السلام عليكم
من موقع الاديب حسن غريب لملت باقة منوعة من مقالات مختارة
فدوي طوقان
كان عام 2003، عاما اسود، بالنسبة للثقافة الفلسطينية: رحيل إحسان عباس (شيخ النقاد العرب)، ادوارد سعيد (الناقد الثقافي العالمي)، احمد صدقي الدجاني (المؤرخ والمناضل)، محمد القيسي (احد العلامات المركزية في شعر الستينات)، ثم... ثم (عمة الشعراء الفلسطينيين، وحصة فلسطين في ريادة الشعر العربي الحديث، شاعرة النكبة، وشاعرة المقاومة، خنساء فلسطين، وشقيقة شاعر فلسطين الأكبر ابراهيم طوقان) ـ فدوي طوقان.
ــ نشرت فدوي طوقان أولى قصائدها العمودية عام 1938 في مجلة (الآمالي) البيروتية لصاحبها عمر فروخ، وكنت نشرت مقالا بعنوان (فدوي.. الشاعرة الفلسطينية الناشئة) عام 1983 بمجلة الهدف الفلسطينية، بشأن البدايات، ثم سألت فدوي لاحقا عن صحة ما أوردته في المقال، فوافقتني تماما. إذن: عام 1938، هو عام ولادتها الشعرية، الا إذا تبين عكس ذلك.
ــ التقيت فدوي لأول مرة عام 1966 بالقاهرة، حيث كنت أعيش. كنت آنذاك شاعرا شابا يحفظ قصائد فدوي منذ الطفولة في جبال الخليل. وكانت فدوي شاعرة مشهورة قد أصدرت أولى مجموعاتها عام 1952. أصر صديقي الشاعر صلاح عبد الصبور على ان يقيم أمسية مشتركة لفدوي ولي، تولي تقديمها بنفسه، في الجمعية الأدبية المصرية التي كنت عضوا فيها. أتذكر، كيف حظيت فدوي بالترحيب والتقدير من شعراء ونقاد مصر. ذلك العام أي عام 1966، شهد اول تعرف لنا الي (شعراء المقاومة) في الشمال الفلسطيني، فلأول مرة تعرفنا الي الفرع الثاني من الشعر الفلسطيني الحديث، حيث كان الفرع الاول الذي تنتمي اليه فدوي وتقوده بنفسها هو (جماعة الأفق الجديد) الأدبية في القدس (1961 ـ 1966). لهذا اخـطأ احد النقاد العرب مؤخرا، حين قال ان قصيدة (في المنفـي) لمحمد القيسي، التي نشرها عام 1964 في (الأفق الجديد)، متأثرة بشعر المقاومة في حيفا. فنحن (فدوي والقيسي وأنا) كنا ننتمي لجماعة الأفـق الجديد الأدبية، لم نقرأ حرفا، ولم نسمع بأي اسم من أسماء زملائنا في حيفا، الا مـنذ عام 1966 لسبب بسيط هو: كنا ممنوعين من التعرف. أقول ذلك، لأثبت ان الأساليب الشعرية قد تتشـابه إذا كانت القضية واحدة. ويتــم هذا التشابه في المشترك العام.
ــ تختلف قصيدة فدوي طوقان، عن زميلتها في ريادة الشعر الحديث، العراقية نازك الملائكة، بانسيابيتها وابتعادها عن المعوقات المعرفية المنظومة، فهي تعبر عن عواطفها بحرارة، ضمن المعجم الشعري الرومانتيكي في مرحلتها الأولى: (وحدي مع الأيام ـ وجدتها ـ أمام الباب المغلق)، حيث تدور قصائدها حول مركزية (الذات الأنثوية) حتى عام 1967. ومن أطرف ما قرأت في مجلة الآداب عام 1953، رسالة من المفكر الإسلامي سيد قطب، يعلن فيها انه أحب الشعر الحديث، لأنه أحب شعر فدوي طوقان ونازك الملائكة. أما منذ 1967، فتدخل فدوي عالم شعر المقاومة، ابتداء من ديوانها: (الليل والفرسان، 1969)، تتحول نحو الهم الجماعي ولا تتخلي عن الشعر الأنثوي الرومانتيكي. وهي أيضا لم تنفصل عن هم النكبة في دواوينها الأولى. ولها قصائد مشهورة عن عذاب اللاجئ. لم تدخل فدوي منذ مجموعتها الأولى 1952 وحتى (اللحن الأخير) عام 2000، حقل: شعارات الحداثة ورطانتها، بل ظلت تعبر عن تجاربها الشعرية، ضمن الشكل الشعري البسيط الحديث الذي أنجزته منذ الخمسينات. كما ان المعجم الشعري، ظل رومانتيكيا، مع بعض الإضافات الواقعية بعد عام 1969. أما المنظور الي العالم، فقد ظل منسجما مع مشاعر امرأة فلسطينية، كانت مقهورة اجتماعيا، حتى وهي تتحرر من هذا القهر لاحقا. فالمفتاح لقراءة فدوي شعريا هو: (الرومانتيكية ـ الانسيابية ـ البساطة ـ التراجيدية الحارقة ـ المقاومة ـ الريادة). أما مفتاح قراءة الشخصية، فهـــــي:
(الدماثة - الطيـبة -الحزن - البراغماتية الوسطية والاعتـدال - الوطنـية دون اديولوجيا).
في قضايا الخلاف حول فدوي طوقان (النص والشخص)، أثيرت عدة قضايا:
قصة الحب التي قيل انها وقعت فيها مع الناقد المصري أنور المعداوي، حيث لم تعترف فدوي طوقان بوضوح ولم تنكر بقطع، لكن جرأتي في فتح الموضوع معها عام 1966، خصوصا أنني تعرفت الي أنور المعداوي في مقهى بالجزية، جعلتها تومئ بحزن الي وفاة المعداوي عام 1965، وكان كلامها يوحي بأكثر من حزنها علي رحيل (الناقد)، وأقل من حزنها علي (حبيب)!
الجدل حول قصيدتها: (فلسطينية أردنية في انكلترا)، وصل الي حوار الهوية والمنفي والقصيدة.
الجدل حول قصيدتها: (إتيان في الشبكة الفولاذية) أوصل الحوار الي السؤال: الي أي مدي يمكن للشاعر الفلسطيني ان يحاور (العدو)، وما هي آليات الحوار، إذا انطلق من (عدم شرعية دولة إسرائيل)، أم حين ينطلق من (الحل الممكن) بعيدا عن (الحل العادل).
الجدل حول لقاء فدوي طوقان، شاعرة المقاومة مع موشيه دايان، وزير الحرب الإسرائيلي. ثم التساؤل حول كيفية (الجمع بين المقاومة والتأسرل!) ـ انظر: حوار مع فدوي ـ القدس العربي، لندن، 24/6/2003.
- هذه القضايا نوقشت في حينها، وأدلت فدوي بدلوها، ويمكن قراءتها في إطار الظروف التاريخية، دون إسقاطات من الحاضر.
ــ إذا كانت الصدفة قد شاءت ان أكون شريكها في أمسية القاهرة عام 1966، فقد شاء المخططون، ان أكون شريكا لفدوي طوقان عام 1997، في أمسية شعرية، في (مسرح موليير) في باريس. كنا نقيم في فندق (لوتسيا) معا. نأكل الوجبات اليومية معا نكسدر في شوارع ليل باريس ومقاهيها، علي مدي أسبوعين كاملين. في هذه الرحلة توطدت صلتي بعمتي فدوي، كما كنت أخاطبها، وباحت بكثير من الأجوبة التي كنت ارغب في سماعها عن أسرار القضايا المختلف عليها في حياتها وشعرها. وكانت إجابتها بسيطة غير معقدة، مثل قصائدها. ولا انسي تواضعها حين كانت تتحدث للصحف الفرنسية ومراسلي الصحف والإذاعات في باريس، عن شعري وشعر أبناء جيلي، بمحبة الشاعرة الكبيرة الواثقة من نفسها، كانت تسمينا وتصفنا بمؤسسي الحداثة الشعرية في فلسطين: (محمود درويش ـ سميح القاسم ـ عزا لدين المناصرة ـ احمد دحبور ـ مريد البرغوثي ـ معين بسيسو ـ محمد القيسي ـ توفيق صايغ ـ جبرا ابراهيم جبرا ـ فواز عيد)، كما قالت لإحدى الصحف الفرنسية. كانت أمسيتي الشعرية المشتركة مع فدوي في باريس، حاشدة بالفرنسيين والعرب، ووصفت بأنها من أفضل أمسيات الربيع الفلسطيني، وعادت فدوي الي فلسطين مبتهجة وفرحة.
ــ صيف 2002، كان لقائي الأخير بفدوي في عمان، حيث أهدتني (اللحن الأخير). وكانت قد اعتذرت للصحافيين عن إجراء حوارات، بسبب التعب والمرض. لكنني استطعت ان اجعلها توافق، عندما تقدمت مني صحافية لبنانية صديقة، تطلب حوارا لمجلتها مع فدوي. وافقت فدوي عندما همست في أذنها: (لبنان المقاومة.. لا تستطيعين ان ترفضي يا فدوي!)، فأومأت بالموافقة.
ــ رحلت فدوي، وهي تري مدينتها الجميلة نابلس، مدينة التاليد العريقة، جبل النار، مدينة ابراهيم وفدوي، يدمرها المحتلون الإسرائيليون، وهي تقاوم كعادتها الأزلية في مقاومة الغزاة. رحلت فدوي، بعد ان تركت بصمتها الأنثوية الشعرية في مجري حركة الشعر الحديث، رائدة من روادها. ولدت فدوي في نابلس عام 1917، وتوفيت في نابلس بتاريخ 12/12/2003.