الاتباع والابتداع
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا
جاء في ذم البدعة نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، وحذر منها الصحابة والتابعون لهم بإحسان، ومن ذلك على سبيل الإيجاز ما يلي:
أولاً: من القرآن:
- قال الله عز وجل: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} آل عمران: 7، وقد ذكر الشاطبي رحمه الله آثاراً تدل على أن هذه الآية في الذين يجادلون في القرآن، وفي الخوارج ومن وافقهم
- وقال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} الأنعام: 159، وهؤلاء هم أصحاب الأهواء، والضلالات، والبدع من هذه الأمة
- وقال عز وجل: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} الروم: 31-32.
- وقال عز وجل: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً} الأنعام: 65.
ثانياً: من السنة النبوية:
جاءت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذم البدع والتحذير منها، ومن ذلك ما يأتي:
- حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد“
- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في خطبته: ”أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلّى الله عليه وسلّم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة“ وفي رواية النسائي: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يقول في خطبته: يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول: ”من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له، إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعةٌ، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار“
- وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا؟ قال: ”أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمّر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة“
- وعن حذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم"
فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: ”نعم وفيه دخنٌ“
فقلت: وما دَخَنُهُ؟ قال: ”قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغي هديي تعرف منهم وتنكر“
فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: ”نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها“
فقلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: ”نعم: قوم من جلدتنا، يتكلمون بألسنتنا“
قلت: يا رسول الله، فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: ”تلزم جماعة المسلمين وإيمامهم“
فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: ”فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك“
قال الإمام النووي رحمه الله: قوله: ”يهدون بغير هديي“ الهدي الهيئة، والسيرة، والطريقة، قوله: ”دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها“ قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعون إلى بدعة ضلالة آخر الخوارج، والقرامطة، وأصحاب المحنة"
ثالثاً: من أقوال الصحابة رضي الله عنهم في البدع:
- ذكر ابن سعد رحمه الله بإسناده أن أبا بكر رضي الله عنه قال: "أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوِّموني"
- وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا"
رابعاً: من أقوال التابعين وأتباعهم بإحسان:
- وقال الإمام مالك رحمه الله: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلّى الله عليه وسلّم خان الرسالة، لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} المائدة ، فما لم يكن يومئذ ديناً، فلا يكون اليوم ديناً"
- وقال الإمام أحمد رحمه الله: "أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والإقتداء وترك البدع، وكل بدعة ضلالة، وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين"
منقول مختصرا من كتاب نور السنة وظلمات البدعة في ضوء الكتاب والسنة
تأليف الدكتور / سعيد بن علي بن وهف القحطاني