ضحكه ..
اعذريني ، لم أتوقع سؤالك ، منذ فترة طويلة لم تشاركيني الحوار ، ولم تهتم لدخولي أو خروجي كما كنت تفعلين في بداية حياتنا الزوجية ..
وهل أخطأت أني قلقة عليك ؟
إطلاقا .. حوارك معي يسعدني ، اهتمامك يشعرني بذاتي ..
كادت أن تحلق معه إلى عالم لذيذ ، لولا أنها تذكرت ما أقدمت عليه ، غابت الابتسامة عن شفتيها وعاودت تستجوبه :
أي مشكلة واجهت صديقك ؟
أجرى عملية جراحية ، واضطررت للبقاء معه في المستشفى منذ الصباح .
منذ الصباح !! .. ألم تذهب إلى عملك اليوم ؟
كلا .. لم أذهب .
كادت أن تنفجر ضاحكة غير أنها تذكرت الرجل الذي هاتفته ، نكست رأسها خجلا من نفسها ، وهي تفكر فيما قد ينجم عنه تصرفها الأحمق..
( تمت )