ألفة عمر باشا (الادلبي ) ياسمينة دمشق .. في عامها الخامس والتسعين
ألفت الادلبي, الاديبة العربية السورية ها هي في هذا الشهر تدلف عامها الخامس والتسعين, ورحلة العمر بعطائها, بثرائها,
بتنوعها تمتد عميقا في الماضي والحاضر والمستقبل فالاديبة التي نسجت لنا من الماضي دراسات ادبية متميزة عطرت ابداعها بمداد الحياة اليومية والمعاشة ورصدت الحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي شهدته سورية ونقلته برؤية المبدعة المنتمية الى الارض والانسان والجمال.
على دروب الحياة..
ولدت ألفة الادلبي في حي الصالحية في تشرين الثاني من عام 1912م من ابوين دمشقيين هما : أبو الخير عمر باشا ادلبي, ونجيبة داغستاني تقول ألفة الادلبي كما يورد على لسانها محمد مروان مراد: تلقيت علومي الاولى في مدرسة تجهيز البنات وترعرعت في كنف والدي الذي لم يكن اديباً وانما كان ذواقة ادب, يحب الادب القديم, وكنت مدللة عنده, (فأنا وحيدة لخمسة اخوة ذكور) .
كان والدي يقرأ لي النصوص الادبية التي يحبها هو, ويقص علي اباراً تاريخية استهوته.
بين خزائن الكتب..
تقول ادلبي عن ذخيرتها الثقافية الاولى : بدأت القراءة في كتاب الاغاني وعمري لم يتجاوز الاثنتي عشرة سنة, كان لوالدي الفضل الاول في توجيهي الوجهة الادبية, كان ينعم علي بالهدايا لأحفظ ابياتاً من المعلقات وسواها من الشعر العربي القديم الجميل.كانت مكتبته زاخرة بأمهات الكتب مثل: الامالي والاغاني والعقد الفريد,وكان اترابي يتعجبون من قدرتي وصبري على قراءة تلك الكتب القديمة الصعبة, وكان لخالي كاظم الداغستاني الفضل الكبير في دفعي الى كتابة القصة القصيرة تحديداً اذ كان اديبا مرموقاً في تلك الفترة.
عرفني بالادب الحديث بعدما عرفني والدي بالأدب القديم, عرفني بأدب طه حسين , وبمعارك النقد الادبي التي كانت تثار على صفحات المجلات المصرية الحديثة مثل: الرسالة, والمقتطف, وكان لديه مكتبة كبيرة جداً كنت اتجول فيها وانتقي منها ما اشاء من الكتب .
-خارج المدرسة تشير ألفة الادلبي كما يورد محمد مروان مراد في كتابه ( مبدعون في ذاكرة الوطن) انها في سنة 1920م حين عاد الملك فيصل الاول من باريس, خرجت لاستقباله بزي اعد خصيصاً لهذه المناسبة التاريخية, وفي السنة التالية اصبت بالحمى التيفية, ونجوت منها بأعجوبة, فتأخرت عن الالتحاق بالمدرسة سنة كاملة, ولما اسست مدرسة العفيف القريبة من منزلي انتميت اليها, وكنت من المتفوقات في درسي وسنة 1927م حصلت على الابتدائية وانتقلت الى دار المعلمات, وكان صفي قليل العدد لا يتجاوز ستة عشر تلميذاً, اما التلميذات فلا يكاد عددهن يذكر, وفي السنة ذاتها خرجت مع رفيقاتي في مظاهرة ضد الفرنسيين انا محجبة.
حياة جديدة..
في سنة 1929م تزوجت ادلبي من الدكتور حمدي الادلبي دون ان تراه ولكنه استطاع هو ان يراني-كما تقول- خلسة بمساعدة صديقة للطرفين, وانجبت منه ثلاثة اولاد هم :
ليلى وياسر وزياد, وبدأت سنة 1930م كتابة الخواطر لنفسي من غير ان افكر بنشرها .
سنة 1932 انجبت ولدي ياسر, واصبت بمرض اقعدني في الفراش سنة كاملة انقطعت خلالها عن القراءة انقطاعاً تاما, وكانت احب هدية تحمل الي اثناء المرض هي الكتاب, وبعد شفائي تابعت القراءة وعشت حياة طبيعية, وانتسبت خلال هذه الفترة الى عدة جمعيات خيرية وثقافية كجمعية دوحة الادب , وكانت تعقد فيداري ندوة شهرية يشترك فيها عدد من ادباء دمشق واديباتها لتبادل الآراء حول الادب والثقافة, وبعد خمس سنوات انجبت ابني الثاني زياد وعاودني المرض ولكن بشكل اخف, وزرت القاهرة لأول مرة فبهرت بها وكنت ازور لبنان كل صيف.
انتسبت سنة 1940م الى جمعية الندوة والى حلقة الزهراء الادبية والتحقت بجمعية الرابطة الثقافية النسائية 1945م وكان من ابرز اعمال هذه الجمعية اصدار كتاب( مختارات من الشعر والنثر) لماري عجمي.
في عالم الابداع ..
في سنة 1947م كتبت اول قصة بعنوان : ( القرار الاخير) وارسلتها للاشتراك في مسابقة اذاعة لندن وحصلت على الجائزة الثالثة.
وتقول ألفة الادلبي: انها اخبرت خالها الاديب كاظم الداغستاني انها كتبت قصتين وارسلتهما الى مجلة الرسالة, وعندها ضحك كثيراً وقال لي : ألم تجدي مجلة أقل تواضعاً من مجلة الرسالة كيف ترسلين بواكير نتاجك الى تلك المجلة التي لا يكتب فيها إلا العمالقة, وصدر العدد الجديد من مجلة الرسالة, وفيها لاقصة الاولى وهي بعنوان : القرار الاخير, ثم صدر العدد الثاني وفيه قصة الدرس القاسي والاثنتان منشورتان في كتابي الاول( قصص شامية) الذي صدر سنة 1953م.
مؤلفاتها :
أصدرت مجموعة من القصص والروايات والدراسات نذكر منها :
1-قصص شامية- دار اليقظة العربية ,1954 وصدرت في طبعة ثالثة 1996م عن دار طلاس بدمشق.
2-وداعاً يا دمشق- قصص وزارة الثقافة 1963 اعادت دار طلاس اصدارها بثلاث طبعات عام : 1989/1992/2001م.
3-المنوليا في دمشق واحاديث اخرى محاضرات /دمشق 1964م
وليس عام 1963م كما اورد الاستاذ عيسى فتوح في دراسته عنها في مجلة الموقف الادبي (178-179 ) 1986م واشير الى اني حصلت على نسخة من هذا الكتاب تحمل توقيع ألفة الادلبي ومهداة الى الاديب الدكتور بديع حقي وقرينته المحترمين تاريخ 30/11/1964م
ومن متكبة الرصيف الحافلة بكل ما هو ممتع وجديد.
4-ويضحك الشيطان قصص- وزارة الثقافة 1974م اعادت دار طلاس طباعتها ثلاث مرات الاخيرة 2004م
5-نظرة في ادبنا الشعبي, دراسة-اتحاد الكتاب العرب 1974م
صدرت طبعته الثانية في دمشق عن دار الشادي ط1992م
6-عصي الدمع- قصص اتحاد الكتاب العرب-1976م صدرت عن دار طلاس في طبعتين فيما بعد.
7-دمشق يابسمة الحزن-رواية- وزارة الثقافة 1981م صدرت ايضاً عن دار طلاس في ثلاث طبعات .
8-حكاية جدي- رواية- صدرت عن دار طلاس عام .1999
9-نفحات دمشقية- مجموعة محاضرات صدرت طبعته عام 1990 عن دار سامي الدروبي بدمشق.
ترجمت قصصها الى اكثر من 15 لغة اجنبية هي الالمانية الانكليزية, الفرنسية, الروسية, الاوزبكستانية, الشوفافية, الهنغارية, الهولندية السويدية, الاسبانية, الصينية, الايطالية, البرتغاية, التركية, الفارسية.
نفحات دمشقية...
في محاضرته هذه تتوقف ألفة الادلبي عند معالم دمشق وتقول: هذه النفحات الدمشقية لملمتها من هنا وهناك , بعضها اخذته من الكتب وما اكثر ما كتب عن دمشق- وبعضها جاءني بالتواتر من احاديث الجدات والاجداد, فلا رابط بينها إلا مدينة دمشق.. الى ان تقول: من المخجل لنا حقاً, نحن ابناء هذا الجيل, ان تفقد دمشق في عصرنا هويتها التي عرفت بها عبر تاريخها الطويل كمدينة السحر والجمال.
لن ابدأ الحديث عن اسماء دمشق الكثيرة فطالما اختلف المؤرخون في اسبابها ولكن الذي لم يختلفوا فيه ابداً هو ألقابها وصفاتها لقبت دمشق (بالجنة الخضراء) تقول الاسطورة : لما طرد آدم وحواء من الجنة هبطا على الارض فلم يجدا فيها مكاناً اشبه بالجنة من دمشق فاتخذاها سكناً لهما, وفيها تكاثرت ذريتهما, وفيها قتل قابيل اخاه هابيل في جبل قاسيون.
-في قصر الحمراء.. دمعة وابتسامة.
تقول في محاضرة ألقتها في منتدى سكينة الادبي ونشرت في كتابها الرائع ا لمنوليا في دمشق واحاديث اخرى, تقول واصفة حالها وهي في قصر الحمراء:
في هذه القاعة بالذات عقد امراء العرب آخر اجتماع لهم قرروا فيه مصير العرب في اسبانيا الى الابد, وما اسرع ما انمحت من ذهني الصورة الرائعة المشرقة, لتحتل مكانها صورة اخرى حزينة ومخزية.
ووجدتني اهرب من هذه الصورة المخزية فأخرج من القاعة مسرعة وانا أكفكف دموعاً ابت إلا ان تنحدر سخية على ما اضعناه من امجاد .
المرأة في ألف ليلة وليلة..
في كتابها الجميل: نظرة في ادبنا الشعبي, تدرس صورة المرأة في ألف ليلة وليلة, وتبدأ بقول احمد حسن الزيات في دراسته عن الف ليلة وليلة : ان أسوأ ما سجله ألف ليلة وليلة من ظلم للانسان وجور النظم هو القسوة الجائرة على المرأة فإن حظها فيه منكود وصورتها فيه بشعة.
وترى الادلبي ان من سوء حظ المرأة ان كتاب ألف ليلة وليلة شائق جداً ويجذب العامة ببساطته وصراحته وبما فيه من عجائب وغرائب ووصف فاجر, وكلام بذيء فاحش يتملق شهواتهم ويدغدغ غرائزهم ويجذب الخاصة بما فيه من خيال مجنح جامح, وفن قصصي اصيل, ربما في طياته من رموز وحكم مستقاة من واقع الحياة.
لقد زرع هذا الكتاب الشك في قلوب الرجال فجعلهم لا يأتمنون النساء ابداً, والأدهى من ذلك كله أنه شكك المرأة في نفسها أيضاً فطالما سمعنا عجائزنا يرددن هذا القول
الحية والمرية لا ترفع عنهما العصية)..
قالوا في ادبها :
نالت ألفة الادلبي شهرة عربية وعالمية واسعة وقد سجل الكثيرون والمبدعون العرب شهاداتهم في أدبها وعن شهادات كبار النقاد والادباء العرب اخترنا مجموعة شهادات لعلها تذكر اولئك الذين لا يتذكرون ادباءنا الا حين يرحلون .. فهل تنفع الذكرى قبل فوات الاوان?
محمود تيمور: طراز خاص..
خير ما في قصص ألفة الادلبي انها طراز خاص وشخصية مستقلة فيها تصوير للحياة الشرقية, فهي شرقية الجو والروح والنزعات اما التمهيد للمواقف وبراعة السبك, ودقة المعالجة في هذه القصص فتتريك المعاير طبيعية لا تكلف فيها ولا تزوير.
مارون عبود : صورت أعماق المرأة..
أنا أومن بالذاتية قبل كل شيء, وقد رأيت السيدة ألفة الادلبي ذات ذاتٍ, فعلى هذا الاساس بنيت تقديري لها, لقد استطاعت ان تصور لنا في قصصها اعماق نفسية المرأة وبدواتها ونزواتها, فأفادت بذلك القصة العربية جداً, ومن ادرى من المرأة بالمرأة?
ابراهيم الكيلاني: قيمة وثائقية..
أما الطابع الذي ارتضته فعرفت به وعرف بها فهو طابع ( الشامية ) واعني بالشامية تلك الخصائص العقلية والسلوكية التي تتصف بالنعومة والتهذيب والمصالحة وغير ذلك من ولائد حضارة قديمة متوارثة كونت الخلق الشامي وجعلته نسيج وحده, إن لقصص السيدة ادلبي قيمة وثائقية فلولكلورية حملت الكتاب في الشرق والغرب علي ترجمتها الى لغاتهم المتعددة.
عبد السلام العجيلي: موهبة بارعة
تتميز السيدة ألفة الادلبي بموهبتها البارعة في تسجيل قصص الحياة الواقعية بأسلوب رائق وسرد طلي مستمدين من نضارة الحياة الشامية التي تصفها فيما تكتبه , وتكاد السيدة إدلبي ان تكون الوحيدة بين قصاصينا وكاتباتنا القصصيات التي بلغت بهذا النوع من الفن القصصي هذه الدرجة من الكمال. ومن يقرأ كتابيها: (قصص شامية) و(وداعاً يا دمشق) يدرك بوضوح ما قلته.
عيسى فتوح: براعة الالقاء وحرارة الالفاظ..
استمعت اليها أول مرة تتحدث في الحلقة الاجتماعية لخريجي المعاهد العالية قبل اكثر من ربع قرن, حيث ألقت يومئذ قصة بعنوان
سراب ) فأخذت ببراعة الالقاء وحرارة الالفاظ وجودة السبك ومتانة الاسلوب.
-محمد مروان مراد: نكهة شامية
نكهة شامية انتشر شذاها من كلمات نقية صافية حملت صفات أقدم المدن عن مقصورة الجمال ألفة الادلبي ظلت خائفة على نسيج من العلاقات الانسانية والاجتماعية فسجلته في مؤلفات خرجت من قلبها مثل عصفور صغير.
-وماذا بعد?!
ألفة عمر باشا (الادلبي) وقد دلفت عامها الخامس والتسعين تستحق منا وقفة اكثر عمقاً وتواصلاً ونتمنى على الجهات المعنية بالشأن الثقافي( وزارة الثقافة, اتحاد الكتاب العرب, وزارة الاعلام , جمعية اصدقاء دمشق وغيرها..) ان تحتفي بأدب ألفة الادلبي وان تقام ندوات وحلقات بحث حول ادبها, لأديبتنا نقول: كل عام وانت بخير.
سليمان ا لعيسى : تركت أجمل الأثر في القصة السورية
دار الكتب الوطنية في حلب, ابرز معلم ثقافي في المدينة آنذاك, تنتظر اليوم محاضرة شائقة.. كاتبة وقاصة مبدعة قرأنا لها, وسمعنا عنها الكثير, ولكننا سنراها اليوم على منبر الدار تتحدث الينا عن كثب. سنستمع اليوم الى ألفة الادلبي في حلب.
ورحت أحث طلابي وطالباتي للحضور الى دار الكتب مساء اليوم لئلا يفوتهم الاستماع الى هذه الكاتبة والقاصة المبدعة التي كنت أعدها-ولا أزال- أبرز من كتب قصة قصيرة عن دمشق, وصور معالمها, وعاداتها, وتقاليدها, بأسلوب هو الدقة والرشاقة بعينها.
ونحضر الى دار الكتب في الوقت المحدد, لنجد قاعة المحاضرات تغص بجمهور حاشد لم يسبق ان غصت بمثله من قبل, واعتلت ألفة الادلبي المنصة وراحت تقص علينا قصتها الطويلة الرائعة ( زهرة المانوليا) بلغة تنساب بين البساطة والجمال, وتجعلك تصغي اليها بجوارحك كلها, لا تريد ان تفوتك عبارة من هذه الحكاية البديعة ( زهرة المانوليا) التي اخذت وقت المحاضرة كلها.
لا أذكر الآن نسيج القصة وتفاصيلها بعد مرور نصف قرن من الزمن , ولكني لا اذكر انني خرجت من محاضرة بمثل المتعة التي خرجت بها من (زهرة المانوليا) أنا ورفيقة دربي التي لا تزال تحتل تلك الامسية مكانة راسخة في ذاكرتها كما اخبرتني.
لست ناقداً ولا محللاً لأتحدث عن قصص ألفة الادلبي التي كنت أحرص كل الحرص على قراءة كل ما يصل الى يدي منها. ولكني لا بد أن اعترف أني كنت - و ما زلت - أجد القصة القصيرة التي تكتبها هذه الكاتبة المبدعة نكهة خاصة لا أجدها في نتاج سواها من كتابنا الذين يجيدون هذا الجنس الادبي الذي اعده شخصياً من أحب الأجناس الادبية الي وأقربها الى نفسي.
إنها تكاد تكون أدق من دخل الى أحياء دمشق, وعالمها الداخلي, وسجلها ببراعة واعطاها طابعها الاصيل في رأيي.
كل ذلك بهدوء, ولغة رقيقة شفافة, لا وعورة فيها ولا تعقيد .
يقال ان مزاج الكاتب وطبعه ينعكسان في لغته وكتابته.
وهذا ما نجده في نتاج أديبتنا الهادئة الطبع الشفافة المزاج إني لا أزال اذكر قصة الحلاّب للقاصة ألفة الادلبي. التي اخترناها لتكون واحدة من ابرز قصص المطالعة والقراءة في المرحلة الثانوية لطلاب سورية.
لقد كانت واحدة من تلك القصص التي سجلت فيها كاتبتنا احداث الثورة السورية فيما اذكر وكنت من اشد ا لمتحمسين لأضع هذا النموذج من الكتابة الجميلة امام طلابنا وطالباتنا لتكون ألفة الادلبي مثالا لمن يجد في نفسه الميل لكتابة القصة من شبابنا.
وما أشك في ان الكثيرين قد تأثروا بهذه الواقعية الجذابة الفريدة واتخذوا من ألفة الادلبي مثلاً يحتذى في الخلق والابداع في هذا المجال.
تحية لزهرة المانوليا..
تحية لألفة الأدلبي.. التي تركت في تاريخ القصة في سورية أجمل الأثر, وابقاه على الزمن.