الزواج بركة...ولكن!!
كتبها: فيصل الملوحي
سببان كانا شبه عذر لمن وقف ضد قانون الأحوال الشخصيّة رغم أنّه قانون راق جدّا، وضعه نوابغ في الفقه وطوّروه ( بل التزموا بأن يأخذوا بآراء الفقهاء في المذاهب الإسلاميّة كلّها محاولة منهم لتقريبه من القوانين الغربيّة، رغم أنّ هذا لا يوافق المنهج العلميّ وما سار عليه الفقه–المقارن- فالعبرة للدليل الأقوى لا الأمزجة!).
نعم! هذا القانون يحتاج إلى تعديلات لتغيّر الأزمان، لكن لم يتمكّن أولو العزم من مواكبة هذا التغيير وفق أصوله الشرعيّة فكان هذا سببا لمن يريد أن يتخلّص من هذا القانون.
وسبب آخر سوء تطبيق القانون متأثّراً بالانحرافات التي سار عليها المجتمع، فعقد الزواج بركة، ونحن لا نعترض على تعبير بركة فهو لفظ إسلاميّ راق نعني به توفيق الله وحراسته لحياة زوجين وحسن صلتهما بالمجتمع، ولكن المشكلة في تحوّل معنى البركة إلى غموض وترداد لها دون فهم معناها.
عقد الزواج يعرفه العلماء بأركانه وشروطه وصيغة إيجابه وقبوله تتضمن قصد كل من طرفيه ( تنجيز ) العقد ، فإذا جرى العقد بوجود شاهدين ( أو أُشهر كما يشترط الإمام مالك ) وراعى هذه الشروط فقد حلّ كلٌّ من الزوجين للآخر على الفور، ولا حاجة لوجود عالم إلا احتياطاً خوف الوقوع في الغلط.
ولكن صار الشيخ في المشرق والمغرب مصدر البركة بمعناها المنحرف، والأنكى من هذا أن يُجريَ العقد إنسان اكتسب لقب الشيخ بسبب لحية ( قد يرسمها رسما ) وسبحة ( أو بدون سبحة إذا أراد أن يدّعيَ السلفيّة ) و رداء عربي ( وربما اتخذ الشيخ في الغرب بذلة - costume - سوداء وربطة عنق حمراء سراويلها ( محزلقة)، لأنّه اللباس الرسميّ عندهم!!)، أمّا العلم وسلامة تلاوة القرآن الكريم فيأتيان في مرتبة تاليةّ.
الزواج عبادة بالمعنى العامّ، وهو تنظيم للحياة الاجتماعيّة بكل جوانبها الروحيّة والمادّيّة وعلاقات الزوجين فيما بينهما وعلاقاتهما بالأقارب والأباعد. إنّه تنظيم مدنيّ بمعنى أنّه ينظّم الحياة المدنيّة، ولسنا بحاجة لأن يُفرض علينا نظام مستورد، ولا عقيدة ( فلسفة ) يُبنى عليها هذا النظام.
الله – تعالى - مصدر حلّ العلاقة بين الرجل والمرأة، وليس تخصيصاً لها من الرجل لهذه المرأة ، ولا من المرأة للرجل، لذلك هناك تعبير الخيانة الزوجيّة وللزوج الذي تضرر بهذه الخيانة أن يرفع الأمر للقضاء ليقتصّ من الخائن،ـوهذا عندهم ما يسمّى الزنى، إنّه مخصّص للمتزوّجين الذين يخونون أزواجهم. أمّا في الإسلام فالزنى كلّ علاقة فاحشة في غير نطاق الزوجيّة، وهي أولا وأخيرا خيانة لله- عزّ وجلّ - ، ولامانع أن تدخل فيها أشياء أخرى، ولكنّها تبقى أقل مرتبة بكثير من فكرة خيانة الله. قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم - : اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله – من خطبة الوداع أخرجها البخاريّ ومسلم وغيرهما. حسن عشرة النساء أمر إلهيّ في المقام الأول، ثمّ تأتي الأمور الأخرى، وهذه العلاقة هي إباحة من الله – تعالى - لعباده.
انظر إلى حكم الإسلام كذلك على هذه العلاقة: قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرً أخرجه مسلم .
بل إنّ الله كلّف بالنفقة على أسرته تكريماً منه – تعالى – لها، ولا تُجبر المرأة على دفع درهم واحد إلا إذا تبرّعت، هذا حكم إلهيّ، وليس كما يفهم الغرب شركة ماليّة، وعند الطلاق يقسم المال قسمين متساويين لكلٍّ منهما، ستقولون: يحقّ للزوجين أن يشترطا أن يكون المال منفصلاً بينهما، أي أن الأصل هو اختلاط المالين، وهذا الشرط استثناء من القاعدة، لا يعفي المرأة من الإنفاق!
في المشرق: الناس ملتزمون بأحكام الزواج نظريّا، ولكن الخروج عنها عاديّ، ويبقى الزواج أي علاقة الزوجين محصوراً – في كثير من الأحيان – أي بحلّ هذه العلاقة، هذا الحصر يدخل الزواج في البركة الغامضة أي الكهنوت – قداسة الزواج بالمفهوم غير الإسلاميّ.
في الغرب: يلتزم المسلمون – المتديّنون – بإجراء عقد زواج بالطريقة التي ذكرتها قبل سطور، ولكنْ لا ليلتزموا به – غالباً - ، بل المحكّم عندهم عقد الزواج الذي أجرَوْه في البلديّة، وهو عقد قد نضطرّ إليه – أو نجريه فيما دون الضرورة الشرعيّة فعلا-، إنّه إقرار بفلسفة العقد وبالنظم المخالفة، رغم أن المسلم غير مضطر لهذا العقد - إلا في حالات محدّدة كما قلت – فالعقد الشرعيّ غير معترف به في الغرب، وهم يسمحون بالتعايش بين رجل وامرأة – بل بين متماثلين – والحقوق الماليّة واحدة سواء كان التعايش بعقد أوغيرعقد للخدينين ولأولاد يعيشون معهما سواء أكانوا منهما أو متبنّين. بل إنّي لأعرف مسلمين – لا أدري صدق إسلامهم!! – ينفصلان- أو يتطلّقان – لأنّ المرأة بدون رجل لها حقوق تزيد على المرأة تعيش مع رجل – طبعا هذا الانفصال أو الطلاق لا ينتج عنه عدم المعاشرة، فالقانون لا يمنع لقاء غير المتزوّجين!! بل يحدث أنّ امرأة تأتي مع زوجها الذي عقد عليها في بلده ولكن لا يقدّمان عقد الزواج، عند ذلك يُسجّل الأولاد أولاد الطبيعة. بل سئلت: عندما نريد أن نُجريَ العقد الشرعيّ قد لا يُوافق وليّ أمر المرأة، فما رأيك أن نأخذ برأي أبي حنيفة فهو لا يشترط موافقته على زواج البنت البالغة، قلت هذا صحيح، ولكن أبا حنيفة أعطاه حق الاعتراض أمام القاضي!! فمن يجرؤ منّا على هذا العمل أمام القاضي الغربيّ، ماذا سيقول: أنت تتدخّل في الحرّيّة الشخصيّة، وقد يتسامح معنا لأنّنا نفكّر تفكيراً متخلّفا!!
ألا يُجرى عقد الزواج كثيراً للبركة الغامضة
أي يدخل في باب الكهنوت؟!