الاحتلال وتهويد القدس الشرقية
د. غازي حسين
في خضم حرب حزيران العدوانية عام 1967 التي أشعلتها «إسرائيل» بالتنسيق والتعاون الكاملين مع إدارة الرئيس الجمهوري جونسون احتلت القوات الإسرائيلية المعتدية في السابع من حزيران القدس الشرقية، وأصبحت القدس العربية التي أسسها العرب قبل ظهور اليهودية والمسيحية والإسلام بشطريها الغربي والشرقي مدينة محتلة .
بدأت الجرافات الإسرائيلية بتغيير معالم المدينة العربية منذ الساعات الأولى للاحتلال لخلق وقائع جديدة لتهويدها ونزع طابعها العربي والإسلامي، وذلك بتدمير المنازل والأحياء العربية وبناء المنازل والأحياء والمستعمرات اليهودية على أنقاضها وبشكل خاص بناء سلسلة من المستعمرات تحيط بالمدينة المحتلة من جميع الجهات وخلق التواصل مع بلدية القدس الغربية المحتلة في حرب عام 1948 ولتحويل سكان المدينة العربية المحتلة إلى أقلية..
نظمت دولة الاحتلال مباشرة عقد مؤتمر لحاخامات اليهود في العالم في المدينة المحتلة طالبوا فيه بناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك. ورد عليهم فارهانتج وزير الأديان آنذاك (والقادم من ألمانيا) قائلاً: «إننا لا نناقش أحداً في أن الهدف النهائي لنا هو إقامة الهيكل، ولكن لم يحن الوقت بعد؛ وعندما يحين الوقت لا بد من حدوث زلزال يهدم المسجد الأقصى كي نبني الهيكل على أنقاضه»، وهنا تظهر بجلاء خطورة حفر الأنفاق تحت أساسات المسجد الأقصى وحوله حتى سلوان وخطورة رش بعض أنواع المواد الكيماوية على الصخور تحت أساساته والتي تعمل على تفتيتها مع مرور الزمن لاصطناع زلزال أو انتظار زلزال كي يهدم المسجد الأقصى وتسارع دولة الاحتلال لبناء الهيكل على أنقاضه.
وأقام وزير الحرب موشي ديان بعد احتلال المدينة العربية مباشرة الصلاة أمام حائط البراق الذي يطلقون عليه زوراً وبهتاناً «حائط المبكى»، وهو وقف إسلامي، وجزءلا يتجزأ من سور المسجد الأقصى وتعود ملكيته للمسلمين وحدهم.
وأكد شلومو غورين حاخام جيش العدو الصهيوني آنذاك «أن إسرائيل ستزيل المسجد الأقصى وتستعيد الهيكل».
وبالفعل بدأ العدو المحتل منذ اليوم الأول للاحتلال بالاعتداء على المسجد الأقصى فقام بالعديد من الحفريات والأنفاق تحته وحوله بحثاً عن أي اثر يمت إلى الهيكل المزعوم بصلة، وقام بتدمير حارة المغاربة ومئات العقارات حوله، وأقام ساحة المبكى على أنقاض المنازل والمحلات العربية.
واتخذت سلطات الاحتلال العديد من الإجراءات لتهويد المدينة المحتلة منها:
ـ حل مجلس أمانة العاصمة المنتخب ومصادرة أملاكه المنقولة وغير المنقولة كعادة اليهود في النهب والسرقة.
ـ إلغاء المناهج الدراسية في المدراس العربية وفرض المناهج الإسرائيلية.
ـ إلغاء القوانين الأردنية واستبدالها بالقوانين الإسرائيلية.
ـ إلغاء الدوائر والمؤسسات والمحاكم الشرعية العربية وإلحاق بعضها بالدوائر الإسرائيلية.
ـ فصل اقتصاد القدس المحتلة عن اقتصاد الضفة الغربية ودمجه بالاقتصاد الإسرائيلي.
ـ إغلاق المصارف العربية ومصادرة أموالها وإقامة المراكز الجمركية حولها.
ـ إصدار بطاقات شخصية للمقدسين من وزارة الداخلية الإسرائيلية.
وظهرت خطورة الاحتلال والأطماع الصهيونية في المسجد الأقصى بمحاولة إحراقه في 21 آب 1969 وقطع المياه عنه ومنع سيارات الإطفاء القادمة من مدن الضفة الغربية من المشاركة في إطفاء الحريق. وتابع المحتل الصهيوني عمليات حفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى وتدمير المنازل العربية والبنايات التاريخية الإسلامية وإقامة الأحياء والمستعمرات اليهودية، وذلك لتغيير المعالم العمرانية العربية والإسلامية التي تميزت بها المدينة المحتلة عبر قرون طويلة.
وتابعت دولة الاحتلال حملتها الوحشية والإرهابية ضد سكان المدينة المحتلة، وأخذت تعمل على ترحيلهم منها، وإحلال مستعمرين يهود محلهم، وامتد الاستعمار الاستيطاني اليهودي إلى القرى والمدن العربية المحيطة بالقدس لتحقيق مشروع القدس الكبرى لتصل إلى رام الله شمالاً وإلى بيت لحم وبيت جالا جنوباً وإلى قرى أبو ديس والعيزرية وعناتا شرقاً، وضمت أكثر من ثلث مساحة الضفة الغربية إلى القدس المحتلة.
وانطلاقاً من خرافة شعب الله المختار، وأرض الميعاد المزعومة وعنصرية الصهيونية والكيان الصهيوني تعرّض التراث العربي الإسلامي والمسيحي في المدينة العربية إلى التدمير والتهويد من خلال:
ـ الحفريات حول وتحت المسجد الأقصى حتى قرية سلوان لهدمه ومحاولة حرقه.
ـ الاستيلاء على متحف الآثار الفلسطيني وتحويله إلى متحف إسرائيلي ونقل بعض الآثار والمخطوطات منه إلى المتاحف الإسرائيلية في تل أبيب.
ـ مصادرة أراض وعقارات عربية وإسلامية ومسيحية ومنها أربعة أحياء مجاورة لمنطقة الحرم القدسي الشريف ومساحات واسعة من أراضي بطريركية الروم الأرثوذكس.
ـ بناء بؤر استيطانية في أحياء المدينة القديمة ومنها حي الشيخ جراح.
ـ انتهاك حرمة الأماكن المسيحية المقدسة وسرقة تاج السيدة العذراء والاعتداء على كنيسة القيامة في عامي 1971 و1977م.
ـ إطلاق أسماء يهودية على الشوارع والساحات العربية بدلاً من الأسماء العربية والإسلامية.
إن ما جرى ويجري في القدس بشطريها المحتلين هو تحقيق للأطماع والأكاذيب والخرافات التي دوّنها كتبة التوراة والتلمود، وتحقيق للاستعمار الاستيطاني العنصري الذي دفع بالكيان الصهيوني لإشعال حربي عام 1948 و1967 مستغلاً المزاعم الدينية التي لا تشكل أبداً حقاً من الحقوق في القانون الدولي لخدمة الأطماع المادية والدنيوية للصهيونية والصهاينة والكيان الصهيوني في الأرض والمقدسات والثروات العربية.
وبلغ عدد المنازل التي هدمتها سلطات الاحتلال في القدس الشرقية وحدها بين أعوام 1967 وحتى 2008 حوالي 24145 منزلاً، لذلك يمكن القول إن ما جرى ويجري في القدس العربية بشطريها المحتلين عملية تطهير عرقي بدأت في القدس الغربية عام 1948 وتصاعدت بعد احتلال القدس الشرقية مما يشكل عام 1967 ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، أبشع وأخطر أنواع الاستعمار الاستيطاني في التاريخ البشري.
يريد العدو الصهيوني أن يجعل من تهويد القدس بشطريها المحتلين تتويجاً لنجاح المشروع الصهيوني مستغلاً هيمنة اللوبيات اليهودية على الإدارات الأمريكية والانحياز الأمريكي الأعمى له وتقاعس السعودية وبقية من اسمتهم رايس بالمعتدلين العرب وعلى رأسهم جامعة الدول العربية للمضي قدماً في مشروعه لتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
إن الأنفاق التي شيدتها دولة الاحتلال تحت المسجد الأقصى حتى سلوان تشكل خطراً داهماً على المسجد الأقصى وبقائه وتلحق أفدح الأضرار فيه واعتداء صارخ على حقوق العرب والمسلمين وعلى الوقف الإسلامي ومقدمة لتدمير الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، وإقامة مدينة توراتية فيها.
وينظر الشعب العربي الفلسطيني إلى القدس المحتلة كقضية وطنية وقومية ودينية مقدسة وعادلة تتطلب التمسك بعروبتها وعدم التنازل عن ذرة من ترابها المقدس وتحريرها واقتلاع الاحتلال الإسرائيلي البغيض منها. ويعتبر موافقة المفاوض الفلسطيني على تبادل الأراضي مع المحتل الإسرائيلي للمحافظة على الأحياء والمستعمرات اليهودية في القدس الشرقية وحولها خيانة وطنية وقومية ودينية. فالكيان الصهيوني أسوأ من النازية في ألمانيا والأبارتايد في جنوب إفريقيا ومصيره إلى الزوال كما زالت النازية من ألمانيا والفاشية من إيطاليا والأبارتيد من جنوب إفريقيا .