الشعر الشعبي المناضل
بقلم: حسين علي لوباني الداموني
في أوائل الأربعينيات من القرن الماضي، كنت طفلاً من أطفال قرية (الدامون) الواقعة في قضاء مدينة (عكّا)، حيث كنت أردّد مع أترابي، على بيادر القرية، وفي كرومها، وحقولها، كثيراً من الأغاني الشعبية التي يكثر الفلاحون من ترديدها، مثل: العتابا، والميجانا، والدلعونا، وظريف الطول، وسْكابا، ومَرْمَرْ زماني، والغزيّل.. وأشعار المرودَحَة، والمهاهاة (الزغاريد).. إلخ..
وكل هذه الأغاني الشعبية وغيرها، تقوم على أوزان شعبية مستحدثة، وصلتنا منذ أيام (العباسيين)؛ ومازالت سارية المفعول والتأثير حتى أيامنا هذه، في مطلع القرن الحادي والعشرين.. وهي أوزان تكاد تنحصر في تسميات مثل: القصيد، المعنّى، القرّادي، الزجل بأوزانه المتعددة، والموشّح والموّال، والعتابا.. إلخ..
أما موضوعات تلك الأشعار الشعبية المغنّاة، فغالباً ما كانت تدور حول الأمل والألم والفراق والوصال والغربة والغزل بالحبيب وحبّ الوطن والفخر والمديح.. إلخ.
والشعر الشعبي (الزجل) ذو تأثير مباشر في نفسية المتلقّي والسامع، نظراً لسهولة ألفاظه، وطريقة عرض ه مغنّى وملحناً، فيتقبّله الفرد العادي بارتياح وترحيب.. وقد يحفظ بعضه، ويردّده مع نفسه، أو في حضرة الآخرين..
... أعود إلى بداية كلامي، لأقول: إنني وأترابي من أطفال قرية (الدامون)، وسائر قرى الجوار: (البِرْوة، الرّويْس، شَعَبْ، كابول، تَمْرَة..) كنت في فترة الأربعينيات، من القرن الماضي، نردّد مثل هذه الأشعار الشعبية (المناضلة):
يِحْيا الوطن يِحْيا الدّينْ يِحْيا شِعِبْ فلسطينْ
وِأنْتُو يا شَعْبِ العَرَبْ عَ اليهودي منصورينْ
*
ثَلَثِ سْنينِ بْليالي ما نِمْنا بالعلالي
وِأحْنا بْروسِ الجبالِ للقتالْ مِسْتعِدّينْ
*
وقد رّدد سائر أطفال وأهل فلسطين في تلك الفترة وأعقابها كلاماً شعرياً شعبياً صريحاً قاسياً بحق من خانوا أو قصّروا في نصرة فلسطين، وقضية فسطين، وأهل فلسطين؛ فقد كنّا نردّد:
خَرا بْدَقْنِ السبْعِ مْلوكْ هَجَّجْهِنْ (مُوْسَى شَرْتوكْ)[1]
(فوزي القاوقجي) يا مَهْتُوك راحتْ مِنّك فلسطينْ[2]
*
والشاعر الشعبي الفلسطيني، متوهّج الحضور بين أهله وناسه، يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، وآمالهم وآلامهم، ولا يتخلّى عن دوره الوطني التحريضي في المناسبات التي تستدعي ذلك. والتاريخ يخبرنا بأن الأمير الفلسطيني الكبير: (ظاهر العمر الزيداني) كان يكرم الشعراء، وقد اختصّ شاعره الشعبي: (شناعة المريح) بمكانة مرموقة.. حيث كان هذا يحضّ الناس على الصمود والتصدي للولاة الظالمين في الفترة الممتدة من عام (1730) حتى عام (1775)م، عام مصرع الأمير (ظاهر)..
... حتى الوالي (أحمد باشا الجزّار)، صاحب الهيبة والجبروت، على لسان شاعره الشعبي، يستنجد بأهل (نابلس) من (آل النمر) و(آل جرّار) ضد نابليون بونابرت أثناء حصار هذا لمدينة (عكّا) عام (1799)، فيقول الجزّار، مستنهضاً ومحرّضاً، قد مقدّمة شعرية طويلة:
تهدي، هداك الله، خذ لي رسالتي مرقومة بالخطّ من العبراتْ
إقطع بها (مرج ابن عامر) وقَبّل تِلْفِي على بلاد بها نخواتْ
تِلْفي على (جِنين) مع رايق الضّحى تِلْقى بها علالي وِقْصور مَبْنيّاتْ
طقّ ألْها بالسّرع لا تامن الونا قَبِّلْ على (صانور) فيها وْباتْ[3]
ويستمر الشاعر بمثل هذا الأسلوب، ليخبر، أخيراً، أهل (نابلس) بأنه:
أَجَتْنا (الفَرَنْساوي) شبه الجراد والحصى سلاطينْ سبعة مع سبع كرّاتْ
يهدّدوا جوامعنا ويبنوا كنايِسْ ويدعوا قناديل الإسلام مطفيّاتْ
نْريد مِنّك فزعة عامريّة يوم الوغى ما تْهاب من شُوفاتْ
ويَرُدّ، المستغاث به، وهو: (الشيخ يوسف الجرّار) بقصيدة طويلة منها:
يا نوابلسة نوضوا أجمعين نوضة العقبان من الجوّ خاوياتْ[4]
سيروا على (عكّا) جميعاً كلّكم لا زمون الشرّ في عكّا نباتْ
*
وبانتهاء الحرب العالمية الأولى، كان قد مضى على فلسطين (400) عام من الحكم التركي الذي من أسوأ آثاره اعتماد سياسة التجهيل.. راح التركي ليحلّ مكانه الانتداب البريطاني الذي بدأ يعمل على تنفيذ بيان (بلفور)[5] الخاص بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، مما أدى إلى بدء الثوارت الفلسطينية الواحدة تلو الأخرى للحيلولة دون تنفيذ ذلك الوعد (البيان).. فقامت الثورة في (القدس) عام (1920)، وفي (يافا) أعوام: (1921) و(1924) و(1925)؛ وفي سائر البلاد الفلسطينية أعوام: (1929) و(1935) و(1936). لتندلع الثورة من جديد عام (1937)، لتستمرّ مستعرة حتى أواخر عام (1939) زمن نشوب الحرب العالمية الثانية، فتتوقف الثورة في مطلع عام (1940) بسبب ظروف الحرب العالمية التي انتهت عام (1945)..
وما إن مضت سنتان على انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى اتّخذت الأمم المتحدة قراراً يقضي بتقسيم فلسطين، في (29/11/1947).. حيث شرع اليهود فلسطين بارتكاب المذابح والمجازر بحق أفراد الشعب الفلسطيني، لدفعه على مغادرة وطنه تحقيقاً للمقولة الصهيونية: (إنّ فلسطين أرض بلا شعب)؛ لتصبح أرضاً مشرعةً لشعب بلا أرض.. في الوقت الذي أخذ فيه الإنجليز بتجريد المدن من السلاح، ليسهل على اليهود احتلالها.
.. وانسحب الإنلجيز المنتدبون من فلسطين في (14 أيار من عام 1948)؛ ودخلت بعضُ الجيوش العربية النظامية فلسطين. لتنهزم أمام القوى اليهودية – الصهيونية المدعومة عسكرياً ومادياً وسياسياً من قبل (الولايات المتحدة الأمريكية) و(بريطانيا) ولتحلّ النكبة، فيغادر كثير من الفلسطينيين ديارهم إلى البلدان العربية المجاورة حيث ترتّب على تلك النكبة خضّة سكانية أدّت إلى نشوء المخيمات الفلسطينية المتوزّعة على بعض الأراضي الفلسطينية التي لم تُحتلّ، وعلى أراضي البلدان المجاورة في: لبنان وسورية والأردن..
ذُهل أبناء فلسطين لضياع فلسطين بمثل هذه السهولة، والسرعة.. وحزنوا كثيراً لافتقاد الوطن، والقرية، وأرض الذكريات، وملاعب الصّبا، وديار الطهارة والقداسة.. وهم الذين، لم يقصّروا، يوماً، في الدفاع عن أرض الوطن، بل قدّموا الغالي والرخيص، والدم وكلّ نفيس، دفاعاً عن بلدهم الغالي..
وقد تجسد نضال الفلسطينيين منذ عام 1920، ضد الإنجليز واليهود، بالتظاهرات والاحتجاجات والإضرابات، والاعتصامات، ثم بالصدامات اليدوية، والهراوات، والحجارة، والرصاصة، والكلمة الاحتجاجية التحريضية، الداعية غلى التصدّي لقوى الظلم والعدوان المتجسّدة بشخصي: الإنجليز واليهود..
****
..ولقد كان للشاعر الشعبي دور مناضل، فعّال، في سبيل الوطن طيلة عهد الانتداب البريطاني على فلسطين... وفي أحداث نكبة عام (1948)، وخلال العقود التي تلت تلك النكبة؛ ليؤكد لنا شاعرنا الشعبيّ المناضل أنّه في شعره: شديد الالتصاق بقضايا الوطن وأحداثه..
وفيما يلي أورد بعض الأمثلة التي شارك فيها الشاعر الشعبي، بأبرز الأحداث الفلسطينية خلال ثورة عام (1929) في القدس وفي سائر البلاد، وإعدام الثوّار الثلاثة في سجن (عكا) يوم (17 حزيران/يونيو من عام 1930)، واستشهاد الشيخ عز الدين القسّام في نزلة الكيلاني بجوار أحراش (يَعْبَد) يوم: (20 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1935)، والمعركة الأولى في ثورة (1936)، عندما حاصرت قوات الانتداب البريطانية مدينة (نابلس)؛ ثورة (1937)، ونكبة (1948).
(1)
يؤرّخ شاعرنا الشعبي لثورة عام (1929) بشعر شعبي على وزن (الدلعونا):
صارت الثورة في القدس صارت وديوك العرش في السّما صاحت
شباب العرب عليها صاحت بْسَحب الخناجر على الصهيونا
*
صارت الثورة بْباب الخليلِ ودم الصهيوني عالأرض بيسيلِ
شباب العرب شيلو المرتيني نحمي وطنّا من الصهيونا
*
يمّا يا يمّا أوعي تنهمّي فِدا للوطن ضحّيت بدمّي
مع القرايب وِاولادِ العمِّ شباب الوطن لا تِنْهَمّونا
*
(2)
..وفي مناسبة إعدام الثوّار الثلاثة: (محمد جمجوم) و (عطا الزير) وهما من مدينة (الخليل)، و(فؤاد حجازي) وهو من مدينة (صفد)، وهي المناسبة التي أوحت للشاعر المرحوم (إبراهيم طوقان) بقصيدته الشهيرة (الثلاثاء الحمراء)، تغنّى شعبنا بأبيات (دلعونا) كالتالية:
من بابك (عكا) طِلْعَتْ جنازِةْ جمجوم وعطا وفؤاد حجازي
مندوب السامي ربّك يجازي تِصبحْ حريمو عليه يِنْعونا
*
ثَلاثي ماتوا موتِ الأُسودِ لا تِشْمتْ فيهم وِلَكْ يهودي
كانوا بْعصايِةْ وإنتِ بْبارودي وظَلّيتك تِشكي يا ابن الملعونا
*
زوروا المقابر يوم الأعيادِ إمشوا لعكّا زوروا الأمجادِ
أهل الشهامِةْ عطا وفؤاد لا يْهابوا الردى ولا المنونا
*
(3)
ويوم استشهاد الشيخ المجاهد عز الدين القسام، في أحراش (يَعبَد) كان يوماً مشهوداً، وقد بكى فيه الشعب الفلسطينيّ شهيدَه الشيخ المناضل بلسان الشاعر الشعبي الذي قال:
عِزّ الدّين يا مَرحومْ موتَكْ دَرِسْ للعمومْ
آهْ لو إنّك كنتِ تْدومْ يا رئيسِ المجاهدين
*
عزّ الدين يا خْسارتَكْ رُحِتْ فِدا لأُمّْتَكْ
مين بْيِنكِرْ شهامتك يا رئيس المجاهدينْ
*
أسّسِتْ عصبِة للجهاد لأجل تحرير البلادْ
تا تخلّصْها مْنِ الأوغاد صهاينة ومستعمرين
*
لِعْبَت الخِيانِة لعبِة قامت وقعت النكبة
وْسال الدمّْ للركبِة وما كنتِ تْسَلّم وتلين
*
(4)
..وعندما طوّق الجيش الانجليزي مدينة (نابلس) في أحداث ثورة عام (1936)، للقبض على من فيها من الثوار، قدمت إليها نجدات من مختلف أنحاء البلاد؛ وضرب الثوار طوقاً حول الطوق الإنجليزي على جبال نابلس والتلال المجاورة لها، فوقع الإنجليز بين نارين مما اضطُرّهم إلى الاستنجاد ببعض طائراتهم التي شاركت في المعركة بقصف مواقع الثوار، وكان الثوّار في طريقهم لنجدة ثوّار (نابلس) يتغنّون بأشعار شعبية، كما في:
يا طيرْ ما عِنْدك علومْ عن وقعة صارتْ شمالْ
وِتعلّقت بعدِ العصِرْ ما فكّْها غير الظلام
*
بين (بلعا) وبين (نمرين) تِسمع ضرب القيازين
بين (بلعا) و(اللَّيِّة) تسمع للموزَر دَيّة
بين (بلعا) و(المنطار) ذبّحنا جيش الكفّار
*
صهيوني خُذْ رَبْعَك وْروحْ هاذي البلادْ بلادْنا
صهيوني منّك ما نْهاب راياتنا فوق السّحاب
*
(5)
..وفي أحداث ثورة عام (1937)، وفي أعقاب الإضراب الشعبيّ العام، والذي يُعدّ أطول إضراب –زمنياً- في التاريخ، استمرّ الثوار في نضالهم، وخاصة في المناطق الجبلية؛ حيث شارك الشاعر الشعبي أخاه الثائر بالكلمة الحرّة المناضلة:
(أ)
فلسطين المنكوبِة أشرف بقعة محبوبة
في جهاد الاستعمار رفعت راس العروبة
*
أمّ الدنيا القديمة بلادي الرُسُل بَنَتْها
إِلْها في العالم قيمِةْ كُتْبِ السّما بْتِثْبِتها
بريطانيا الملعونِة للصهيوني باعتها
بيت الربّْ صار غْنيمِة شو هالدنيا المقلوبِة!
*
هذا الوطن الصابر مهدِ المحبّة والسلام
مهد المسيح الناصر وأول قِبلِة للإسلام
مهد المسيح الطاهر مهد الأنبيا الكرام
صارت دار المخاطر مع هالدولة المندوبِة
*
يا ما احلى جيش الثوار لما يقوم بهجماتُو
ذبّح جيش الاستعمار وْأَخَذِ سْلاحو وْآلاتو
الثائر يِهجِمْ عالنار وما بسأل عن حياتو
يحيا الشبابِ الأحرار والبواردْ ملهوبِة
*
(ب)
وهذه (طَلْعة) من وزن (المربّع)، يقول فيها شاعرُنا الشعبي:
صهيوني إرحل عنّا هذا الوطن وطنّا
ما ظنّي رح تتهنّا في أراضي فلسطين
*
يا صهيوني يا غشّاش في بْلادنا مالَك معاش
قصْدك تِتْملّك بلاشْ في وَطنَا يا لعين
*
فلسطين لا تذِلّي ورْجالِك ما بِتْولّي
والأقصى عم بِيهَلّي في شبابك يا فلسطين
*
وْعِنْدَك سعيد العاص راعي الهمّة والحماسْ[6]
إرجالو تُضرُبِ رْصاص في جيوش الكافرين
*
سعيد القائد المغوار ما يْهابِ إطلاق النار
نادوا إخواني الثوارْ يالله هجمة عالكافرين
*
(ج)
وللشاعر الشعبي المرحوم (فرحان سلاّم) شروقية، والتي يُقال إنّه تغنّى بها في احتفال كبير أقيم في أحراش قرية (النبي صالح) الواقعة في قضاء مدينة (رام الله) مبيّناً دور العالم في الإصرار على التنكّر لنا، وعلى معاداة شعبنا وأمّتنا.. يقول في بعض أبياتها:
كنيسة المهد من كان بِيكِِ حدا طمعانْ حولك يلاقي النصارى مع مسلمينا
يوم الكريهة أسود ما يقبلوا الخذلان تأبى الضيم، العرب تحمي الميادينا
وأن كان (بلفور) يجهل قيمة الأوطان إحنا بارواحنا نفدي أراضينا
يا صخرة القدس كوني في رضا وأمان إذا هجرناكِ للرحمانْ إشكينا
حولك بواسل باللقاء شجعان يسقون أعداكِ زقّوماً وغسلينا
*
(د)
..وفيما يلي أختار قصيدة شعبيّة من ديوان الشاعر الشهيد المناضل (نوح لإبراهيم) الذي استُشهد في معركة (كمبْ عتليت)..
ويعتبر نوح إبراهيم نموذجاً للفنّان الشعبي الذي اتّخذ من الشعر العربيّ وسيلة لبثّ الروح الوطنية ومقاومة الاحتلال البريطاني، والغزوة الصهيونية اليهودية للأرض العربية الفلسطينية...
والقصيدة هي بعنوان (الله يحيّي هالأبطال)، ومن أبياتها:
قولوا معي يا أحرار مِنِ كْبار وْمِنِ زْغار
تِحيى الأمة العربية وألله يحيّي هالأبطال
*
رجال أقسموا اليمينْ يضحّوا بالغالي والثمينْ
في سبيل فلسطين مهما صادفهم أخطارْ
*
رجال كلهم أبطال وفيهم نترجّى الامال
ياما قضّوا بالجبال ربّي تعينهم يا ستّار
*
روّعوا المستعمرين وأعطوهم درس ثمين
ولازم تفوز فلسطين وتحوز انشالله الانتصار
*
(6)
بمثل هذا الشعر الشعبي المناضل تغنّى (نوح إبراهيم) وسائر زملائه الشعراء في فترة الثلاثينيات.. وحتى زمن النكبة عام (1948)، حيث صُبغت القصيدة بصبغة البكاء والتفجع على فراق الوطن، وبالحنين إلى الديار، وبالتصميم على العودة، والثأر من العدو الغاصب..
فهذا الشاعر (راجح السلفيتي)، يبثّ شجونه، بعد الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، في قصيدة، يقول في بعض أبياتها:
(أ)
مطالبنا الشعبيّة دَحْرِك يا صهيونية
كلمتنا أعلنّاها عا منبر الجمعيّة
*
طُلّي يا جيوشْنا طلّي ملّينا عيشةِ الذُّلِ
أهل الأرض المحتلِّة بْتِتْلهّف عالحرية
*
لمّا زمجر مِدْفَعْنا صار العالم يِسْمعْنا
وقوى التحرّر معنا بْكلّ الكرة الأرضية
*
شدّي يا ثورة وقِيدي وزِيدي تلاحم زيدي
تَنِفْتح صفحة جديدِة بْمسيرتنا الثورية
*
يا غاصب لا تتمتّعْ بدّكْ لحجمك ترجع
بالاستقرارْ لا تطمعْ عاكرسي العنجهية
*
(ب)
..وهذه أبيات من شعرٍ للشاعر الشعبي (موسى حافظ موسى) المولود في (مخيم جنين) يناجي فيها داره الفلسطينية المهجورة – المهدومة، يقول فيها:
يا دار وين أحبابنا طلّوا يا دار عنا احبابنا تخلّوا
ضاعوا بْهالدنيا وْسابونا وْبِضياعهم ضاع العُمُر كلّو
*
يا دار وين الأهِل والجيران يا دار وين الصَّحِبْ والخلاّن
يا دار هالأحبابْ سابونا وضاع الوطن والعزّ والسلطان
*
يا بيتنا اْل كُنِتْ بالعالي مزيون بالجنبين ع قبالي
أصبحت مهدوم وصرت أطلالِ ما دْريتْ يا هالبيت بحالي
*
يا دار عادوا أحبابك عادوا والوطن دمع الفخر ع اخْدادو
دعيت ألله تْعود كلمتنا ويعود كل غايب على بْلادو
*
(ج)
..وفي عزّ احتدام معارك حرب عام (1948)، حيث كانت الانتصارات سجالاً، وفي وسط معمعة الكرّ والفرّ كان الكثير من المقاتلين يرددون الأهازيج والعتابا.. فها هو أحد شعرائنا الشعبيين يتغنّى ببعض أبيات (العتابا) أمام قوّة من الجيش العراق في (طيرة) المثلّث بفلسطين على مسمع من قوة العدوّ المقابلة على الشريط الساحلي، فيقول:
عِدانا ما تْقولو عزّكم دامْ ولازمكم تجونا بْذُلّْ وِنْدامْ
واحنا رجال شرّابين للدمّ وْكونوا في حذر غداً الضحى
*
عدانا ما تقولو إنّا بلينا بِلِي البولاد وِحْنا ما بلينا
وانتو الزرع واحنا المنجلينا ونحصدْكو على طول المدى
*
وكان الحضور يردّون بغناء (الميجنا) والأهازيج، ويكرّرون من حين إلى آخر، شعارات، كالشعار التالي:
دَبّر حالك يا شرتوكْ جِينا لَحَرْبك جينا
وان كان العالم نِسيوك إحنا العَرَبْ ما نْسِينا
*
وبالرغم من تلك الوقفة الباسلة التي وقفها أهل (الطيرة) في معارك عام (1948)، فإن القرية سُلّمت لليهود مع سائر قرى (المثلث) في إثر هدنة (رودوس) عام 1949، تلك الهدنة التي كرست الهزيمة العربية من ناحية، وسمحت بقيام الأساس الأوّل للدولة اليهودية من ناحية ثانية..
7- ..وفي زمن الشتات والغربة، ورغم القهر والعذاب، فإن الفلسطينيّ لم ينسَ وطنه الحبيب الغالي (فلسطين).. فصبر وصابر، وعمل بكل ما أوتي من قوّة: فكرية أو حركية لخدمة قضية بلده العادلة والمشروعة.. إلى أن ظهر العمل الفدائي المقاوم، وفي أعقاب حرب عام (1967)، حيث احتلّ العدوّ الصهيوني بقية الأرض الفلسطينية التي لم تحتلّ عام (1948)..
وفي أعقاب معركة (الكرامة) عام (1968) صرنا نسمع مثل هذه الأشعار الشعبية المغنّاة..
يا فدائي خذني لا حاربْ علّمني وخذني لا حاربْ
يا بلادنا علينا واجبْ نفديك كبار وصغارْ
*
يا عرب لازمها مروّة نرمي النار بالهوّة
ما بينفع غير القوة والنار تطفي النار
*
ما دام اللغم بيتفجر لا مجنزرة ولا نصف مجنزر
أنا بصرخ ألله أكبر برميها بالمهوار
*
أنا بيتي قريب من الصخرة ما بين القيامة والصخرة
بَحْلف بمحمد والعذرا أنا راجعْ لكْ يا دارْ
--------------------------------------------------------------------------------
[1] موسى شرتوك: قائد صهيوني - يهودي
[2] فوزي القاوجي: قائد عسكري، عربي، من طرابلس، لبنان: كان قائد جيش الإنقاذ.
[3] أي: أسرعْ ولا تتكاسل، وسِرْ جنوباً إلى قلعة (صانور) القريبة من نابلس.. ونَمْ ليلتك فيها.
[4] أي: يا أهل نابلس، إنقضّوا على الأعداء كما ينقضّ العقاب على طريدته، من الجوّ بسرعة.
[5] وزير خارجية بريطانيا في زمن الحرب العالمية الأولى (1914-1918).
[6] سعيد العاص: مجاهد سوري، استشهد في منطقة الخليل في ثورة 1935م.