مقدمة في اتجاه التحليل السيميولوجي
يُعدُّ علم السيميولوجيا ( الدلالة ) فرعاً مهماً في الدراسات التي تناولها العلماء في حقول الأدب و الفكر و النقد، ويُعدُّ هذا المنهج أحدث منهج بعد غياب البنيوية، وما يزال هذا المصطلح يعاني من الغموض شأنه في ذلك شأن كل العلوم. ولم يتفق المترجمون العرب على ترجمة واحدة، فهناك من يعتمد على مصطلح " السيمياء " كالدكتور حسام الخطيب و سعيد مصلوح و غيرهم، وبعضهم يسميه " علم الدلالة" وبعضهم "علم العلامات" كعبد السلام المسدي، وآخرون "علم الإشارة" وغيرهم "علم الأدلة" ....الخ ،ومصطلح semantque مشتق من اليونانية، ويعني العلامة، وأولّ من استخدم هذا المفهوم فردينان دي سوسير محاولاً تحديده بقوله "إنه العلم الذي يدرس حياة العلامات من داخل الحياة الاجتماعية" وتبلور هذا المفهوم فيما بعد على يد (( غريماس ))، و السيمياء (علم الدلالة )هو تفسير معاني الرموز و الإشارات، وأنظمة العلامات واللغات، وهو امتداد للألسنية، وقد شدّد سوسير على الوظيفة الاجتماعية التي تقوم بها العلامة، ووسع المفهوم ليشمل كل أشكال الاتصال الاجتماعي كالمجالات والاحتفالات .....الخ لكنه (علم الدلالة ) يركّز على اللغة بشكل خاص، ويعتبر أشمل من اللسانيات على حد اعتقاد سوسير؛لأنه يدرس كل الدلالات اللغوية و غير اللغوية،كالموضة وإشارات المرور ......الخ وبذلك تكون السيميولوجيا هي علم العلامات بكل أنواعها . لقد عالج سوسير هذا العلم من وجهة نظر لغوية لا فلسفية ، وربط بين اللغة و السيميولوجيا يقول "وما علم اللغة سوى جزء من هذا العلم العام (السيميولوجيا)" وقال بثنائية الدال / المدلول، وأهمّ مبدأ اعتمده بالنسبة للعلامة هو اعتباطية العلاقة بين الدال و المدلول مثلاً : ثور/ دال – والمدلول هو ذاك الحيوان المعروف لدينا لكن لا علاقة تربط بين هذا الحيوان و الدال ث + و + ر (أي الأصوات المشكلة للدال)، ويُعتبر "تشارلز ساندرزبيرس" مؤسس هذا العلم، وقد طبق نظريته فيما بعد كل من رومان جاكبسون و شارل موريس في الإشارة إلى علم اللغة العام، والإشارة عند بيرس لا بد لها من مرجع، وهو عكس سوسير و ثنائيته إذ اعتمد ثلاثية ( دال –مدلول –مرجع ) و يعتبر عمل بيرس فلسفياً أكثر منه لغوياً، وقد تناول العديد من الفلاسفة بعده هذا العلم (السيمياء ) و تعمقت الأبحاث في الإشارة من جوانبها كافة، إلا أن علم السيمياءلم يدخل تحت مظلة البحث اللغوي البحت إلا فيما بعد.
أمّا أهم الاتجاهات السيميولوجية المعاصرة فكانت مع رولان بارت : درس أنظمة العلامات دلالياً مخالفاً سوسيرفي أن اللغة جزء من السيميولوجيا، ويأتي اتجاه جورج مونين الذي رفض اتجاه بارت ودرس أنظمة العلامات من حيث الاتصال، بينما درسها بارت من حيث الأنظمة الدالة، وتوسعت الدائرة مع " بريتو " مهتماً في تحديد أنظمة الإرسال و الاتصال، و جاء أمبرتو إيكو محاولاً الجمع بين الاتجاهات السيميولوجية السابقة ليثبت تضامن نظامي الدلالة و الاتصال .
- أهم مناهج التحليل السيميائي للأدب 1- منهج التحليل التوزيعي و يتزعمه بلومفيلد في أمريكا معتمداً على المدرسة السلوكية، والكلمة هنا لا معنى لها خارج سياقها و ليس لها إلا وظائفها .
2- منهج التحليل التوليدي : قام مناقضاً المنهج السابق معتمداً على الاستنتاج والعقلية، فاللغة أداة لتوصيل الأفكار وهذه الأفكار لها في أذهاننا وجودٌ و وظيفة مستقلتان عن اللغة .
3- منهج التحليل الإحصائي : و فيه يتم بناء جدول توضع فيه الكلمات المشتقة من أصل واحد، وبناء نسق لها : هناك كلمات تتكرر مرات عديدة في نص ما مما يوحي بعلاقة حميمة بمرات تكرارها . وحسب هذا المنهج يتم الاستناد إلى نظرية الحقول الدلالية، ولكي نفهم معنى كلمة ما يجب أن نفهم مجموعة الكلمات المتصلة بها دلالياً، ثم دراسة العلاقة بين تلك المفردات في الحقل الواحد . لقد تعددت مناهج التحليل السميائي للأدب، لكننا سنقف بإيجاز عند منهج مهم في التحليل السميائي، والذي انطلق مع مجلة"تل – كل" في فرنسا منذ ستينيات القرن المنصرم، حيث أصدر هذه المجلة فيليب سولرز 1960م و استقطبت عدداً من النقاد و المفكرين، أهمهم الناقدة البلغارية جوليا كريستيفا. لقد مرّت هذه المجلة بمراحل مختلفة في النقد والفكر، وقد ركزت هذه الجماعة ( تل – كل ) على مبادئ أدبية و نقدية أهمها :
1- النص :وهو عملية غير مكتملة، واستكماله في القراءة غير منته ما دام هناك قرّاء، فهناك فاعلون عديدون للنص، فهو متحول، وليس مادة ذات أبعاد ثابتة، بل يتجاوز الواقع بدينامية متحركة، وعلينا التعامل معه من خلال جذوره وبيئته، والتطورات التي طرأت عليه لأن النص المعزول جامد وساكن. وقد ميّز سولرز بين ثلاثة مستويلا للنص ( طبقة سطحية- طبقة وسطى- طبقة عميقة ) الطبقة السطحية هي النص الماثل كتابياً ( ألفاظ- جمل ..) والطبقة الوسطى هي التناص وهنا يُكتب النص من نصوص متاقطعة، ومثّل لذلك بالكوميديا الإلهية لدانتي، وتأتي الطبقة العميقة متمثلة بانفتاح اللغة ( الكتابة ).
2- اللغة و الإيقاع : اهتمت هذه الجماعة بأبعاد اللغة الشعرية، والتجاذبات والتجاوزات بينها وبين اللغة العادية، مولين اهتماماً بالإيقاع الموسيقي، وقد مازوا بين الشعر المكتوب و الملفوظ . و أهم شخصيات هذه الجماعة فيلب سولرز مؤسس المجلة، و قد ابتدأ ماركسياً ثم تحول إلى الرواية الدينية، وتأتي جوليا كريستيفا كدعامة مهمة في هذه الجماعة النقدية،فقد شكّلت مع سولرز ثنائياً نقدياً أدخل معطيات جديدة على النقد الأدبي،وعالجت في نقدها الحدث الحضاري سياسياً و اقتصادياً و إيديولوجياً، وسيمياء اللغة أسلوبياً و نحوياً و بلاغياً و صرفياً، متعمقة في المضمون الحضاري و النفسي، وقد هضمت أنظمة الشكلايين الروس و البنيوية البارتية لتبلور نسقاً فلسفياً يربط علامات النص بالجذور اللاهوتية وعقدة أوديب في دراساتها،كدراستها لبروست ، وجيمس جويس ... و غيرهما، لقد اعتمدت كريستيفا البنيوية في تحليل النص الأدبي و تخطته إلى إطار أشمل من العلامات والإشارات، فكانت بذلك مخالفة للبنيويين الذين يرون النص نظاما ًلغوياً مغلقاً معتبرة ( كريستيفا ) أن النص عدسة مقعرة لدلالات مختلفة، ومعقدة ضمن إطار أنظمة اجتماعية و دينية و سياسية ما وهو ( النص ) موضوع للعديد من الممارسات السيميولوجية على اعتبار أنه ظاهرة عبر لسانية( مكوّن بفضل اللغة) وإنتاجيتهُ ذات علاقة باللغة التي يتموقع فيها، وبكونه يمثل عملية استبدال من نصوص أخرى(تناص)، ولا يمكن الكشف عن خصوصية النص إلاّ من خلال السيميولوجيا التي تعي هويته وتتعامل معه باعتباره أكثر من خطاب . لقد تجاوزت الأطر السابقة كاستنطاق مدلول اللغة و اعتمدت على معطيات اشتقتها من مفاهيم ضرورية كعلم النفس و علم الاجتماع .... الخ فكانت بذلك متحولة تحولاً جذرياً عن مراحلها النقدية السابقة ( البرمجة اللغوية الجامدة ) إلى المرحلة السيميائية ذات الأبعاد المتداخلة والمتعددة في كشف علامات الأثر الأدبي، وربطها بمعطياتها وفق أنظمتها السياسية و الاجتماعية، فتعددت بذلك مصادر نقدها السيميائي من ألسنية وماركسية وفرويدية، وثقافية وفلسفية ..... الخ. لقد تطوّر النقد السيميائي تطوراً ملحوظاً بجهود النقاد، وامتد من النص الأدبي ليشمل الحياة الاجتماعية كافة كالعادات و الموضة و غيرها، كما فعل بارت في تحليله السيميائي للعادات الاجتماعية في كتابة "ميثولوجيات" فوقف عند شرب الخمرة، وشرب الحليب صباحاً، والتدخين والعضلات والسيارات ......الخ مبيناً أن المجتمع يتبنى الكثير من الأساطير الحديثة مثلاً : الإيمان بالخمرة في فرنسا هو فعل قسري، و من لا يؤمن بها فهو إما مريض أو عاجز، فالمجتمع يسير وراء أسطورة و أوهام دون وعي، فنحن لا نشرب السجائر و إنما صوراً عنها، والمرأة لا تتزين لتجديد الشباب وإنما تقتني صوراً عن الشباب و يكون التاجر هنا بائع صور وهمية لا تمت للعقلانية بصلة . و غيره الكثير الكثير من العادات والتصرفات الاجتماعية التي تعرض لتحليلها سيميائياً رولان بارت في كتابه( ميثولوجيات ).
المراجع المعتمدة :
1- البنوية في الأدب، روبرت شولز، ترجمة حنا عبود، اتحاد الكتاب العرب بدمشق 1984
2- تحليل الخطاب الشعري ( استراتيجية التناص ) محمد مفتاح ، دار التنوير – بيروت 1985 م.
3- سيمولوجيا اللغة، ايميل بنفنسيت، ترجمة سيزا قاسم، مجلة فصول، القاهرة، 1981
4- العلاماتية و علم النص، ترجمة د. منذر عياشي، المركز الثقافي العربي، المغرب، ط1 2004
5- مبادئ في علم الأدلة، رولان بارت، ترجمة محمد البكري، دار الحوار اللاذقية، ط2
6- مختارات من شعر عمر أبو ريشة، منشورات المكتب التجاري، مطابع دار الكشاف بيروت
7- مقدمة في المناهج النقدية للتحليل الأدبي، ترجمة د. وائل بركات، د. غسان السيد، مطبعة زيد بن ثابت
8- النقد و الدلالة ( نحو تحليل سيميائي للأدب) محمد عزام، منشورات وزارة الثقافة دمشق 1996
وسنتبع هذه المقدمة النظرية بدراسة تطبيقية لقصيدة ( بعد النكبة ) للشاعر المرحوم عمر أبو ريشة.
قريباً إن شاء الله تعالى.