تكمن الحقيقة أحيانا في الخروج عن النص والإلقاء به في سلَّة القمامة (!!)
على خشبة المسرح في إحدى المسرحيات، كان من المفروض على الممثل الذي كان يؤدي دور المناضل "........." الذي دخل السجن سليما ليغادره أعرجا، أن يجسِّد شخصية هذا المناضل كما يحسها ويراها قبل السجن وبعد السجن على ضوء ما ورد في نص المسرحية (!!)
ورغم أن البروفات أثبتت أن الممثلَ أجاد تشخيص المرحلتين، عندما كان المناضل سليما قبل الاعتقال، وبعدما أصبح أعرجا بعد الخروج من المعتقل (!!)
إلا أنه في يوم العرض وأمام الجمهور العريض الذي جاء ليشاهد المسرحية، فاجأ المؤلف والمخرج وكامل الطاقم الفني، بل والجمهور أيضا، بتشخيصه المناضل "......." في مرحلة ما قبل السجن وما بعد السجن على النحو نفسِه، ودون أن يجسِّد حالة العرج التي أصابته (!!)
أصيب الجميع بالذهول والتوتر والاندهاش والارتباك (!!)
كان من بين المذهولين المندهشين المرتبكين المتوترين، ممثل آخر خرج عن النص لا إراديا عندما وجد نفسه مدفوعا لتوبيخ الممثل المتجاوز لطبيعة الشخصية، سائلا إياه:
"ما الذي جرى لك، هل جُنِنْت (؟)
المناضل "........." خرج من السجن أعرجا، لماذا لا تعرج في مشيتك" (؟)
فما كان من الممثل إلا أن رد عليه بتلقائية وهو في قمة اندماجه في التمثيل وهو يخرج عن النص أيضا خروجا غير متوقع:
"إنني أقول لمن تسبَّبَ له بهذا الألم: أنني أراه كاملا، لا ينقصه شيء (!!)
إنني أقول له: إنك غير موجود أيها السجان (!!)
إنني أقول له ها هو "........" كما عرفناه نحن قبل أن تعتقله وتعذبه، كما عرفناه دائما، لا كما أعدته إلينا" (؟!)
انفجرت عاصفة من التصفيق في القاعة، ووقف الجمهور على قرار رجل واحد غير معدٍّ مسبق، مندمجا مبهورا (!!)
ليفاجَأَ المؤلف والمخرج بأن المسرحية تواصلت إلى نهاية المشهد، ولكن دون أيِّ كلمة من الحوار الذي كان واردا في النص الأصلي (؟!)
فكانت أبهى وأروع وأكثر نطقا وتجسيدا للحقيقة وتعبيرا عن المشاعر (!!)
ما أروع الخروج عن النص المكتوب على الورق، عندما يكون النص الحقيقي مكتوبا هناك، في الحياة (!!)