إسقاط الولاية : قضية عادلة .. ومحامي سيء!
أبدأ بالعنوان ..وهو مقتبس من عنوان مقالة قديمة للأستاذ حمد القاضي،وذلك حين كتبت الدكتورة سامية العمودي قائلة :
(المرأة لا تختار الطموح ولا تفضله إلا لحظة أن تفشل في أن تجد ما يملأ الفارغات في أعماقها أو لحظة تفقد الزوج فتبحث عن رفيق جديد اسمه النجاح){ جريدة عكاظ عدد يوم 18 / 5 / 1409هـ}
فرد عليها الأستاذ حمد القاضي بمقالة تحت عنوان ( أسوأ محامِ عن أعدل قضية){ المجلة العربية العدد 139 / شعبان 1409هـ}.
سنة 1416هـ،كتب الدكتور سالم سحاب،مقالة تحت عنوان ألا فليطمئن الرجال) { جريدة المدينة المنورة عدد يوم 25 / 9 / 1416هـ}. .. فعلقتُ على المقالة،بما نُشر تحت عنوان ( قوامة الرجال .. وهواجس النساء){ جريدة المدينة المنورة عدد يوم 19 / 11 / 1416هـ}.
الآن – بعد أكثر من عقدين من الزمان – أجد أن موضوع "قوامة الرجال"والذي كان "هاجسا"قد استوى على سوقه .. وطرح "وسما = هاشتاج" عبر وسيلة التواصل الاجتماعي "تويتر" ذلك الوسم جاء تحت عنوان " سعوديات نطالب بإسقاط الولاية" ..في سلسلة من تكرار هذا"الوسم".{وصلت اليوم رقم 37}.
قلت .. وأكرر .. أن المرأة عانت – عبر التاريخ – من وضع جميع النساء في "سلة واحدة"ثم إطلاق حكم موحد على جنس النساء،وهو أمر يتكرر في غير النساء أيضا .. وقد قالت إحدى زرقاوات العيون .. حين يرتكب رجل أمرا غبيا،يُقال : ما أغباه من رجل،فإذا ارتكبت امرأة الأمر نفسه قُيل .. ما أغبى النساء!
فإذا أردنا ألا نقع في نفس الخطأ فلا بد أن نفرق بين ثلاث مجموعات من النساء،ونحن نتحدث عن"إسقاط الولاية".
الصنف الأول : نساء،نستطيع أن نطلق عليهن "النسويات"الدكتورة نوال السعداوي،ومن على شاكلتها .. هؤلاء يرين أن "الدين"- من حيث هو دين – هو سبب تدني مكانة المرأة،ففي ندوة بعنوان ( محاولة لصياغة نظرية نسوية متقدمة)،قالت إلهام كلاب،بعد كلام للدكتورة"السعداوي" ذكرت فيه أن المرأة كانت "إلهة" ، :
(( إن نبش الماضي بهذه الصورة الجذرية،يجعلنا نقف وقفة طويلة متأملة مع الدين والأسلوب الذي تعامل به مع المرأة أو وضع المرأة في الأديان السماوية،إن نصف المعتقدات الراسخة في أذهان البشر – في الماضي القريب – والحاضر – وربما المستقبل المنظور – أتت من الديانات السماوية الثلاث،اليهودية والمسيحية والإسلام،وكل تعرض لمسألة المرأة يقود بالضرورة إلى التعرض للدين وهنا الاحتياط والفخ .. فما العمل؟)). فترد عليها ليلى الحر متسائلة :
(( ولماذا نحن مضطرون لربط تحرر المرأة العربية بإعادة النظر في الدين؟ أليس من الحكمة أن نجنّب أنفسنا سوء التفسير والحملة التي قد يشنّها المتعصبون علينا،وهم كثر،ونكتفي من نقد الدين بنقد المتدينين مثلا؟! إننا لا نستطيع بالطبع الخروج على التاريخ – والقفز عن استعمال الديانات القديمة والحديثة لعرقلة نمو وعي المرأة ولا نملك البحث في (تخلف) المرأة وصولا إلى تقدمها،ما لم نبحث في أسباب التخلف،وأولها صورتها الممسوخة والتابعة والثانوية في الأديان ..)) { ص 279 – 280 ( مجلة قضايا عربية / السنة السابعة / العدد الثاني / شباط / فبراير 1980م}.
إذا فنحن أمام"استراتيجية" تقوم على مهاجمة "المتدين"- غير المعصوم – والمقصود مهاجمة الدين.
إذا كانت تلك "الاستراتيجية"مستعملة بين نساء ينتمين إلى بلاد تقول أنها"علمانية" .. فكيف سيكون حال امرأة تنتمي إلى بلد يعلن أن "دستوره" القرآن .. والسنة؟
كتبت الأستاذة خزيمة العطاس :
(الرجل هو الممثل لهذا المجتمع الذي منحه حق التسلط واحتلال المراكز والمواقع الأمامية باسم حق الولاية والقوامة وإن قلت بأن الإسلام الشفيع للمرأة في المحافظة على كرامتها وحقوقها .. نجد قيود المجتمع هي الأقوى بحيث جعلت الرجل يصم أذنه عن تلك التشريعات العادلة التي جاءت من أجل المرأة وصالحها متعمدا وليس جاهلا بها حفاظا على السلطة الرجولية ){ مجلة السراج – العمانية – العدد الخامس / ذو القعدة 1412هـ}.
كانت الكاتبة الكريمة تستطيع أن تذكر أن في القرآن الكريم آية تقول "الرجال قوامون على النساء"،ثم تتحدث عن التجاوزات التي يقول بها بعض الرجال،ولكنها فضلت أن توجه نقدها للرجل .. ثم تسمي الإسلام "شفيع المرأة"! ومفردة "شفيع"هنا غريبة عن الثقافة الإسلامية .. والحقيقة أنني قريب عهد بقراءة كتابين لمانغول.. وهو يكثر من استعمال هذه المفردة .. حتى أنه اقترح "شفيعا"لناشري الكتب .. سفاحا كان يضع ضحاياه على سرير خاص .. ثم "يبتر"ما زاد من أجسادهم عن ذلك السرير!
الصنف الثاني : الخريجات النجيبات لمدارس الروايات والأفلام والمسلسلات .. المنبهرات ببساطة الحياة في الغرب .. دون "تنظير" للأسباب التي تقف خلف ذلك الاختلاف بين واقعهن وما يشاهدنه أو يقرأنه .
إنهن واقعات تحت سحر بساطة الحياة التي تقدمها تلك الأفلام – والمسلسلات والروايات – في صورة براقة.
سبق لي أن كتبت تحت عنوان"ومضة من فيلم .. سحر البساطة".. فتاة تخرج مستعجلة لتأخذ سيارتها،فلا تجدها .. وتجد شابا يبحث عن سيارته هو أيضا،ويأتي آخر يخبرهما عن سحب السيارات التي تقف في ذلك المكان،وأن سيارته في الخلف لم تُسحب،ويعرض عليهما أن يوصلهما إلى مكان حجز السيارات،وبعد موافقتهما،يعرض عليهما احتساء "كأس"فيوفقان .. ويشربوا .. ثم ينطلق بهما إلى "الحجز".
هكذا الحياة بسيطة وسهلة وغير معقدة .. إلخ. صحيح أن "المخرج" بعد ذلك"خربها"- إن صح التعبير – فحين أرادت الفتاة النزول،ويبدو أنه كان قد ثمل قليلا .. قال لها .. لن تذهبي قبل أن تدفعي الثمن،وحاول التحرش بها .. ولكن المشاهدة المسحورة لن تهتم كثيرا.
وفي فيلم آخر .. يترك فتى فتاته،ويغادر القرية ،وبعد سنوات يعود .. فيجدها قد تزوجت صديقه،وبعد "دراما"وصراع ،تمل الفتاة .. فتركب سيارتها،وكما نقول بالعامية "تدق سلف" وتنطلق بعيدا ... والكاميرا تأخذ طريقا لا نهاية له .. وأغنية شجية تصدح .. بينما تظهر على الشاشة أسماء من ساهموا في الفيلم. هذه البساطة في التعارف .. في الدخول في علاقة .. في إنهائها .. لاشك تسحر "المراهقات" .. الحالمات بارتداء "الجينز"المثقوب من هنا أو هناك .. أو حتى الجيل السابق .. الجينز .. وربط القميص على البطن .. حتى تبدو السرة !!
الصنف الثالث : "المظلومات" من يعانين تجاوز البعض للقوامة التي جاء بها الدين .. وتحويلها إلى "سيف"مسلط على الرقاب ..
هنا تتداخل القضايا تداخلا يصعب فصله .. حيث تتداخل المواضيع .. يقول الشاعر محمد ولد محمدي :
والعلم ذو كثرة في الصحف منتشر وأنت يا خل لم تستكمل الصحفا
ولست في حاجة إلى تبرئة نفسي من استكمال الصحف .. ومع ذلك فلا أعرف شيئا عن الولاية إلا ما جاء في حديث الحبيب صلى الله عليه وسلم "لا نكاح إلا بولي .. "أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
أما تحكم الرجل – الولي – في مال المرأة،ودراستها – ما لم يكن ذلك بمانع شرعي – فلم أقف على نص فيه .. وحتى "الولي"في الزواج .. فأنا أرى أن الموضوع أقرب إلى"لجنة"ترأسها الفتاة .. ولا يمكن أن يقع الزواج دون موافقتها .. أي أن"الفيتو"بيد الفتاة .. أما"الولي"فإذا "جار"جاز للفتاة أن تذهب للقاضي ليزوجها.
وقد قص علينا الشيخ حمزة صالح ،في مسجد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم،قصة شقيقات رفض والدهن تزويجهن من"الأكفاء"فذهبن للقاضي .. فاستدعى الأب – والخطاب – وخيره بين أن يزوجهن .. أو ينزع منه الولاية .. ويزوجهن هو .. ففعل.
جولة ..
هذه جولة،ربما تلفي الضوء على القضية بأبعادها المختلفة .. انتقيتها عبر حوارات وتعليقات على"الوسم : الهاشتاج"المذكور.
غردت الأستاذة ليلى جمال،مستنكرة قول بعضهم أن المرأة الغربية تسعى للحصول على"ولي"!! وقد علقت بدوري .. أنه من المستحيل تصور أن تبحث المرأة الغربية عن"ولي" ولكنني قرأت التالي للكتابة إليزابيث جيلبرت،وهي تتذكر قصة زوجها،في اللحظة التي تعيش مأساة بحثها عن تسوية أمر طلاقها من زوجها :
(تزوجت شابة وبسرعة،كنت مغرمة ومتفائلة،ولكنني لم أناقش كثيرا حقيقة الزواج. ولم ينصحني أحد في ذلك. فقد تربيت على الاستقلالية،والاكتفاء الذاتي،واتخاذ القرارات بنفسي.(..) وما كان والدي ليوافق على زواجي من أي شخص لمجرد كوني مغرمة به. ولكن حين اتخذت قرار الزواج في أيامنا المعاصرة،لم يتدخل أبي على الإطلاق. وما كان ليتدخل في هذا القرار أكثر مما يفعل في موضوع كيفية تصفيف شعري.
عفوا،أنا لا أحن إلى المجتمع الأبوي. ولكنني بدأت أدرك أنه حين تم تفكيك النظام الأبوي (وكان هذا في محله)،لم يتم استبداله بالضرورة بنظام حماية آخر. ما أعنيه أنني لم أطرح يوما على أيّ متقدم لخطبتي الأسئلة الصعبة نفسها التي كان ليطرحها والدي،في زمن مختلف. بل سلمت نفسي مرات عديدة لأجل الحب وحسب. ولو كنت أرغب بأن أكون امرأة مستقلة،عليّ أن أؤدي دور وصيي بنفسي. وقد نصحت غلوريا شتاينم النساء مرة بأن يناضلن ليصبحن مثل الرجال الذين لطالما أردن الزواج بهم. وقد أدركت مؤخرا أنه ليس عليّ أن أصبح زوجي وحسب،بل ووالدي أيضا.){ص 351 – 352 (طعام .. صلاة .. حُب) / إليزابيث جيلبرت / ترجمة : زينة إدريس / مراجعة وتحرير : مركز التعريب والبرمجة / الدار العربية للعلوم : ناشرون / مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم}.
بطبيعة الحال لم أعلق بكل هذا الكلام،لضيق المساحة،ولكنني علقت بزبدته.
نحن هنا نرى جانبا مشرقا مما أسميتهه "لجنة"تقرير الزواج،والذي أسماه الشارع الحكيم "الولي"ولكن بضوابطه .. لا بالتعسف في العمل به.. أو لنقل حسب تعبير" إليزابيث " أنه نظام حماية للمرأة.
قرأت أيضا تعليق الأستاذة فاطمة البهيجان،والذي قالت فيه :
(أعتقد أن الولاية تكون مقننة بحيث لا تظلم الفتاة وتكون لها حرية اختيار الدارسة والتخصص واختيار الزوج،والعمل لا ضرر ولا ضرار (..) إسقاط الولاية صعب،لكن لا تكون الولاية مطلقة بحيث تحرم من الدراسة أو التخصص الذي ترغبه،أو ترغم على الزواج ممن لا تريده){ @f_albehjan}.
أما الأستاذة نوال الغامدي فقد قرأت لها تعليقين :
(رفض أخي شرط التعليم عند عقد النكاح ورفض زوجي أن أكمل تعليمي فأصبحت ربة بيت 20 عام وبعد طلاقي سجلت بالضمان. )
(أنا امرأة قوية لا تخافون علي خافوا على الصغيرات،أنا استطعت أن أقف وأطالب بنصبي من الإرث وطلعت من الضمان ولأني قوية كوني قوية){@Nawaleagle }.
الحديث عن "الإرث"يدل دلالة قاطعة على الخلل الموجود في تصور"الولاية"فالمواريث ،كما هو معلوم لا علاقة لها بـ"الولي"هي أنصبة تولى الله – سبحانه وتعالى – قسمتها بنفسه ... بنص القرآن الكريم.. فما علاقتها بالولاية؟!!
إذا عدنا إلى تغريدات الأستاذة "نوال الغامدي"سنلاحظ أولا،أنها لم تكمل تعليمها،في الصغر،وهي امرأة "قوية"أخذت حقها،وهذا يدل على أن"التعليم"ليس كل شيء فكم من امرأة حصلت على أعلى الشهادات،ومع ذلك فهي ضعيفة!!
ثانيا : لم تخبرنا الأستاذة"نوال"عن الطريقة التي حصلت بها على نصيبها من الميراث .. هل حصل ذلك بمجرد مطالبتها به .. أم اضطرت للذهاب إلى المحكمة؟
في مسألة الإرث هذه .. نحن أمام قضيتيهن .. أو صنفين من النساء،ومن الذين يتولون "الميراث" .. أنثى تستحي أن تطالب بتقسيم التركة .. وأخرى تطالب بتقسيمها،ولكن القائم على الميراث،يرفض – ومنهم من يأكل حتى حق الذكور – والذهاب إلى المحكمة قد يكون في غاية السهولة،والأنصبة موزعة شرعا .. ولكن المشكلة في ردة فعل القائم على الميراث .. وقد قرأت عن امرأة ذهبت إلى المحكمة وطالبت بنصيبها من الميراث .. وحصلت عليه .. ولكن أخاها حظر على أبنائه وبناته التواصل معها .. فقاطعوها.
وهذا يعني أن هذه المعضلة في حاجة إلى دراسة . . ثم وضع تشريع،ووضع آلية تسهل أمر حصول الورثة – ذكورا وإناثا - على أنصبتهم،دون الحاجة إلى الذهاب إلى المحاكم .. واحتمال "قطيعة الرحم".
دائما مع تغريدات الأستاذة"نوال"التعليم .. هل يجوز شرعا للأخ أو الأب – باستثناء الزوج - أن يمنع امرأة من الحصول على التمدرس؟ تمدرسا غير مختلط! أو يمنعها من العمل .. عملا غير مختلط؟
هذا سؤال لا يبحث عن إجابة .. ولكنه يلقي الضوء على المتغيرات التي حصلت في المجتمع المسلم ... لقد قام "ولي أمر المسلمين"باختيار وضع عام يجعل من تمدرس المرأة،ومن ثم عملها خارج منزلها،يكاد أن يكون ضرورة .. فهذه"نازلة"تحتاج إلى نظرة فقيهة مختلفة .. لكي لا تُظلم المرأة،حين تقع بين تناقض ولي أمر عام .. وولي أمر خاص .. إن جاز التعبير.
أشارت الأستاذة "فاطمة البهيجان" في تغريدتها إلى إجبار الفتاة على زوج لا تريده. إن كان توزيع أنصبة الإرث قد جاء في "المصدر الأول" – القرآن الكريم – فقد جاء في المصدر الثاني – السنة المطهرة – "نص"حديث شريف،نرجئه الآن،لأنني أوردته عبر حوار دار بيني وبين أحد الإخوان،وزبدة الأمر .. أن الفتاة التي ردت تزويج والدها لها،بغير رضاها، قالت : لتعلم النساء أليس للرجال من الأمر شيء!!! في النص عدم جواز إجبار الفتاة على زوج لا ترضاه ..أي أن إجبار الفتاة على زوج لا ترضاه، مخالفة للشرع .. الشرع،الذي تسعى بعض النساء لإسقاطه ..هو في جانب المرأة!!
فإلى الحوار الذي دار بيني وبين أحد الإخوة. قرأت تغريدة تشتكي صاحبتها من منعها من السفر إلا بإذن "وليها" .. فعلقت بأن هناك من يريد أن يجعل المرأة تكره كونها أنثى .. إلخ. وأضفت "
رابط كُليمة كتبتها قديما .. وفيها قصص من معاناة المرأة .. "سجينة" أكملت عقوبتها .. ولكن لم تجد "وليا"يقبل"استلامها"وتنقلت بين مدينتين .. فلم يتغير شيء!!فبقيت في السجن !! رغم أن سيارة للشرطة ،مع شرطية،ذهبا إلى بيتها واستلماها .. فما المشكلة في أن تعيدها نفس السيارة،ونفس الشرطية ؟!!
في الهامش : تلك السجينة من أسرة معروفة،وهي امرأة ثرية،كانت تقرض السجينات والسجانات،وقد عوقبت تلك السيدة،تعزيرا،فحين كانت الشرطة تبحث عن"قاتل"عثرت عليه في بيتها،وهو غير محرم لها. توجد قصة أخرى حيث قبضت "هيئة الأمر بالمعروف"على فتاة في سيارة شاب،في خلوة .. فأخذت إلى السجن .. ثم،لأنها ابنة رجل من الأعيان،أخذتها شرطية في سيارة الشرطة،وذهبت بها إلى منزل "شيخ"أخذ عليها "التعهد"المطلوب .. ثم ذهبت بها سيارة الشرطة إلى منزلها،دون أن"يستلمها" .."ولي"أمرها!!
قصتين أخريين،من معاناة المرأة .. حصلتا لي .. أخ لي من الرضاعة طلب مني الشهادة لزوجته ،تريد توكيل محامِ يرفع لها قضية ضد "محتال"رفض الشيخ أن أشهد،لأنني لست "محرما"للزوجة،فسألته إذا لم يكن للمرأة محرم تضيع حقوقها؟ قال : نعم. وزعم وجود "تعميم"يشترط أن يكون الشاهد محرما،ورفض أن نراه،ثم حضرت للشهادة لإحدى بُنياتنا،ولست محرما لها،وهي تريد أن توكل زوجها بشراء "سيارة"فرفض الشيخ نفسه ..للسبب نفسه!!
ثم أحضرت شاهدين ليشهدا على توكيل والدتي لي – رحمها الله ورحم أبي –.. فرض شيخ آخر شهادة غير المحارم .. فذهبت إلى رئيسه .. وأخبرته أنها – رحمها الله ورحم أبي – مسنة .. ,ليس لها محارم هنا .. كما لا يوجد "نظام"ينص على ذلك .. فطلب مني الخروج .. وفي الخارج سمعته يعيد على الشيخ ما قلته ،ومنه عدم وجود"نظام"ينص على ذلك .. ولكن يبدو أنه أصر .. فاستدعاني الرئيس .. وأحالني إلى شيخ آخر،عمل لي الصك في نفس الوقت،وجاء عصرا ليستمع إلى شهادة أمي رحمها الله ورحم أبي،في الوقت الذي أعطاني فيه الشيخ الأول موعدا بعد أيام!!
من زاوية أخرى،أستطيع أن أزعم أنني أستطيع أن أقدم دليلا على وجود أو شبهة وجود من يريد أن يجعل المرأة تكره أنوثتها،أو حتى إسلامها!! أولا : أورد "نصا"أي الحديث الذي معناه (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها) أو كما قال عليه السلام. ثانيا : أورد قصة مفادها أن إحدى بنياتنا أرادت السفر مع أسرتها .. والدها،ولكنها في المطار منعت من السفر،إلا بإذن زوجها!!ومن فضل الله كان سفر زوجها لمكان دراسته في اليوم الثاني .. ولو كان العكس!!؟؟
الشاهد من أين أتى هذا الشرط؟ هل والدها ليس محرما لها .. مثلا؟!! وجهة نظري أن مثل هذا التعنت يراد به أن تكره المرأة أنوثتها!!
بعد هذه اللمحة .. أقدم ومضة تثبت البساطة التي كان يتعامل بها السلف مع الأمر ..
في كتاب "تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي" للمبارك فوري نجده أورد الحديث الذي ذكرته سابقا تحت عنوان "باب ما جاء في كراهية أن تسافر المرأة وحدها":
( وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه البخاري ومسلم،"وابن عباس وابن عمر"أخرج حديثهما الشيخان قوله"روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم"أخرجه الترمذي في هذا الباب من حديث أبي هريرة ،وأخرجه الشيخان أيضا_(..). قوله"والعمل على هذا عند أهل العلم يكرهون للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم". ولكن قال الحنفية يباح لها الخروج إلى ما دون مسافة القصر بغير محرم){ ص 279 " شرح تحفة الأحوذي ... للمبارك فوري : نسخة إلكترونية}.
ما أبعد هذا الكلام من منع سفر فتاة مع والدها .. ما لم تأت بإذن من زوجها!!
الآن إلى حوار دار بيني وبين أحد الإخوة. حين قرأت تلك تغريدة التي تشتكي صاحبتها من منعها من السفر إلا بإذن "وليها"وأرفقت كليمتي المنشورة تحت عنوان "سجن النساء الكبير"وفيه قصصي مع المحاكم واشتراط أن أكون محرما لمن أريد أن أشهد لها.علقت بعض الأخوات بأن مثل تلك القصص التي أوردتها متكررة. فعلق أحد الإخوة بهذه الأحرف،بنصها :
(سنتعامل مع المرأة البالغة كشخص كامل الأهلية إذا كفرنا بشرع الله الذي أوجب أن يكون للمرأة ولي){ @raaedmj }.
علقتُ بتعجبي من سهولة "التكفير"لدى الأخ .. ثم ضربت له أمثلة .. قصة سيدتنا زينب بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين أسر زوجها أبو العاصي بن الربيع،في معركة بدر،أرسلت عقدها لفداء زوجها الكافر.ومرة أخرى بعد أن وصلت إلى المدينة المنورة،وخرجت سرية من الصحابة على عير لأبي العاص ،فأخذوا العير،وفر هو،فلما أظلم الليل،تسلل ودخل على سيدتنا زينب رضي الله عنها،فلما كبر سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – للفجر،عرفت سيدتنا زينب بنفسها،ثم أخبرت أنها أجارت"أبو العاص بن الربيع".فلما سلم الحبيب صلى الله عليه وسلم،التفت إلى أصحابه – رضي الله عنهم – وسألهم إن كانوا قد سمعوا ما سمع؟ فلما أجابوا بالإيجاب .. أقسم – بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم – أنه لم يسمع بالأمر إلا معهم،ثم أجاز "جوارها"لأبي العاص.
أوردت له أيضا ما رواه النسائي وابن ماجة أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت له : إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته. قال : فجعل الأمر إليها. فقالت : قد أجزت ما صنع أبي،ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء.
فبماذا علق الأخ؟
علق بأن ما قلته لا علاقة له بالأمر .. وأنه لم يقل بإجبار المرأة على الزواج!!
رأيت الحوار لا معنى له،فشكرته. إذا لم يكن ما فعلته سيدتنا زينب يناقض .. ويتصادم .. مع قول الأخ : (سنتعامل مع المرأة البالغة كشخص كامل الأهلية إذا كفرنا بشرع الله الذي أوجب أن يكون للمرأة ولي). هل يوجد دليل على أن المرأة شخصية كاملة الأهلية كثر من أنها تجير على محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي .. إلخ.رضي الله عن جميع الصحابة.
إضافة إلى أن الإسلام من أول يوم جاء فيه .. أقر للمرأة ذمة مالية .. لم تحصل المرأة الغربية على مثلها إلا بعد الحربية الكونية الأولى .. وتحت ضغط حاجة الغرب للمرأة لتعمل في المصانع ،بعد فناء الرجال في الحرب.
بل قالت تلك المرأة .. وأمام صاحب الرسالة – صلى الله عليه وسلم – ( أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء.).. ويسمع صاحب الرسالة – صلى الله عليه وسلم – هذا القول ،فلا يرد عليها ... ومع ذلك يعتبر الأخ المرأة المسلمة ليست إنسانة كاملة الأهلية!!
هل سمعتم عن إنسان غير كامل الأهلية ...
يتصرف في ماله .. كما يشاء .. إلا إذا كان أحد يستطيع أن يحضر لنا نصا ،من كتاب أو سنة يقول عكس ذلك!! بل إن إحدى أمهات المؤمنين – رضي الله عنهن – أعتقت رقيقا لها،فلما أخبرت الحبيب صلى الله عليه وسلم بذلك .. قال لها .. أنها لو وهبته لبعض رحمها لكان أفضل .أوكما قال صلى الله عليه وسلم... تصرفت دون أن تعود لزوجها .. ونبيها صلى الله عليه وسلم!!
هل سمعتم عن إنسان غير كامل الأهلية .. يرد تزويج "الأب الولي" .. لأنها غير موافقة على ذلك الزواج الذي أراد ولدها به .. أن يرفع خسيسة ابن أخيه!!
و هل سمعتم عن إنسان غير كامل الأهلية .. يجير على النبي صلى الله عليه وسلم .. والصحابة رضي الله عنهم؟!
وبعد .. لا أعتقد أننا نختلف في وجود "نوازل"في ما يتعلق بالمرأة .. فلم يكن التمدرس له مثل هذه الأهمية التي له في زماننا . . ولم يكن للعمل خارج المنزل أيضا أهمية .. وقد أصبحت المرأة "تعول"نفسها .. وغيرها.
فإما أن نعيد الأمور إلى ما كانت عليه .. أو نقوم بدراسة هذه الأمور التي طرأت على حياتنا الحديثة .. بعد أن استوردنا من أو عن الغرب كل سيء .. وسيء .. وجيد.
وإذا لم نفعل .. فنأذن بمزيد من غضب النساء .. وتسهيل إلقائهن أنفسهن في أحضان أفكار الغرب.. ويمكننا – ببساطة – تصور جيل تربيه امرأة حانقة على مجتمعها .. وربما على دينها .. مع أن المطلوب ليس أكثر من إنصافها،والنظر في معاناتها .. المتولدة من الحياة الحديثة .. على أن يكون ذلك الإنصاف لا يخرج عما شراعه الله سبحانه وتعالى،وما سنه نبيه صلى الله عليه وسلم.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي