فور احتلال العراق عام 2003 أسس فيه المحتلون نظاما سياسيا قائما على المحاصصة الطائفية ، استنادا إلى مشروع استراتيجي كان قد وضعه ( بريجنسكي ) مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق ، وهو الطرق على الجدران من أسفلها تماثلا مع سياسة فرق تسد البريطانية وسياسة الاستعمار الفرنسي الثقافية والتي تصب كلها في نفس الاتجاه ، أي تطبيق سياسة التمييز الطائفي والعرقي والثقافي والاجتماعي والديني في أي بلد يشكل خطرا على الامبريالية وسياستها ومصالحها لخلق الأزمات فيه وإضعافه أو إسقاط نظامه ومن ثم تدميره كما حصل في العراق ..
سارت العملية السياسية في العراق على هذا الأساس منذ بدايتها بتشكيل مجلس الحكم المؤقت وإصدار قانون الدولة المؤقت والدستور الجديد عام 2005 ، والانتخابات التي تعاقبت لاختيار مجالس النواب والحكومات الانتقالية والمؤقتة والدائمية كلها جرت على هذا الأساس مع استبعاد شرائح مهمة تحت حجج غير منطقية وظالمة وتسبب هذا في حرمان أطياف مهمة من الشعب من المشاركة بهذه العملية السياسية رغم ارتباطها بالمحتل بكل أبعادها ، ودخول العراق في نفق مظلم بعدما أصابه ما أصابه من الدمار والخراب والتقتيل وفقدان الأمن والاستقرار وزيادة التدخل الخارجي في شؤونه الداخلية بشكل مخيف وخطير وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعاشية وانتشار الفساد والرشوة والتبذير ونهب الثروات والبطالة ..
في حديثنا هنا سنشير إلى فصل آخر من فصول المظاهر الديمقراطية الكاذبة التي تسود عراق اليوم والتي أسس لها المحتل الأمريكي في إطار إستراتيجيته الطرق على الجدران من أسفلها ..
فقد كشفت مصادر سياسية لوسائل الإعلام في بغداد عن أن تمرير قانون الانتخابات المعدل لعام 2010 الذي اقر مع المادة الأولى الخاصة بالأقليات والمهجّرين العراقيين في الخارج جرى من خلال طبخة سياسية نفذتها كتل سياسية لم تسمها إلا أنها ذكرت أنها الكتل الحيتان في البرلمان ، على حد تعبير هذه المصادر لقناة الشرقية ، وذكرت المصادر أن هذه الكتل تستهدف تضييق حجم تمثيل المهجّرين في البرلمان المقبل في خطوة عدت احتقارا لإرادة العراقيين في المهجر واستلابا لحقوقهم الطبيعية ، وأوضحت المصادر أن بعض الكتل مررت صفقة مع مفوضية الانتخابات الحالية لحصر أصوات الناخبين العراقيين في الداخل لصالحها من خلال تقليص تمثيل المهجرين خشية بروز الخط الليبرالي المتمثل في بعض الائتلافات التي أعلن عدد منها مؤخرا ، الأمر الذي يؤثر على أصوات الكتل التي ما زالت تعتمد على الأجندة الطائفية ..
وفي الوقت الذي ينتظر هؤلاء المهجّرين ، الذين أزيحوا جبرا من العراق أو ممن هاجروا حفاظا على حياتهم من العصابات والإجرام ، فرصتهم في التصويت ووضع قناعاتهم في التصويت - حسب رأي المراقبين - لكن يبدو أن الذين تسببوا في تهجير هؤلاء يخافون أن تأتي النتائج عكسية إذ من الطبيعي أن هؤلاء سوف لن يصوتوا لمن هجّرهم ، هذا ما يبدو من أول وهلة ومن أبسط تحليل للمادة التي وردت في قانون الانتخابات المعدل مؤخرا والتي منحت المهجرين نسبة (5%) فقط ! من مقاعد مجلس النواب المقبل وهذا لا يتناسب بالتأكيد لا من قريب ولا من بعيد مع أعداد المهجرين في الخارج والتي وصلت إلى 5 ملايين نسمة يتركز معظمهم في عمان وسوريا ثم اليمن والسويد وبقية دول العالم الذي يضحك من هول ما يراه (بلد يطفو على بحيرة من النفط وشعب يتسول لقمة العيش) ..
من جهة أخرى رفض عدد من البرلمانيين العراقيين هذه النسبة ، معتبرين ذلك ظلما ، وطالبوا مجلس الرئاسة الذي سيصادق على القانون ، بنقض الفقرة الخاصة بالمهجرين معتبرين أن الحصة التي منحت لهم وهي 5% إجحاف بحقهم ، وذكر هؤلاء لوسائل الإعلام أنهم طالبوا رئاسة الجمهورية بنقض الفقرة الخاصة بالمهجرين ومنحهم 15% بدلا من 5%، لأن هناك ملايين العراقيين في الخارج ينتظرون الإدلاء بأصواتهم ، وأن هذه الـ5 % لن تمنحهم سوى 8 مقاعد في البرلمان، بينما هم يطالبون بـ 30 مقعدا للتصويت عليه من خلالهم ..
ورغم أن مؤيدي العملية السياسية وخيار الانتخابات يدّعون أنهم يملكون الحل الحاسم لمأساة العراق ويعدون بتطبيق برامجهم في حالة فوزهم لكننا نشك في تحقيق ذلك لان تجارب السنوات العجاف الماضية أثبتت عجزهم وفشلهم ولم يتمكنوا من الإيفاء بالتزاماتهم تجاه مطالب العراقيين ووضح حد لماساتهم التي لازالت تنخر في الجسد العراقي بشكل مرعب ، أما المعارضين لها فيعتبرون ألا جدوى أو طائل من هذه الانتخابات لأنها ستكّرس القوى الطائفية الاثنية وهي باطلة ولاغية وغير شرعية ، لأنها تجري في ظل الاحتلال ودستوره وقوانينه ، وبالتالي فإن رؤاهم تتمحور حول عدم تحقيق هذه العملية لأهدافها ، كسابقاتها ، وبالتالي فشلها في تحقيق أهدافها ، ويرى طرف ثالث – معارض للانتخابات أيضا – أن الحل يكمن في إلغاء العملية السياسية برمتها لأنها مؤسسة من قبل المحتل وقائمة على الطائفية والتهميش والإقصاء وتطبيق مشروع وطني تشارك فيه كل الأطياف والقوى السياسية الوطنية والمقاومة العراقية أساسه خروج المحتل وتشكيل عملية سياسية جديدة بعيدا عن الطائفية والتمييز وبمشاركة كل الأطياف الوطنية وإعادة تشكيل القوات المسلحة بعيدا عن التسييس والحزبية والتدخل الخارجي وإلغاء القوانين التي صدرت عن الاحتلال وإفرازاته التي تسببت في إلحاق الأذى بأطياف مهمة من أبناء الشعب ومحاكمة من تسبب في ذبح العراقيين وتدمير بلدهم وتعويضهم عن الأضرار المادية والمعنوية التي أصابتهم والأساس الذي تعتمده العملية السياسية الجديدة هو استقلال العراق الكامل من كافة جوانبه والمحافظة على وحدته أرضا وشعبا وتاريخا ..
وأياً كانت نتائج الانتخابات وسواء قاطعها من يرغب أو شارك فيها من يريد فإن المتوقع أن تدور في فلك استقطابات العام 2005 زيادة أو نقصاناً لهذا الفريق أو ذاك باستبدال وتغيير المواقع أو الإبقاء عليها رغم الديناميكية التي يمكن أن تخلقها الانتخابات وبالتالي عدم تحقيق أي تقدم على ارض الواقع يخدم العراقيين ويعطي ضوءا في نهاية النفق للتخلص من محنتهم وماساتهم التي لم يشهد التاريخ لها مثيلا ..
وأخيرا نشير إلى أن عدد الأحزاب التي ستتنافس في الانتخابات المقبلة 296 حزبا ، فيما شارك 12 حزبا في الانتخابات العامة في عام 2005 ، وأقر القانون الجديد حصة للنساء تبلغ 25 بالمائة في المجلس، فيما خصصت ثمانية مقاعد للأقليات، خمسة منها للمسيحيين ، وسيتم زيادة عدد مجلس النواب العراق في الانتخابات القادمة التي ستـــــــجرى في كانون الثاني القادم ( 2010 ) من 275 إلى 323 مقعدا وبمعدل مقعد واحد لكل مائة ألف مواطن ..
وهنا نتساءل ماذا يعني هذا العدد الكبير من الأحزاب المرتبطة معظمها بأجندات أجنبية والتي يعمل كل منها لمصالح ذاتية أو شخصية بعيدا عن مصلحة البلاد ووحدتها ومستقبلها ؟ لنتصور إذن حجم المأساة والصراعات التي ستشهدها ا المرحلة المقبلة والبركة في ديمقراطيتهم المخادعة وإستراتيجية الطرق على الجدران من أسفلها ..
ومع كل هذه الاحتمالات التي تحدثنا عنها نتمنى لشعبنا العراقي اجتياز محنته باسرع وقت وان يجد ضوءا في نهاية النفق لانه ماعاد يحتمل المزيد من الاذى والفوضى والفرقة والتشتت وفقدان الامن والاستقرار وتدهور الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والخدمية .. وان يبقى عراقا موحدا تجمعه اجمل فسيفساء زاهية تتمثل في ابنائه من العرب والكورد والتركمان والمسيحيين والصابئة والشبك والايزيديين في وحدة وطنية صميمية لا تهزها رياح او تيارات عاصفة باذن الله ..