بدأت هذا الموضوع تعقيبا على مشاركة الأخ محمد ب . القيمة حول الترجمة ولكنه طال فرأيت وضعه في مشاركة مستقلة.
أخي الكريم
أرجو أن تقبل تحيتي وإعجابي بعمق ما تتناول وجديته على اختلاف ما تتطرق إليه، ولا أرى فائدته تقتصر على ما يحويه من معلومات بل يتجاوز ذلك إلى ما هو أجدى وأعم من تعويد للقارئ على القراءة الجادة التي تستدعي إعمال اعقل سواء في ذات المادة المقدمة أو تداعياتها.
ومن هذه التداعيات التي خطرت ببالي اليوم وهي ذات ثقة وطيدة بالترجمة. وهنا سأتناول أثر اختلاف المسميات للشيء الواحد، أو اختلاف دلالة الاسم الواحد بين حضارتين أو جهتين مختلفتين، وسأتناول هنا لفظا من هذه الألفاظ والأسماء المطروقة. ومنه سنرى أن سيادة لفظ أو مفهوم معين للفظ ما ليست مجرد اختلاف لفظي مبتوت عن الواقع .
فلسطين
لم يكن لهذه الكلمة طيلة التاريخ الإسلامي أكثر من مدلول جغرافي على جزء من جنوب بلاد الشام يشمل أغلب جنوب ما سمي فيما بعد الأردن وفلسطين، ومن مدنه الكرك . وكان أغلب الجزء الشمالي من جنوب بلاد الشام (الأردن وفلسطين لاحقا) يدعى الأردن ومركز جند الأردن هو مدينة بيسان المحتلة. وللعلم فإنه حتى 1913 كانت كل من صفد ونابلس وجنين تابعة لولاية بيروت. وطوال التاريخ الإسلامي كانت حدود المناطق الإدارية تتغير قليلا أو كثيرا فيما ظل يدعى في أغلب الفترات ولاية الشام. ولكن هذه التقسيمات كانت عرضية لا طولية أي أن الإدارات تتدرج شمالا وجنوبا لا شرقا وغربا.
وعندما احتل الإنجليز والفرنسيون سوريا اقتسموها عرضيا كذلك، الفرنسيون شمالا والإنجليز جنوبا، ولما كان الانتداب البريطاني قد جاء إلى فلسطين بتفويض من هيئة الأمم لتنفيذ وعد بلفور فقد رأى أن الأضمن لليهود تقسيم البلاد طوليا ليضمن لهم حدودا طبيعية واضحة.
وفي المؤتمر السوري العام الذي انعقد في دمشق سنة 1922 استنكر المؤتمرون فصل (جنوب غرب سوريا، وإطلاق أسم فلسطين عليه تمهيدا لتسليمه للصهيونية ).
وهكذا يتبين لنا أن الصراع عبر عن نفسه في اختلاف مفهوم التسمية بين أهل البلاد والغاصب، وكان انتصار مفهوم الغاصب الإنجليزي في التسمية ممهدا لانتصار خطه السياسي.
ثم رأينا بعد ذلك التعديل تعديلا آخر جذريا للمفهوم البريطاني اليهودي لفلسطين. بحيث أصبح لدينا أربعة مفاهيم
1- المفهوم العربي الإسلامي من أن فلسطين منطقة جغرافية في جنوب بلاد الشام بلا أي مدلول سياسي أو ثقافي مميز عن سائر سوريا.
2 - المفهوم اليهودي الصهيوني وهم يعتبرون منطقة الانتداب البريطاني كلها فلسطين ويتفضلون على العرب بأن جزءها الشرقي لا زال معهم.
3- المفهوم البريطاني والدولي بحدوده التي آلت إلى إسرائيل.
4- المفهوم الثوري الذي يقصر التسمية على حوالي 20% من مدلول المفهوم البريطاني.
ورافق هذه التسميات من إدانة للتسمية في مدلولها السياسي كرديف لتسليم البلاد لليهود، إلى تقديس لهذه التسمية تمهيدا لعزل القضية عن واقعها السوري ثم الأردني والعربي ثم لتحطيم هذه القدسية وحصرها ثوريا في فلسطين العظمى التي تمثل 20% من فلسطين بريطانيا.
--
وهناك الكثير من الكلمات والتسميات والتعابير التي تغير مفهومها بين مدلولها العربي الإسلامي ومدلولها الغربي، بل إن هناك كثيرا من المصطلحات التي ابتكرها بل (فبركها ) الغرب وأكسبها تأثيرات نفسية وسياسية وحضارية وقانونية ليوظفها في خدمة أهدافه، التي يتعارض استعمال المصطلحات الإسلامية والعربية معها.
ومن هذه الألفاظ (المفبركة) أو التي فرض الغرب علينا مفهومه عنها .
الشرق الأوسط لضرب الرابطة العربية الإسلامية وشمول إسرائيل
الأصولية بمفهومها الغربي
الإرهاب بمفهومه الغربي
الاستقلال بمعنى تكريس تشطير الأمة.
الوطن ، ككرسي للنظام وإكسابه مفهوما من القدسية بمعزل عن العقيدة . ثم الانطلاق من هذا المفهوم لتكريس الإقليمية.
السلام وله مفهومان شرعي وغربي
إن استعمال لفظ بمدلوله من حضارة ما لا يكون في الأغلب إلا بتبني جملة مفاهيم تلك الحضارة بخصوص ذلك المصطلح ولو بعد فترة من الاضطراب في المفاهيم، وهكذا فإن أغلب من بلعوا شرعية فصل الخصم لفلسطين عن أمتها وقبلوا طرح القضية على أساس (استقلالية القرار الفلسطيني) ا انتهى بهم المطاف إلى قبول بقية منظومة نظرة الخصم للقضية. ولا يحتج هنا بقبول بقية الأنظمة بذلك إذ كلها ناجمة عن قبول النظرة القطرية التي فرضها علينا الخصم، وإنما الزيادة في خطورة موقف أهل فلسطين راجع إلى خطورة الشرعية التي يضفونها على عدوهم وهي أشد ضررا من الشرعية التس يضفيها سواهم على عدو الأمة جمعاء.
وقد سقت هذه كأمثلة ورأيت أن أضع هذا الرد على مشاركة أخي محمد عن الترجمة في عنوان مستقل بعنوان (دلالات الألفاظ) متمنيا طرح هذه الفكرة للنقاش وتناول الإخوان للأفاظ الأخرى التي تندرج في هذا السياق مع ما يتعلق بها من ملابسات لما يقدمه ذلك من فائدة وتوعية تبدأ بالكلام وتنير الطريق للعمل بإذن الله.
وختاما رأيت أن أقتبس هذه الفقرات عن الحدود لعلاقتها بموضوعنا، من الموقع: http://www.sakifah.com/vb/showthread.php?threadid=3247
37) الحدود: وما أدراك ما الحدود. إنها أصنام هذا القرن، فَـبْـركَهَا (عرّب ضمير الأمّة كلمة fabricate* الإنجليزية هنا لـيـؤكد على الـزّيف والاصطناع الذي يـلـفّ الحدود الجغرافية القائمة في بلاد المســلمين الآن) لحكّام العرب والمســلمين أســيادهم من الإنجليز والفرنسيس ثم الأمريكيين، فصاروا لها عاكفين: يفْــدونها بالأرواح والمُـهـَــج وبأقوات الكادحين. اســتـنــفروا من أجل بقائها الجيوش من كل صــوب، وهدروا الأموال من كل جيب حتى عادوا مديونين لعشــرات الســنين. مَــنْ الــدّائـن؟ الأســياد أنفســهم الذين أقاموا هذه الأصنام، فجــعــلوا منها أســلاكاً شــائكــةً، وأعمدة من البيــتــون بارزةً، وخنادق عميقة، وحواجز ترابية هائلة، واحتفظوا لها بالخرائط المفصّــلة ليظـلّوا هم المحكَّمين في إعادة ترسـيم هذه الحدود بين دول الكرتون كلّما عَـفَـتْ بفعل العوامل الطبيعية، أو بكيد الحكام النواطير لبعضهم البعض.
· لم يســبق للمسلمين أن أعطوْا للفظ "الحدود" أيّ معنى لغوي أو اصطلاحي له أدنى صلة بالمعنى الصَّــنَـمِيّ المعاصر، أي: "علامات وهمية تُـغرز في الرمال وتُـنصــب على الجبال والهضاب وتركّز في بطون الأودية والأنهار بل عبْر البحار لتفصِل بين كِيانين سـياسيين". فقد وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم في تســعة مواضع وفي مواضع عديدة من الحديث بمعنى: "منْـهـيّات الله ومحرّماتـه". أما في اصطلاح الفقهاء فهـي: عقوبة مقدرة تجب حَقّا لله تعالى سُـمّيت به لأنّها تمنع من المعاودة.
· في أواخر القرن الرابع الهجري ضـعُـفَـتْ دولة الخلافة في بغداد، مما أدّى إلى ظهور خلافة مُـفْتــراة في مصر ومثلها في الأندلس. وبالرّغم من هذا التمزّق في قيادة الدولة الإســلامية إلا أنه لم يظهر بين هذه الكيانات أدنى وجود لمفهوم الحدود المعاصر لا في أذهان الحكّام ولا عند جماهير الناس في واقع الحياة، مع أن رؤوس هذه الكيانات الثلاثة كانوا يناصبون بعضهم البعض العداء ويكيد بعضهم لبعض.
· لقد ظـلّــت الدولة الإسلامية، حتى مع وجود ذلك التّمزّق بين الحكام، دولة واحدة في صراعها مع الكفار المحاربين، وظـلـّـت الأرض بينها و بينهم في مـــدٍّ وجزر جغرافيين. وقد اعتاد المسلمون أن يختاروا من الجيش الإســلامي أفراداً من بين الأقوى شــكيمةً والأصلب عوداً، كي يـنـتـدبوهم لأقســى المهمّـات وأكثرها أهمية، ألا وهــي الرّباط في ســبيل اللــه، أي الإقامة الدّائمة في نقاط الـتّمـاس مع أخطر عدوٍّ لأمتنا: الروم ومَنْ وَرِثَـهُـمْ من الأوروبيين الآن. وقد أُطلقت في الفقه الإســلامي وفي الأحكام المتعلقة بالجهاد على نقاط الـتّمـاس تلك لفظة "الثّـغــور".
· قال في القاموس المحيط: الــثّــغــر: ما يلي دار الحرب، وقال الأزهري: أصل الــثّــغــر الكـسْـر والهـدْم، وثَـغَـرْتُ الجدار: هدمْـتـُــه، ومنه قيل للموضع الذي تخاف أن يأتيك العدوّ منه، في جبل أو حصن: ثـَـغْــر، لانــثـــلامـــه وإمكان دخول العدوّ منه.
* If you fabricate information, you invent it in order to deceive people, a formal word.
(14)
تـــابع (37) الحـــــدود:
· إن جمهور الناس في العالم الغربي وربّما في العالم الإســلامي لا يعلمون أن ما يســمّى بمفاوضات السلام في الشرق الأوسط التي أُطْـلِـقَـتْ في مدريد فـجـذبت أنظار وأســماع العالم كله لمتابعتها إنما جرت وتجري بين أربعة أو خمســة كيانات كرتونية كانت جميعها جزءاً من ولاية واحدة في الدولة الإســلامية قبل ســبعــين عاما، هــي بلاد الشــام، وظـلّت كذلك بدءاً من ســفوح جبال طورس شــمــالاً حتى تخوم صـحراء ســيناء جنوباً إلى أن ظفر بنا أعدى أعداء أمتنا المتربّـصــون بها منذ قرون: الإنجليز والفرنسيس، حين اتّـفـقـوا على هدْم دولة الخلافة
وإزالة نظام الإســلام من الحياة، ثم قـطّـعـوا بلاد الشــام فيما بينهم مُــزَقــاً ضمن اتّـفاقـيتهم الشــهيرة (سايكس - بيكو Sykes - Picot Agreement). لقد ســمّــوْا هذه المُــزَق بادىءَ ذي بَدء: منطقة أ، ومنطقة ب، ومنطقة جـ، والمنطقة الحمراء، والمنطقة الخضراء....إلخ ثم ما لبثوا أن حـوّلوا هذه المناطق إلى دولٍ كرتونية، وجعلوا لها دســاتير وأعلاماً وحكّـاماً وأجهزة جلاوزة وحدوداً جَغرافية حتى تكـرّســت كـأمرٍ واقعٍ الآن تحرســه أمريكا زعيمة العالم الرأسمـالي. إن ســياسة الخرائط هذه التي وضعــها الإنجليز والفرنسيس هي ســـرّ شــقاء المنطقة وعدم استقرارها ومصدر عذاب وبـُؤس دائـمــيْـن لأبناء المسلمين الذين ضاعوا بضياع دولتهم، ووهنوا بغربة دينهم عن الحياة،
وهانوا على الكفار بقـعــودهم عن الجهاد من وراء خليفة يرفع راية التوحيد. فـــهـــل مِـنْ مُــدّكِــــرْ؟
***********
المصدر
سلاف-ازاهير
http://www.azaheer.com/vb/showthread.php?t=12461