صفحة من مذكرات بقرة سورية
محمد إقبال بلو - الاتحاد برسوأخيراً استطعت الفرار واللجوء إلى إحدى الدول التي تحترم حقوق الحيوان، صحيح أنني مجرد حيوان إلا أنني بقرة سورية تختلف عن باقي أبقار العالم كله، وإن كنتم لا تصدقون أروني بقرة مثلي تحملت كل الصدمات التي تحملتها على مدى أربع سنوات، لست من البشر ولا أتمنى أن أكون منهم فكوني بقرة هو أجمل شيء في حياتي، ورغم ذلك تعرضت للكثير من المآسي وشاهدت أفراد أسرتي كلهم يموتون أمام عيني، سأحكي لكم جزءاً يسيراً من معاناة البقرة السورية.يوم اقتحمت قوات النظام السوري تفتناز في ريف محافظة إدلب، قامت بقتل العشرات من الأهالي، لكن هذا حدث غير جدير بالذكر أمام المأساة التي حدثت وتمثلت بحرب إبادة قام بها مقاتلو النظام ضد بعض أفراد أسرتي، حيث اقتحم الجنود مزرعة يعيش فيها حوالي ثمانية عشر فرداً من العائلة منهم الذكور الأقوياء، ومنهن الإناث المعطاءات، ودون أي سبب ورغم أنهم لم يتفوهون بأية كلمة، سواء كانت مؤيدة كــ بالروح بالدم، أو معارضة كــ الشعب يريد، رغم صمتنا العجيب فيما عدا بعض الخوار نتيجة الذعر، قامت مجموعة من مقاتلي النظام السوري بفتح نيران بنادقها على أفراد أسرتي الثمانية عشر لترديهم جميعاً قتلى.لم تكن تلك الهجمة الوحيدة التي تعرضت لها أبقار سورية بل هنالك الكثير من المواقف المبكية، ففي مزرعة “الويس” ذلك التاجر الذي كان يحول حليب العائلة إلى ألبان وأجبان، كانت تقيم أكثر من مائة وعشرين بقرة من صديقاتي، ونظراً لأهمية عدد كهذا من أبناء جنسي “فنحن نختلف عنكم أيها البشر وأكثر اهمية وفائدة منكم” وجد الثوار أن هذا الرجل شبيح متعامل مع النظام فقرروا نهب تلك المزرعة واختطافنا، وكنا ضحية الاختطاف كما كان عشرات الآلاف من البشر السوريين كذلك.إلا أن المأساة الحقيقية أن الأمر لم يتوقف عند الاختطاف، بل تم بيعنا بثمن بخس، ففي حين كان يبلغ ثمن البقرة منا أكثر من مائة وخمسين ألف ليرة سورية، تم بيعنا في قرى ريف ادلب بأقل من عشرين ألف للبقرة الواحدة، وهذا يحدث عندما يكون رأس المال “صفر” لا أكثر، فوجد الأهالي أن أسهل طريقة للاستفادة من صديقاتي المائة والعشرين هي الذبح وتناول اللحم، وتم قتل كل الصديقات وأكلهن.كل هذا حدث في شمال سورية، أما في جنوبها وفي الغوطة الشرقية بالتحديد، يومها ابتدء القصف العنيف من قبل قوات النظام على بلدات كفربطنا ودوما والمليحة، وكانت تعيش لدى أحد المزارعين أربعة عشر بقرة كل واحدة منهن تحمل من الحسن ما لا تحمله حيوانات الأرض كلها، خاف المزارع أن تصيب عمتي وبناتها صواريخ النظام السوري وقذائفه، فخبأهن داخل أحد الأقبية حرصاً منه على سلامتهن، لكن القدر لا مفر منه، إذ سقط صاروخ ضخم على المبنى ووصل إلى القبو ومن ثم انفجر وحول قريباتي إلى أشلاء محترقة.أما من تبقين من قريباتي وعائلتي في غوطة دمشق أصابهن الهزال بعد الحصار الطويل من قبل النظام وغير النظام، فلم يجد الناس علفاً لأبناء نوعي هناك، كادت كل الأبقار أن تموت وكاد أن يختفي اثرنا من الغوطة، لولا أحد التجار اللامعين في المنطقة، إذ قام هذا التاجر بشراء كل العائلة من المزارعين، ونقلهم إلى معمل الألبان الخاص به، وبدأ بتسمين الجميع وتقديم العلف لهم، وكان عدد الأبقار حينها لديه يتجاوز سبعين بقرة مؤيدة للنظام السوري كانت تحصل على كل الغذاء اللازم من مناطقه، حيث سمح النظام بذلك، كما سمحت حواجز الثوار بإدخال العلف للتاجر، كون “يده سخية” وفرح الجميع وبدأ إنتاج اللبن والجبن ونقلهما إلى مدينة دمشق ليتغذى عليها مقاتلو النظام ومحبوه، ولكن للأسف ذات يوم قريب من اليوم قرر التاجر ذبحنا وإغلاق المعمل، فهو الآخر قرر اللجوء إلى إحدى الدول التي تحترم حقوق الحيوانات.. مثلي تماماً.