كتبها: فيصل الملوحي
كنّا ثلاثة، جمعنا الله بغير ميعاد تواعدناه، أمّا الأوّل محمود (أو قل الثالث إنْ أحببت) فابن البلد، وبقي اثنان أحمد وسليمان من بلد شقيق واحد، تعارفا في أرض الميعاد.
وتسامر الإخوة، وشكا بعضهم لبعض ما يُعاني، يريدون التنفيس عمّا أهمّهم وأغمّهم.
وبغير إنذار، قال أحمد لسليمان: أوصدقتني أن قلت إنّك من بلدي؟!
فردّ سليمان: و لم ارتبت في كلامي؟
قال أحمد: لهجتك التي تتكلّم بها تفضحك، متى كانت هذه لهجتنا؟!
فتبسّم سليمان ضاحكاً من قوله، وقال:أوعجبت أنّي أبتعد بعض البعد عن الأمراض في ألفاظ العامّة؟! هل تريدنا أنْ نجمع أخطاء لهجته و أخطاء لهجتتنا ليكون لدينا ( كوكتيل ) من خلائط ما أنزل الله بها من سلطان!!
كان ذلك من فضائل القرآن الكريمأنْ أبقى عربيتنا حيّة خالدة بعد نزوله، فلم تمت كما ماتت اللاتينيّة وغيرها، إنّما تباعدت لهجاتها، كان ذلك بعامل الزمن الذي يؤثّر في كل لغة، و بعامل الاتصال بالأمم الأخرى، اتصال أخوّة أو جوار ومودّة، أواتصال جبروت و تخريب(أمّا كلمتهم الشائعة:استعمار، فإنّ معناها اللغويّ يناقض واقعها!).
مجالات الاختلاف:
۱ – نطق الحروف:
- الضاد الذي سمّيت به العربيّة، وهو أعظم البلاء، فمن تحريفاته أن يلفط دالاً زاد تفخيمها، أو ظاء، ولا يلفظ لفظه الصحيح إلا المقرئون المتمكّنون، وبعض الخاصّة من أهل اللغة.
- الظاء يلفظ ضاداً أو محرّفا كما تُحرّف الحروف اللثوية..
- القاف يلفظ همزة أو كافاً أو بينهما..
- الكاف يلفظ شينا...
- الجيم يلفظ إذا سُكّن شيناً عند قوم، وبطريقة بعض أهل عُمان و بعض أهل الكنانة...( لن أناقش نظريّة أصلها العربيّ، فالمعتمد لدينا جميعاً ما استقرّت عليه عربيّتنا بعد نزول القرآن الكريم ( طبعاً كل اللهجات العربية التي جاءت بها قراءاته ).
- الحروف اللثوية: تلفظ الثاء( سيناً)والظاء(زالاً زاد تفخيمها)والذال( زالا).
۲- المفردات اللغوية: فقد بقيت في لهجة مفردات أصلها فصيح لا تجدها في لهجة أخرى لعوامل تاريخية لا مجال لتفصيلها ، أولاستقرار قبائل عربية في أرض واستقرار أخرى في أرض أخرى،
ومفردات اكتسبت بسبب تباين الأمم التي اتّصلوا بها اتصال أخوّة أو جوار ومودّة، أو اتصال جبروت وتخريب(كلمتهم الشائعة: استعمار، فإنّ معناها اللغويّ يناقض واقعها!).
٣ – التركيب اللغوي و التصوير و المجازات والأمثال....
و لا أدّعي لنفسي أنّي حصرت كل الانحرافات في هذه العجالة.
تقارب اللهجات:
بعد انتشار وسائل الإعلام تقاربت اللهجات العربية تقارباً بيّنا:
۱- اقتربت من الفصحــى ( اقتراباً فحسب! ) بألفاظها و وتراكيبها، وهجرت ألفاظاً دخيلة، وإن غزتها ألفاظ أعجميّة واحدة يفهمونها جميعا.
نخن نستبشر خيرا بالتوحّد إنْ دام هذا الحبّ للفصحى و قويت شوكته في نفوسهم!
۲- استطاع المثقّفون غالبا أن يتفاهموا،رغم أنّ كل مجموعة احتفظت بلهجتها (التي اقتربت من اللهجات الأخرى)، بل صارالعامّة قادرين على هذا، فوسائل الإعلام غزت كل فرد!
قد نقبل انحرافات اللهجات العاميّة، أمّا أنْ تسلل هذه الانحرافات إلى ألسنة منْ تصدّروا المجالس، وأشير إليهم بالبنان إلى أنّهم من أرباب العربية، فتلك مصيبة لانقبل بها، و علينا العمل على إزالتها، بل أعتقد جازماً أنّ من واجب الناطقين بالفصحى ألا تكتشف لهجاتهم الخاصّة إذا تصدّروا المجالس بالكلام.
إنّي أُ لحّ على هذا لأنّه واجبنا نحن المدافعين عن العربية، و لا يعنيني إن كان الخطأ في أهلي الأقربين أوالأبعدين، مادمت أُرْضي عربيّتي، وأنا داع بهذا إلى صلب التلاحم، عامل على إزالة الفرقة.
وعلى الله قصد السبيل.
ملحوظة: أوردتُ ألفاظاً شاع استعمالها على غير ما تواضعت عليه المراجع العلميّة كاللهجة واللغة والتفاهم... متجنّباً الإطالة والملل!!