خطبة الجمعة: القلوب السليمة * الإمام الخطيب عبدالله المؤدب البدروشي* الجامع الكبير * شنني قابس
الحمد لله الذي أحب من عباده من أطاعه واتقاه..و أعز من أحبه واتبع هداه.. وأشهد أن لا إله إلا الله.. وحده لا شريك له..جبل قلوب الصالحين من عباده على مخافته وتقواه..والعمل بما يقتضيه شرعه و يرضاه.. وأشهد أن سيدنا وحبيب قلوبنا محمدا رسول الله..وصفيه من خلقه و رضيه و مجتباه.. صلى الله وسلم عليه و على آله وأصحابه و من والاه...
أما بعد ......... اخوة الإيمان و العقيدة
أوصيكم ونفسي بتقوى الله، واعلموا أن تقوى الله جل وعلا ..لن نبلغ مرتبتها إلا بإصلاح قلوبنا.. وتطهيرها من الأمراض والآفات..ولا يتم ذلك إلا بطاعة الله و خشيته، فما بعث الله الرسل.. وما أنزل الكتب.. إلا لإصلاح القلوب .. وتطهيرها وتزكيتها ..
فبالقلب يعرف العبد ربه، وبالقلب يعلم العبد أمر الله ونهيه، وبالقلب يحب العبد ربه.. ويخافه ويرجوه، وبالقلب يفلح العبد وينجو يوم القيامة، قال الله تعالى: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.. سليم من كل شهوة.. تخالف أمر الله ونهيه، سَلِيم من كل شبهة ..تعارض ما جاء في الكتاب والسُّنة .. القلب السليم هو القلب المخلص لله.. إرادةً ومحبةً ، توكلاً وإنابة ، خشيةً ورجاءً ، وصاحب هذا القلب ..إن أحبَّ أحبَّ لله ، وإن أبغض أبغض لله ، وإن أعطى أعطى لله ، وإن منعَ منَعَ لله . فهو الذي لا يرجو إلا الله ، ولا يخاف إلا الله ، ولا يعلِّق أملاً إلا على الله ،
فالقلب ـ يا إخوة الإيمان- هو موضع نظر الله سبحانه وتعالى من عبده، ففي صحيح الامام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ص: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))
هذا القلب الذاكر.. الدافق بمحبة الله..العامل بشرع الله..هو القلب السليم.. قلب المؤمن التقي..و لذلك يوم القيامة.. بين أرض المحشر و الجنة.. مسافات بعيدة.. لايعلم أبعادها الا الله..يقربها الجليل جل جلاله.. لكل مؤمن تقي.. يقول سبحانه.. وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ..هَذَا مَا تُوعَدُونَ.. لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ .. مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ .. أزلفت الجنة للمتقين..قربت للمتقين .. و من هم المتقون ؟ هم الذين عرفوا الله في الدنيا ، وطبقوا أمره ، واتقوا أن يعصوه ، واتقوا أن يفعلوا ما يغضبه .. واتقوا أن يحيدوا عن شرعه ، واتقوا أن يخالفوا سنة نبيه.. وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد عندئذٍ ..تدخل على قلب المؤمن سعادة لا توصف ، يقول لم أر شراً قط ، كل الذي عاناه في الدنيا ، من ضيق ، ومن مرض ، ومن فقر ، ومن خوف ، ومن قلق ، ومن هم ، ومن حزن ، ينساه حينما يكون على مشارف الجنة " وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد ، هذا ما توعدون "..هذا وعد الله .ومن أصدق من الله حديثا ..ومن أوفى بعهده من الله...هذا ما وعد الرحمان و صدق المرسلون...المؤمن التقي موعود من الله بالجنة..يقول عز وجل.. أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ..ما أوصاف أهل التقوى .. الموعودين بالجنة.. ما ثمن الجنة.. ماذا نفعل كي نصبح من أهلها.. بعدما أصلحنا قلوبنا..وجئنا بقلوب سليمة..قال وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد ، هذا ما توعدون .. لكل أواب حفيظ..وما أجمل أواب..هكذا صاغها المولى بصيغة المبالغة..على وزن فعال..لكل أواب حفيظ..والأواب.. هو كثير الأوبة إلى الله.. يعود إليه دائماً ، يقبل عليه دائماً ، يتوسل إليه ، يدعوه.. يتصل به ، يلوذ بحماه ، يلتجئ إليه " لكل أواب " مرجعه هو الله سبحانه وتعالى في كل أمر.. مهما كان الأمر بسيطا..يجعله أمام الله.. يعود إلى حكم الله ، يعود إلى رأي النبي ، يعود إلى السنة المطهرة ، يعود إلى ما قاله العلماء الكبار ، هل هو حرام أم هو مباح ، هل هو مندوب ، أو هو مكروه ، " لكل أواب حفيظ " والحفيظ هو من يحفظ عينه من أن تنظر إلى الحرام ،هو من يحفظ أذنه من أن تستمع إلى الباطل ، إلى الغيبة ، إلى النميمة ، إلى فاحش الكلام ، إلى الإيقاع بين الناس .. إلى اللغو ، إلى الكلام الذي لا طائل منه ، إلى الفساد ، الحفيظ هو من يحفظ عينيه ويحفظ أذنيه ، ويحفظ يده عن أن تمس إنساناً بسوء . .. يا رب ! أي عبادك أحب إليك.. فأحبه بمحبتك ؟ قال : يا داود ! أحب عبادي إلي.. نقي القلب ، ونقي الكفين ، لا يأتي إلى أحد سوءا.. ولا يمشي بالنميمة .
في رحاب المسجد النبوي..والصحابة عند رسول الله ص.في خشوع وسكينة ..
ينتظرون كلمة نور وهدى، يتحرك بها لسان الحبيب المصطفى ، لبيان حكم، أو تبليغ آية, فإذا به يقول: يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة.. فإذا القلوب يحويها الرجاء.. لو كانت هي ذلك الطالع، وإذا النفوس تملؤها معاني الإكبار والإعظام لذلك الرجل ..المبشَّر بالنعيم المقيم، والفوز الذي لا يعقبه خسارة, والخلود الذي ليس وراءه فناء ولا زوال.. وبينما هم يرقبون باب المسجد في شوق.. إذ طلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه.. قد علق نعليه بيده الشمال.- وغابت شمس ذلك اليوم، لتشرق مع صباح الغد القريب، فيقول النبي ص.. قولته البارحة: يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة، وإذا بالرجل ذاته. وفي اليوم الثالث يكرر المصطفى بشارته فيطلع هو، فمن ذلك الرجل؟ ولماذا حظي بالبشارة بالجنة من فم النبي عليه الصلاة والسلام، الذي لا ينطق عن الهوى, ولماذا شهد له النبي عليه السلام بالفوز والفلاح على مرأى ومسمع من أصحابه؟
لما قام النبي تبع عبد الله بن عمرو بن العاص، ذلك الرجل.. قال له: إني ، أقسمت أني لا أدخل بيتنا ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم. وبات معه الليالي الثلاث, فلم يره يقوم من الليل شيئًا، قال عبد الله للرجل: لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك، فأنظر عملك ..فاقتدي بك.. فلم أركَ عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله ، قال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا.. ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك
نعم هذه هي التي بلغت به تلك المنزلة، فرفعت قدره، وأعلت شأنه، فها هو ذا يسير بين أفضل الناس، يُشار إليه بالبنان: هذا الموعود بالنعيم والرضوان.
لم يكن طويل القيام والصلاة ، ولكنه كان يحمل قلبًا طاهرًا، طهارة الماء العذب الزلال، يحمل قلبا نقيًا، نقاء الثلج والبرد..يحمل قلبا مشرقًا بنور الإخاء والمحبة، ساطعًا بضوء السلامة وحب الخير للناس، يحمل قلبا سليماً من الحقد والغش والحسد.
فما أحوج المسلمين اليوم..لقلوب سليمة.. لقلوب لا غش ولا حقد ولا حسد فيها.. لقلوب تحب الخير وتزرع المحبة بين الناس.. اللهم أيقظ قلوبنا من الغفلات، وطهر جوارحنا من المعاصي والسيئات، ونق سرائرنا من الشرور والآفات ، واجعلنا اللهم من عبادك الصالحين... أقول قولي هذا.. وأستغفر الله العظيم الكريم لي و لكم \