نـــــــــــوى
مسك الزمان بكفيه رأس العراق.. وتشبث بشعره ليفتش فيه عن القمل! كلما أخرج منه قملة، يبكي العراق الموت، والقمل لا يموت! أقسمتُ لهم أن نبض الفرات حيّ، فأقسموا أن أموت! أقسمتُ لهم أنني ميّتٌ، فأقسموا أن أتمزق..!
ويح أمي ليتها لم تلدني تراباً، يتعذب في بكاء الولادة! قالت: يا ولدي لا تلُمني! ولدتَ من رحمي، وإليه ستعود! ستُكلم الناسَ في مهدِ الزهوِ صبياً يحكي عشقه لانتمائه، والولاء لثدي العراق لما لم تشبع منه بعد! فتهيأ لترابي ... ولسوف ترجع!
يا ولدي ليتني متُّ قبل جوع العراق... قبل أن خط الزمان فوق بغداد أسطورة الفراق، قبل أن تحرم الأجساد من قبورها وهي أشلاء الوفاق! قبل أن يشاع أنين الثكالى أناشيد الاشتياق ..فراق .. فراق .. فراق ..!
هو نبضك يا ولدي، يا عاشق العراق، المشتاق. قلت أماه كفاكِ احتراقا رجوتك ِ باسم العراق. سيلتقي النهران بعد فراقهما ... ولن نكذب في الوفاق! وخبزنا يلح عليّ أن أتوثب، هبيني قلبك أماه ولن أخذلهم والله أنا للعراق ذخيرة .. !
أماه، هزي إليكِ بنخلِ العراق .. يتساقطُ عليكِ رصاصاً خجولاً. وتماسيحَ عبرت إلينا، تخنقنا ووزارات تحمل أوزار تيهنا، وراحلين نبكي كما الشناشيل تبكي سيابها .. والعناق... .. ياسيابُ ... أين الرفاق؟!وهنا لاح في الكون ... نورٌ .. من قلبٍ صغيرٍ شاهدته أماه ... وتشوقتُ لوهجِ بهاءهِ، جلستُ في حدائق أنسه وغازلت وروده .. أماه، ما أسعدني في عتمتي أنْ صار النورُ دليلي ..
أنا الذي شوهَت بشاعاتُ الظالمين نهاراتي .. صرت الآن بالنور أسعد! سأحتضنه أماه وكلي خوفٌ أن يسرقوه مني، أو يسقطوه عني أولئك الذين خدعوا أهلي وسرقوا دمعهم ... بزعمهم يحرروه! فما أجمل أن يعود الشهداء في إطلالة نور، وقلبي الذي أغتيل عاد لينبض من جديد... فما باله الآن يبكي ... مندهشاً بنورٍ شوهِدَ مشرقاً كالسراج المنير! أستيقظتُ من غفلتي .. لاجد صورة أمي التي رحلت منذ عشرات السنين، ضائعة الملامح!!! وحده نورُكِ بغداد ... يرسمُ صورتي وبسمتي وحريتي!
كأن في عينيكِ دعوة، ووعد غامض بقصة.. كأن فيهما شيء من الغرق اللذيذ .. وربما نظرة اعتذار مسبقة عن كل ما سيحل بي من كوارث بسببهما لئلا شمعة بغداد يطفئها المجرمون .. أعدّ الليالي ليلة بعد ليلة ... وقد عشت دهراً لا أعد الليالي!
ترى أهكذا يبدأ الحب بك بغداد ؟!
ليتهم ماأضاعوك ... وأضاعوني