رَحِمَكَ اللهُ يا طَارقَ بنَ زيـــادٍ !
أَتُرَاكَ كُنتَ سَتُعيدُ خُطْبَتَكَ العصْماءَ لو قُدِّرَ لكَ أن تُلقِيَها في (مُخَيَّمِ التَّنَف)، أو (مخيم الكَرَامة) ؟!
يا فِلِسطينيّي العراقِ، أين المَفَرُّ ؟ العدوُّ من ورائكم، و الحُدودُ أمامَكم و كندا أقربُ إليكم من فلسطين !!!
و ليس لكم -و اللَّهِ- إلا الصّدقُ و الصّبْرُ. و اعلموا أنكم في هذه الأوقات أَضْيَعُ من الأيتام في مَأْدُبَةِ اللِّئام، و قد طارَدكم وَ طَرَدَكم الحاقدونَ بِحِقْدِهِم و أَسْلِحَتِهِم، و أَقْواتُهم موفورةٌ، و أنتم لا وزرَ لكم إلا دعاءَكم و لا أقواتَ إلا ما حَمَلْتُموهُ معَكم نجاةً لأنفسكم و إنقاذاً لحياةِ أطفالِكُم ، و إِن امْتَدِّتْ بكمُ الأيامُ على افتقارِكم و لم يُنجَزْ لكم أمرٌ ذهبتْ رِيحُكم -و هيَ ذاهبةٌ-، و أصابتكم نكبةٌ ثانية، فادفعوا عن أنفسِكم الخُذْلانَ بالصَّبرِ و الدُّعاءِ و استنصارِ إخوانِكُم علَّهم يفيقون !
يقولُ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ و سلَّمَ- : ما مِن امرئٍ مسلمٍ يخذلُ مسلماً في موضعٍ تُنتَهكُ فيهِ حرمَتُهُ و ينتقصُ فيهِ من عرضِه, إلا خذَلَه اللهُ في موضعٍ يحبُ فيهِ نصرتََهُ، و ما من امرئٍ مسلمٍ ينصرُ مسلماً في موضعٍ ينتقصُ فيهِ منْ عرضِهِ و تُنْتَهَكُ فيهِ حرمَتُه إلا نصرَه اللهُ في موضعٍ يحبُّ فيهِ نصرتَه رواهُ أبو داود .
لقدْ ضاقتِ الدّنيَا بما رحُبتْ بالّلاجئينَ الفلسطينييّنَ في العراقِ، السّلطاتُ السوريةُ و الأردنيةُ تحظرُ دخولَهم و تُبقِيهم في العراءِ على الحدودِ، إسرائيلُ ترفضُ عودَتهُم إلى بلادِهم، وكالةُ غوثِ و تشغيلِ اللاجئين الدّوليةُ (الأونروا) (UNRWA) لا تعترفُ بهم، و سلطاتُ الاحتلالِ الأمريكيِّ تغضُّ الطَّرفَ و تتجاهلُ المأساةَ.. بل تصنعُها على أعيُنها .
أيـــــــــــنَ المَــــــفَــــــــرُّ ؟
و لا تزالُ صورةُ المشهدِ الفلسطينيِّ في العراقِ مُغيبّةًًًً إلى حدّ كبيرٍ رغم كلِّ القتلِ و الخطفِ و التعذيبِ و الحصارِِ المفروضِ عليهِم منذُ الغزوِ الصليبيِّ على العراقِ عام 2003، و ربَّما يُعزَى ذلكَ إلى ضعفِ الإعلامِ العربيِّ عموماً، و ضياعِ صورةِ المشهدِ وسطَ حالةِ الفوضى العارمةِ التي تعُمُّ أرجاءَ العراقِ .
و مِمَّا يُؤسَفُ لهُ أنَّ وكالةَ الغوثِ هذهِ قدْ حصرَت خدمَاتِها على الّلاجئينَ في الأردُنّ و سوريةِ و لبنانٍ و غزّةٍ و الضفةِ الغربيةِ فقطْ -رُغم هزالتِها- متجاهلةً أنَّ هناكَ عشراتُ الألوفِ منَ اللاجئين الفلسطينيّينَ الّذين تشتَّتُوا عامَ النَّكبةِ 1948 إلى خارجِ الدّولِ العربيةِ المجاورةِ المذكورةِ، فهؤلاءِ لم تعترفْ بهُم الأونروا و لا تشملُهُم خدماتُها لأنَّهم خارجُ مناطقَ عملياتِها المذكورةِ, كالّلاجئينَ في مصرَِ والعراقِ والشتاتِ .
أيـــــــــــنَ المَــــــفَــــــــرُّ ؟
في العراقِ كانَ يقيمُ 42 ألفَ لاجئ فلسطينيّ قبلَ غزوِ بغدادَ عامَ 2003، فكانَ مصيرُهم القتلُ و الخطفُ و التعذيبُ الجسديُّ و انتهاكُ الحريّاتِ و الإعتداءَ على الأملاكِ، فقد طُردوا منْ بُيوتِهم في منطقةِ البلديّاتِ و الدّورةِ، و عادُوا مُجدّداً إلى الخيمةِ التي لم تسلمْ هي الأخرى من الحرقِ و البطشِ و الخطفِ !, و اضطُرَّ 20 ألفَ لاجئ فلسطينيّ إلى الهربِ في أنحاءٍ متفرقة من العراقِ و على الحدودِ السوريةِ و الأردنيةِ بلا مأوىً و لا سُبُلٍ للعيشِ .
و قدْ رَفَضَتْ الحكومةُ الأردنيةُ السّماحَ للاجئينَ الفلسطينييّنَ المقيمينَ في العراءِ بالدخولِ إلى أراضيها, و أبقتهُم معلّقينَ في الصحراءَ في مخيمِ (الهولِ)، أمَّا سورية فقد سمحَت لعددٍ قليلٍ لا يتجاوزُ 600 لاجئٍ من النسوةِ و الأطفالِ بالدخولِ، و أبقَتْ الألوفَ مِنهم في العراءِ و الصحراءَ في مخيمِ (الوليدِ) على الحدودِ, و بَقِيَ مِنهُم في بغدادٍ 15 ألفَ لاجئِّ يصرخُون وينادُونَ ..
و لكن لا حياةَ لمن تنادي ...
أيـــــــــــنَ المَــــــفَــــــــرُّ ؟
و تفيدُ تقاريرُ المفوّضيةِ العُليا لشؤونِ اللاجئينَ (UNHCR) -المعنيّةِ بالحالاتِ الإنسانيّةِ فقط-، أنَّها عاجزةٌ عن حمايتِهم، و هيَ أيضَا تناشدُ المجتمعَ الدُّوليَّ و جامعةَ الدّولِ العربيّةِ إيجادَ حلٍّ لهم، و ضمانَ حِمايتِهم من الموتِ .
و في المحصلةِ تفيدُ المفوّضيةُ العليا للاجئينَ أنَّ وضعَ اللاجئينَ الفلسطينيينَ في العراقِ و على الحدودِ لا يطاقُ، و هو مأساويُّ و خطيرٌ جداً، فهناكَ القتلُ و هُناكَ الخطفُُ، بالإضافةِ إلى أنَّ العثورَ على الجثثٍ المشوّهةِ لم ينقطعْ و لم يَتَوَقَّف، هذا غيرَ حقوقُ الإنسانِ التي تُنتَهَكُ .
إنَّ الذي يَجري للفلسطينيينَ في العراقِ أمرٌ خطيرٌ للغايةِ، و إنَّ المقصودَ من أعمالِ القَتلِ و الاغتيالِ و الاختطافِ و الملاحقةِ و التشريدِ الذي يتعرضونَ لَهُ، هوَ حقُّهم في العودةِ إلى ديارهِم و ممتلكاتِهم التي هُجِّروا عنها و أُخرِجوا منْها جبراً و قسراً، إنَّ هذا الذي يجري بحقّهم هو عبارةٌ عن مخططٍ أمريكيِّ ـ إسرائيليِّ، تُنفذُه على الأرضِ أيادٍ حاقدة !
و إنَّ الغرضَ النّهائيَّ لهذا المخطّطِ هو كسرُ إرادةِ الفلسطينيينَ، الّتي بقيت قويةً و صلبةً عبرَ أكثرِ من نصفِ قرنٍ بتمسُّكِها بحقِ العودةِ (The right of return) و رفضِ جميعِ مشاريعِ التوطينِ (Resettlement )، الّتي طُرِحَت كبديلٍ عنه .
إنَّ المخطّطَ يعملُ على قلبِ حياةِ الفلسطينييّنَ إلى جحيمٍ في العراقِ، و ليسَ فقطْ في هذه المرحلةِ، بلْ سيمتدُّ أيضاً إلى ما بعدَ مرحلةِ العراقِ .
أيـــــــــــنَ المَــــــفَــــــــرُّ ؟
إنَّ وضعَ هؤلاءِ اللاجئينَ على الحدودِ غايةٍ في القسوةِ و المأساةِ التي يندَى لها جبينُ الإنسانيةِ ..
و يبدو أنَّ المخطَّطَ الآنف الذكرِ، و الذي تتواطأُ في تنفيذِهِ، عددٌ من الأطرافِ في المنطقةِ، يعملُ على تشتيتِِ شتاتِ الّلاجئينَ الفلسطينيّينَِ، ليُصارُ بعدَ ذلكَ و بفعلِ حالةَ الإحباطِ و اليأسِ التي يُعانيِِها فلَسطينيّو العراقِ -و الّتي خطَّطَت لها أمريكا و إسرائيلُ و أطرافٌ أخرى- إلى نقلِ هؤلاءِ الّلاجئينَ إلى مناطقَ و بلدان خارجَ النطاقِ الإقليميّ -في دولِ أوروبا الغربية-ِ، و على رأسِها كندا (Canada) و النّرويجُ (Norway) و بعضُ الدولِ الاسكندنافيَّةِ (Scandinavian countries)، ليكونَ هذا الأمرُ بمثابةِ العيّنةِ التجريبيةِ، حولَ إمكانيِّةِ القضاءِ على حقّ العودةِ للاجئينَ الفلسطينيينَ إلى ديارِهم و ممتلكاتِهم، بحيثُ -لا سمحَ اللهُ- إذا نجحَ هذا المخطَّطُ، ستعملُ الأطرافُ، التي هيَ ضدّ حقّ العودةِ ،على تطويرِ هذا المخطَّطِ و توسيعِه مُستَقبَلاً، في إطارِ المخطَّطِ الأمريكيِّ و الإسرائيليِّ في المنطقة .
الّلاجئون أخوةٌ لنا في الدّمِ و العَقيدةِ يتعرّضونَ للإضطهادٍ و القهرِ و التّعسفِ تحتَ سمعِ و بصرِ العالمِ أجمع، و يوجِّهونَ النّداءَ تلوَ النّداءَ لإغاثتِهِم .. و لا مُجيبٍ، و كأنَّهم ليسوا بشر، بل و كأنَّهم ليسوا من غيرِ البشرِ !!
هؤلاءِ الفِلسطينيّون مسؤوليةُ منْ ؟