موقف القادة الجدد، من التطبيع، مع الكيان الصهيوني
الكاتب والباحث احمد محمود القاسم
دراسة قيمة، قدمها د. عبد الإله الراوي[1] وقد نالت إعجابي وتقديري، إلا من نقطة واحدة، والدراسة، تفضح القادة الجدد، في الجمهورية التونسية، الذين (سرقوا الثورة)، وموقفهم من التطبيع، مع الكيان الصهيوني، تناولت الدراسة ثلاثة محاور رئيسية وهي:
أولا: الموقف الرسمي من التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ثانيا: موقف حزب النهضة ومواقفه من التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ثالثا: موقف بعض الأحزاب الأخرى، والجماهير التونسية المناهضة للتطبيع.
سأتناول بالشرح والتعليق، على البندين السابقين فقط، لأن البند الثالث، لا يحتاج إلى توضيح، فموقف جماهير الشعب التونسي معروف منها، فهي التي، قادت الثورة، وكان هدفها، القضاء على نظام الرئيس المخلوع (بن علي)، الذي كان يسير، في ركب الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ويعمل على التطبيع مع دولة الاحتلال، ومن هدفها أيضا، الوقوف، إلى جانب الشعب العربي الفلسطيني، الذي يتعرض، إلى هجمة صهيونية شرسة، بعد أن اُحْتلتْ أراضيه، وسُلبتْ أملاكه، وأُـُسرتْ حريته، وانعدمتْ حقوقه الإنسانية، ودُنست مقدساته الإسلامية والمسيحية.
أما النقطة، التي لا أقف بها، إلى جانب موقف د. الراوي مؤيدا، هي انه هو (ضد عودة اليهود التونسيين، الذين هاجروا إلى دولة الاحتلال الصهيوني، في العام 1948م، إلى تونس، إلا إذا وافق الكيان الصهيوني، بعودة اللاجئين الفلسطينيين، إلى ديارهم وأراضيهم).
في الحقيقة، انه لا يمكن للكيان الصهيوني، السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وديارهم، كما انه لن يسمح، بعودة حتى اليهود التونسيين المقيمين في دولة الاحتلال، إلى تونس، إلا بعدد محدود جدا، بهدف استغلالهم، لعمل (الموساد والشاباك) وخلافه. لأن اليهود الصهاينة، عندما هجًروا اليهود العرب، إلى أرض فلسطين، كانوا بحاجة لملأ دولة الاحتلال باليهود الصهاينة، ولجئوا، إلى كافة الأساليب المشروعة والغير مشروعة، لتهجيرهم إلى (ارض الميعاد)، فاتبعوا أسلوب الترغيب والتهديد، كي يرْحلوهم، وافتعلوا الجرائم لقتلهم وإرهابهم، في معظم الساحات العربية، ونسبوا كل ما فعلوه للعرب، وكانوا يخاطبوا اليهود بقولهم، إذا بقيتم أيها اليهود، في الأراضي العربية، فسيتمْ قتلكم من قبل العرب.
عندما هُزمت الجيوش العربية في حرب العام 1948م، قامت بعض الجماهير العربية، في بعض الدول المتواجد بها يهود، بأعمال عنف بعفوية، وبدون وعي وإدراك، لأبعاد أعمالهم هذه، َرداً على الهزيمة، بمهاجمة اليهود العرب، وحرق ممتلكاتهم ومحلاتهم التجارية، ويخدمون قضيته، انتقاما منهم، ظنًا منهم، واعتقادا، بأنهم بذلك، يقفون إلى جانب الفلسطينيين، ويثأروا، في مصابهم الجلل ومحنتهم.
من الدول التي شهدت أعمال عنف، كل من اليمن ومصر والعراق وسوريا والمغرب، وبعض الدول الخليجية العربية الأخرى، مما ساهم هذا العمل، بتشجيع هجرة اليهود، إلى ارض فلسطين، واستجابة لدعوات الحركة الصهيونية بالهجرة، وقد ضخًمت دولة الاحتلال الصهيوني هذه العمليات، وشجعتها وساهَمتْ بها، من اجل تحقيق الهدف، وهو تهجير اليهود العرب، إلى ارض فلسطين، حيث كان عدد اليهود يومها في فلسطين، أقلية، لا قيمة لها.
لذلك، أنا مع عودة اليهود التوانسة، وكل اليهود العرب، إلى أوطانهم العربية، التي هجروا منها، من المحيط إلى الخليج، وكافة دول العالم، وإعطائهم حق المواطنة، كأي مواطن عربي آخر مقيم، مع تعويضهم عن ممتلكتهم وأموالهم التي فقدوها، وتوفير حياة آمنة لهم جميعا، أُسْوة بباقي المواطنين العرب، فإذا تحقق هذا الهدف، ونجح فعلا، فإنه سيخلق ضغطا كبيرا، على الكيان الصهيوني، وسيتيح الفرصة لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وديارهم، التي استولوا على جزء منها، اليهود العرب، لأن دولة الاحتلال الصهيوني، تقولعلى اللاجئين الفلسطينيين، الإقامة في ممتلكات اليهود، في الدول العربية، التي خرجوا منها قسرا)، حسب ادعائهم، وهم يعتبرون إحلال اليهود العرب في فلسطين، بدل الفلسطينيين، هي عملية تبادل قسرية.
الرئيس الراحل صدام حسين، كان أول من دعى بعودة اليهود العراقيين إلى ديارهم، وكذلك، تمت دعوتهم الآن، من قبل حزب النهضة الإسلامي في تونس، بقيادة الغنوشي، مع أن الدعوتين، أشك بجًديتهم، حيث لم توضح الدعوة، آلية وشروط العودة، وحقوق اليهودي العائد، ومن يضمن له الأمن والسلامة، إذا عاد، ونحن كفلسطينيين، وكعرب، يجب أن نناضل، من اجل حق عودة اليهود إلى أوطانهم، التي هجروا منها، وكذلك، من اجل حق عودة الفلسطينيين، من هنا كنت، اختلف مع كاتب الدراسة د.الراوي، برفضه لعودة اليهود التونسيين إلى تونس، إلا بشروط.
أما فيما يتعلق بالموقف الرسمي من التطبيع، مع الكيان الصهيوني، فكان من الواضح جملة الإجراءات، التي قامت بها حركة النهضة، بزعامة الغنوشي وحكومته، بعد فوزهم بالانتخابات التي جرت بعد الثورة، ومنها تعيين (خميس الجهيناوي)، الذي سبق وترأس مكتب تونس، في تل أبيب، بين أعوام (1996م و 2000م)، مساعدا لوزير الخارجية التونسية، والذي عمل على تطبيع العلاقات التونسية، مع قتلة الشعب الفلسطيني من القادة الصهاينة.
تعتبر هذه خطوة تطبيعية مع الكيان الصهيوني، وكان هناك رفض من الشعب التونسي، لهذه الخطوة التطبيعية، مع الكيان الصهيوني، من خلال حشد جماهيري، تم خلاله، رفع شعارات، تضمنتْ تهديدا لكل تونسي، يقيم علاقات مع الكيان الصهيوني بالموت. رفض رئيس الحكومة التونسية المؤقتة (الباجي قائد السبسي) الانتقادات الموجهة له وأدانها، على خلفية هذا التعيين، ولم يغير من الأمر شيئا.
حركة النهضة بزعامة الغنوشي، كانت تتناقض مع سياسات الحكومة التونسية، في عهد بن علي وخياراتها، وطالبت بإغلاق المكتب الصهيوني في تونس، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الصهاينة، ودعت الشعب التونسي وقواه الحية، إلى التمسك بالثوابت الإسلامية والوطنية، ومعارضة سياسة التراجع والتنازلات للعدو الصهيوني، وأكدت أهمية الموقف العربي والإسلامي المتضامن في التعامل، مع الغطرسة الصهيونية، ومواجهة سياسات الهيمنة والتمييز، التي يمارسها التحالف الأميركي-الصهيوني، ضد العرب والمسلمين. (دراسة تحليلية: إسلاميو تونس و المغرب ...).
قال كبير أحبار يهود تونس، المدعو (حاييم بيتان)، إن الرئيس التونسي المؤقت (منصف المرزوقي)، دعا اليهود، الذين كانوا يعيشون في تونس، وغادروها بالعودة إليها، واعتبارهم مواطنين، كاملي الحقوق، وقد نقل عن بيتان قوله، إن هذه الدعوة، جاءت خلال اجتماع معه، في لقاء وصفه بالتاريخي. (لست ضد هذه الدعوة، بل يجب العمل على تنفيذها، ولجميع اليهود التونسيين، مع أن البعض، اعتبرها تطبيعا مع العدو)، وأعربَ عن ارتياحه من الاهتمام باليهود في تونس، ".[2]. من المعلوم أن عدد اليهود المتواجدين في تونس، يربوا على مائة ألف يهودي، ولم يبق منهم بعد تهجيرهم في الوقت الحاضر، سوى ألف شخص.
يقول الدكتور (عبد الإله الراوي) في دراسته: (لقد سبق، أن رفضنا دعوة اليهود العراقيين، للعودة من الكيان الصهيوني، إلى العراق، دون أن يُسمح بعودة الفلسطينيين المهجرين قسرا، إلى وطنهم الأصلي في فلسطين) (شبكة البصرة، 12/3/2010م). (هذا الرفض، اعتبره حقيقة، ضد المصلحة والقضية الفلسطينية، والمفروض قبل هذا الرفض، استشارة القيادة الفلسطينية، فهي الأكثر معرفة بأبعاد مثل هذا الرفض).
صرح المنصف المرزوقي (رئيس النظام التونسي الجديد) أيضا، (أن تونس، ليس لها أعداء، وعلى الفلسطينيين، أن يحًلوا مشاكلهم مع الإسرائيليين بأنفسهم)، فماذا يعني ذلك، غير التطبيع بعينه، مع الصهاينة، على حساب الفلسطينيين، وترك الفلسطينيين بدون الدعم التونسي لقضيتهم العادلة.
يقول الدكتور غالب الفريجاتإن الغنوشي، يقود تطبيع الإسلام السياسي، مع الكيان الصهيوني، حيث لا ينظر للكيان الصهيوني، على انه قائم على العدوان، على ارض فلسطين، وان مجرد وجوده، لا يشكل خطراً على الأمة العربية جمعاء، بما فيها تونس. 22/2/2012 م).
قال وزير الخارجية التونسية المؤقت (رفيق عبد السلام)بأنه لا يؤيد فكرة تخصيص بند في الدستور التونسي الجديد، يُجّرم عملية التطبيع مع إسرائيل)، مع أنه أكد، أن بلاده، لن تقيم علاقات مع إسرائيل، وأضاف في حديث تلفزيوني بثته قناة "حنبعل تي في. التونسية الخاصة (أن خلطاً قد تم، في موضوع التنصيص، على تجريم التطبيع مع إسرائيل، في الدستور التونسي الجديد)، مع انه قال أيضا: (أن إسرائيل، لا تحترم القانون الدولي، ولا تحترم حقوق الشعب الفلسطيني).
أما عن حركة النهضة ومواقفها من التطبيع، فإن عددا كبيرا من وكالات الأنباء، تداولتْ خبر مفاده، قيام راشد الغنوشي، (زعيم حركة النهضة الإسلامية) بتلبية دعوة معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، الذي أسسته وترعاه منظمة (إيباك) الصهيونية، بالتنسيق مع المخابرات الأمريكية، وإلقائه محاضرة في المعهد المذكور، طمأن فيها اللوبي الصهيوني المهيمن، على القرار الأمريكي، بعدم معاداة تونس لدولة الاحتلال، ويعلن فيه-قولاً وسلوكاً-التطبيع مع العدو الصهيوني، وإعلانه من هناك، أنه لا عداءً مطلقاًً مع دولة الاحتلال (إسرائيل)، وأن تونس الجديدة، لن يتضمن دستورها، أية إشارات بالعداء للكيان الصهيوني. إن هذا الموقف من زعيم حركة النهضة (راشد الغنوشي)، هو انهيار أخلاقي وسياسي، حيث البعض، كان يحتسبه إسلامي مستنير وثوري، وهو أول من يعلم، حجم الجرائم الإسرائيلية، ضد الفلسطينيين والعرب، طيلة أل 65 عاماً المنصرمة، لاحتلال فلسطين، وكان المفروض، أن يكون أكثر تعاطفاً مع الحقوق الفلسطينية والعربية. (كما أنه حَضرَ مؤتمر (دافوس) وهو يعرف، إن هذا المؤتمر، تقوده الحركة الصهيونية، فقد حضره إلى جانب رئيس الوزراء المغربي (عبد الإله بنكيران)، والذي صرح، بأن الحركات الإسلامية، أكثر انفتاحاً مما يظن البعض، وقال (نحن منفتحون جداً، ويمكننا ضمان مصالحكم، واستثماراتكم، بصورة أفضل من قبل، ومصالحنا متكاملة، ماذا تريدون أكثر من ذلك)، وقد أكد كل من راشد الغنوشي وبنكيران (إن على الفلسطينيين، أن يقرروا بأنفسهم، شأن طبيعة علاقاتهم بإسرائيل)، مما يعني خروج، دائرة الصراع العربي الصهيوني، من بعده القومي والديني. أما موقف الحركة السابق، فقد سبق وأن عَبًرتْ عن معارضتها لتصفية القضية الفلسطينية، وفرض التطبيع على الشعب التونسي بالقوة والقسر، إذ تعتبر، أن ما قامت به الحكومة التونسية، في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لا يمثل الشعب التونسي وقواه الحية، الرافضة للاستسلام، إذ إن تلك الخطوة من التقارب، بين الحكم التونسي والكيان الصهيوني في عام 1994م، كانت تشكل مساندة صريحة، ومتبادلة لإرهاب الدولة، الذي تمارسه «دولة الاحتلال» في فلسطين و لبنان.
يقول د.الراوي في دراسته أيضافي الوقت الذي نعارض فيه أي تطبيع مع الكيان الصهيوني، أو السماح لعودة اليهود، الذين سبق وغادروا تونس، فنحن ضد التحريض على قتل اليهود التونسيين، لكونهم مواطنون تونسيون، ويحق لهم التمتع بكافة الحقوق التي يتمتع بها أي مواطن تونسي مسلم أو مسيحي)، وهذه النقطة، أعتقد بأنه لا خلاف عليها.
(كان الغنوشي قبل هذه الممارسة التطبيعية، يُشار إليه، على انه من رموز المناضلين، الذين ناضلوا ضد كل أنواع القهر والجبروت، والطغيان، وله موقفه، الذي لا يستطيع احد أن ينكره في الساحة السياسية، وخاصة في الإسلام السياسي، كرمز من رموز الحركات الإسلامية المناهضة، ولا يمكن له أن يسقط هذه السقطة، عن جهل وبدون وعي.) (الدكتور غالب الفريجات: الغنوشي يقود التطبيع..)
هذا تعليق على جزء من الدراسة القيمة، التي قدمها د. عبد الإله الراوي، والمنشورة في صحيفة التجديد العربي، وتبين الدراسة، كما جاء سابقا، بأن قيادة ثورة التغيير العربي، وما اصطلح على تسميته ب(الربيع العربي)، في تونس، وصعود الإسلام السياسي إلى قمة السلطة في المغرب، وكذلك في جمهورية مصر، وما يريدونه، أن يكون في سوريا الآن، كله يصب في مصلحة الكيان الصهيوني، إذا ما طبعوا علاقاتهم معه، بعيدا عن الحقوق الفلسطينية المسلوبة، ويظهر أن الإسلام السياسي، قد تخلى بسرعة، عن شعاراته الطنانة، المؤيد شكلا للحق الفلسطيني، حيث كانوا يتخذوا، من القضية الفلسطينية، شعارا، من اجل الوصول إلى السلطة، وإذا ما تواصلت، ثورات الربيع العربي في سياساتها التطبيعية، مع الكيان الصهيوني، في هذا الاتجاه، فلا شك، أن مثل هذه الأنظمة، التي طمُحت منها الجماهير العربية الأمل المشرق القادم، ستكون أسوأ، من الأنظمة البائدة التي رحلت، على الأقل، فيما يتعلق بالتطبيع، مع الكيان الصهيوني، وان ناظره لقريب.
7/4/2012