اللطيفة القرآنية المختارة هذا اليوم هي الآية (21) من سورة الجاثية. هذه السورة العظيمة التي اشتملت على قضايا متنوّعة,رأيت أن أتحدث عن واحدة منها , لها في واقع الناس وجود متجذر, لاسيما أنها تقود إلى الخطأ عند إطلاق الحكم على النفس أو الآخرين.يقول الله تعالى: (أم حسب الّذين اجترحوا السيّئات أن نجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون.) سحب الأوهام عندما تقبع في العقول تفرض سلطانها بقوة , فلا يستطيع الكثير من الناس أن يبرحها ويتحرّر من سيطرتها,وبالتالي يخطئ فيما يدلي به من قرارات وأحكام ومقارنات, سواء فيما يتعلّق بنفسه أو غيره. وثمّة فريق من الناس وقعوا في شباك الأسر وأضحوا عبيداً لأهوائهم وشهواتهم وزيّن لهم الشيطان المعاصي وسّهل لهم الطرق المؤدّية إليها فحثوا الخطى يهرعون إليها فاقترفوها وخلدوا إلى لذتها ضاحكين لاهين وكأنّهم خلقوا لهذا لا لغيره. فكم ترى من هؤلاء وهو يسبّ الله جل وعلا وربما سبّ القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم,واستهزأ بأولئك الّذين يهرعون للصلاة في المسجد وهو يقهقه بضحكته بصوت عال,أو تحدّى مشاعر الصائمين في رمضان وسخر منهم وأخذ يأكل أو يشرب بل يرسل دخان لفافته أمام الصائمين . ومنهم من منع الزكاة حق الله في المال فعطّل ركناً من أركان الإسلام.وثمّة من يزني ويشرب الخمر ويأكل الربا والرشا ويغصب مال الآخرين.ومن هؤلاء من سفك دم مؤمن عمداً,وآذى جاره وعقّ والديه,...أقول: ناس هذا الفريق,كم هم محرومون لذة الطاعة التي يشعر بها الصاحون؟ كم هم أغبياء جاحدون وهم يعصون الله ويعيشون في ملكه ويأكلون من رزقه!ومن هنا نعلم أن العاصي سمته الجرأة على الله بلا وازع من حياء. ثم يرفع نفسه إلى مقام الصالحين الطائعين يعدل نفسه بهم في الحياة والممات,بل ويدخل نفسه الجنة وكأنه مالكها,ويجزم أن كثيراً من المؤمنين لن يدخلوها. الحق تبارك وتعالى ينكر على هؤلاء هذا المقياس الجائر ومكمن الجور فيه أنه يسوّي بين الصلح والطالح والطائع والعاصي والمحسن والمسيء ويجعلهم في منزلة واحدة.لذلك قرر الحق سبحانه بطلان هذا المقياس ووصفه بالحكم السيئ.فبون ساشع بين الطائعين والعصاة,ولا يقبل أدنى الناس عقلاً بهذا المقياس الخاطئ فكيف يريد منا أصحاب هذا الفريق أن نقبله ؟
إيضاحات وفوائد: هذه فوائد وإيضاحات متممة للطيفة القرآنية لتكتمل المنفعة بها أن شاء الله تعالى :
1- اجترحوا السيّئات : اقترفوا المعاصي , اكتسبوا المعاصي . والجارح يسمى كاسب والطيور الجارحة تدعى الكواسب. وكاسب الأسرة يقال له جارح الأسرة لأنه يكسب المال وينفقه عليها.
2- هذه الآية كان لها في حياة السلف الصالح من أمتنا شأن. هذا تميم الداري رضي الله عنه يقرؤها فيبكي ويرددها حتى الصباح. وكذلك الفضيل بن عياض يقرؤها فيبكي ويقول : ليت شعري يا فضيل من أيّ الفريقين أنت؟ فسميت الآية مبكاة العابدين.