ومضة من : (الفردوس المستعار و الفردوس المستعاد : د. العمري)
أمر غريب!! بينما كنت أتجول في ملفاتي القديمة .. بحثا عن شيء ما .. عثرت على هذه الأسطر .. متى كتبتها؟ لماذا لم أنشرها؟ لماذا لم أكمل السياحة ؟!
لا توجد إجابة!! فإلى الأسطر ..
بعد طول انشغال قررت أن أقرأ هذا السفر الذي تفضل عليّ مؤلفه الدكتور أحمد خيري العمري،بإهدائي نسخة منه،أعني كتاب: (الفردوس المستعار والفردوس المستعاد ) – ثوابت وأركان من أجل خيار حضارة أخرى. الكتاب من منشورات دار الفكر بدمشق،في طبعته الأولى 1428هـ / 2007م.
أحبتي .. في هذا الزمن الذي نفض الناس أيدهم من (القراءة) ومن لم يتحالف منهم مع (التلفاز) عقدا حلفا مع (الشبكة العنكبوتية)،حتى طبعته بطابعها،أو أغرقته في محيطات من المعلومات – المتجددة – ثم تحول من (قارئ) إلى (متصفح).
في زمن هذه صفته،لا أظن أن كثيرا من القراء لديهم الصبر على قراءة سفر بقع في 592 صفحة ..
لحظة .. إلى أين يا (طيب)؟!! صحيح أن الكتاب يكاد أن يلامس سقف المائة السادسة .. ولكنني لن أحدثك عنه دفعة واحدة .. ولكنني سوف أحتال عليك – هكذا بصريح العبارة – فسوف أحدثك – هذه المرة – عن الفصل الأول فقط،والذي ينتهي عند الصفحة 87 فقط!!!
الإهداء
من النادر أن أتوقف عند إهداء كتاب أقرأه،وإهداء هذا السفر من تلك النوادر فهو :
(إهداء خاص جدا ... أهدي هذا الكتاب إلى القناص الأمريكي الذي قتل – بدم بارد – الخالة منى بعبد الهادي العبيدي وزوجها الدكتور أحمد الراوي .. وخمسة وعشرين شخصا آخرين من المدنيين تصادف أنهم مروا من أمام مكمنه على مشارف مدينة الرمادي ظهيرة يوم الرابع عشر من تموز (يوليو) 2004 (..) أهديه إليه وإلى دقته في التصويب : رصاصة واحدة فقط على رأس زوجها .. وتسليه بإطلاقه بضع عشرة رصاصة عليها.){11}.
المقدمة
إذا كان الإهداء لافتا،فإن المقدمة تبدو – ظاهريا – صادمة :
(أقول إنه سرطان،وأقول أيضا إنه أمر جيد ..
عندما تفتح نتيجة الفحص المختبري الخاص بك،وتجد أن النتيجة العلمية الباردة هي أن جسدك ينهشه السرطان،فإن ذلك على الأكثر سيكون خبرا سيئا لك ولأحبائك ... لكن الحقيقة أن النتيجة المختبرية هي مجرد إعلان لحقيقة ما يدور منذ فترة داخل جسدك. السرطان لم يبدأ لحظة أجريت الفحص،أو لحظة قرأت النتيجة. السرطان على الأغلب بدأ قبل ذلك بفترة طويلة ودون أن تشعر به. ولو النتيجة كانت مخطئة،وقرأت فيها أن الأمر مجرد التهاب عار،لتنفست الصعداء أنت ومن حولك،ولكن السرطان كان سيستمر بالانتشار في جسدك دون أن يقاومه شيء.
النتيجة المختبرية،على قسوتها،ستجعلك تسرع بمواجهة المرض بشكل جذري وحاسم،وكنت قبلها تقنع بالمهدئات والمسكنات والمضادات الحيوية،بل إن النتيجة المختبرية ربما تجعلك تعيد النظر في أسلوب حياتك (..) السرطان يصفعك يجعلك تستفز قواك محاولا التشبث بالحياة. لذلك أقول، نعم إنه سرطان .. لكنه خبر جيد. (..) سقوط عاصمة الخلافة (!) بأيدي القوات الأمريكية في نيسان (أبريل) 2003 كان تلك النتيجة المختبرية التي أعلنت أن السرطان قد انتشر في جسد أمتنا. ){13 - 14}.
هل تنفستم الصعداء؟!! طالما أن من يعاني من السرطان هي (الأمة) وليس (الفرد)؟!! عذرا لهذا السؤال الذي أمسك بخناقي حتى أسجله .. وقد فعلت. ولم أكن أحب أن أقطع استرسال (الدكتور) في (التشخيص) :
(لم يبدأ السرطان لحظتها بل كان قد بدأ منذ قرون طويلة (..) دأبنا على التظاهر ألا شيء جديا هناك،وسددنا آذاننا عن صرخات بعض المفكرين الذين راحت صرخاتهم في الوديان،تمسكنا بأن كل مشاكلنا هي محض التهابات عابرة وطبيعية (..) أن هزائمنا ليست سوى نكسات وكبوات،يكفينا بعض التوحد لقهر العالم كله،والعودة كما كنا في عهد حضارتنا الزاهرة . ظللنا نغض النظر والبصر والسمع عن حقيقة أمراضنا الحقيقية المحصنة بالقداسة والتفسير (السلطوي المؤسساتي) للنصوص الدينية،من تمجيد للاستبداد وتكريس للسلبية وقتل كل معاني الإبداع والإيجابية التي جاء الإسلام أصلا بها (..) الجيد في الأمر،أنه لم{سقط في الأصل} مجال لنا لنصدق ما كنا نصدقه منذ قرون،أن الأمر ليس سوى حمى وزكام (..) الصراع مع السرطان لا يشبه الصراع مع أي مرض آخر،إنه ليس مثل الأمراض المزمنة الأخرى،التي تتكيف حياتك معها وتتقولب بقوالب علاجاتها،وممنوعاتها ومسموحاتها وعقاقيرها الدورية .. لا! كل الأمراض الأخرى ستتبلد حواسك معها .. إلا السرطان. وحده سيستفز إرادة الحياة في داخلك.(..) نعم إنه السرطان هذه المرة،وأجوبة التلفيق والتزويق والتخدير والترقيع التي أعتشنا عليها لن تجدي معه .. ولا بد من خيارات أخرى .. ولولا هذا السرطان لما شعرنا بالحاجة لذلك .. ولهذا أقول،وأصر : إنه سرطان،وأيضا إنه أمر جيد.){14 - 19}.
أبو أشرف: محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة