الفردوس المفقود
*****
شعر : صبري الصبري
*******
قرونا فيك عشناها ثمانِ
نواكب في العلا ركب الزمانِ
قرونا ما أُحيلاها تناهت
بأرضك في الجمال وفي الأماني
بفردوسٍ كجنات عذابٍ
بحور بين خيمات حسانِ
قرونا تاقت الدنيا إليها
بشوق عمَّ أعماق الجَنَانِ
قرونا سادها الإجلال قامت
بنهضة أمة في خير شانِ
قرونا سارعت فيها إلينا
حشودٌ تبتغي دار الأمانِ
وكنا في مكانتنا كراما
نبث الخير معمور المكانِ
ولا زال الحديث بفيه دهر
عن الإسلام والسبع المثاني
بقرطبةٍ لها الطلاب جاءوا
لنهل العلم من قاصٍ ودانِ
إليها القادمون بكل حدب
لهم أملٌ ولو شخصوا ثواني
مرابعها الرقيقة في مراقي
لها بالأفق إشراقُ العَنَانِ
وسندسها الشهير بينع غرسٍ
نضارته له خضرُ امتنانِ
وزهرتها ببستان خصيب
ظليلٍ فيه مأمولُ التداني
ووردتها لها لونٌ أنيقٌ
بديعٌ مبهرٌ دون افتتانِ
تسبِّح ربَّها المعبود جهرا
وتسجد بعد تختيم الأذانِ
تصلي مثل من صلوا ويبكي
نداها عند تفسير المعاني
أراها من هنا تبكي ولكن
بكاء الذل في كَفِّ الغواني
تَلَطَّخَ طهرُ عفتها وعانت
من الهمج البغاة بالامتهانِ
أهذي روضة الأنوار صارت؟!
بعتمتها بها بغيٌ تعاني
تعاني كل مكروه وتشكو
قرونا العزِّ في قيد الهوانِ
أحقا ضاعت الفردوس حقا
أراني في حمى نومي أراني
بكابوس فظيع في رقادي
يلاحقني بأطياف الطعانِ
يهددني بإرهاب شديد
ويمنحني (كِلبَّات) الأغاني
يناديني بترغيب بغيض
ويأسرني بأغلال احتقانِ
تناسى كل شيء يا صديقي
وكن عصري بلا أدني اتِّزَانِ
ولا تذكر لـ(أندلسٍ) حديثا
جرى بالقلب أو نطق اللسانِ
ولا تأتي العَرُوضَ بدمع شعر
تهدهده المشاعر في حنانِ
تلاهى يا ابن إسلامٍ توانى
فخير العيش في ظل التواني
فصحت بصوت تاريخي ومجدي
سأبقى في محبتها زماني
أذكِّر كلَّ إخواني وقومي
بماضي العز في نور القُرانِ
وأروي سِفْرَ إعجابي وسفري
إليها بالفؤاد مع اقتراني
بعرسٍ ضم فردوسا بهيجا
بأندلسٍ برقته احتواني
سأحيى في محبته بصدقٍ
يواكبه بأشواقي كياني
أصلي في مساجده بقلبي
وأرنو مشربيات المباني
ألسنا فيه قد عشنا زمانا
قرونَ النور عشناها ثمانِ !!